قبيل انعقاد قمة كوب22، وعشية زيارة عبد المالك سلال إلى السعودية، أجرى حوارا صحفيا مع جريدة الشرق الأوسط بتاريخ 15/16 نوفمبر الجاري، ارتبط جزء كبير منه بالعلاقة المغربية الجزائرية، ومستقبلها، الأكيد أنه عند إدلائه بهذه التصريحات التي أعلن فيها أن "المغرب بلد جار وشقيق، بيننا نقاط خلاف عالقة تتباين بشأنها وجهات النظر، حيث تفضل الجزائر مقاربة شاملة تطرح فيها القضايا في حوار مباشر، خصوصاً أن الأمر يتعلق بمواضيع محددة، ويبقى استعداد بلادنا كاملا لتسويتها بطريقة جدية وسلمية". بالعودة لمختلف المواقف التي عبر عنها المغرب، خاصة السنة الماضية قبيل مناقشة قرار مجلس الأمن، نجد أنها تم التأكيد فيها على الطابع الإقليمي للنزاع المفتعل حول الصحراء، وأن الجزائر معنية بهذا النزاع، ويجب أن تكون طرفا في أي مفاوضات مستقبلية، بل طرفا أساسيا. هذا الموقف ناتج عن اعتبارات عدة، أهمها الاحتضان الجزائري للبوليساريو، ورعايتها له، والتحكم في مواقفه، وقراراته، بل في صناعة " قيادته" لذلك ظل المغرب يعتبر أن الطرف الأساسي في هذا النزاع هو النظام الجزائري وليس جبهة البوليساريو، التي تظل ورقة استعملها بومدين في فترة الثمانينات للضغط على المغرب، ودفعه للتراجع عن أي دور إقليمي خاصة على مستوى شمال إفريقيا. اليوم ومع هذه التصريحات، والزيارة التي تم القيام بها مؤخرا للملكة العربية السعودية، الذي قد يعكس نوعا من التحول الحذر، الهادئ نحو المحور المغربي/الخليجي، الذي قد تكون الدول الخليجية طرفا في تقريب وجهات النظر بين المغرب والجزائر. فإذا كان المغرب يعتبر منذ مدة، في مختلف مواقفه، وبياناته الرسمية أن الجزائر هي الطرف الأساسي في الصراع المفتعل حول الصحراء، واليوم يأتي تصريح عبد المالك سلال، للدعوة لحوار مباشر بين البلدين، دون أن يضع أية قيود على هذا الحوار المحتمل، خاصة وأنه في باقي تصريحه لم يحل تقرير المصير على الاستفتاء بشكل مباشر، و آلي، مضيفا أن" الملف هو في يد الأممالمتحدة وهو محل مسار تفاوضي… على أساس مبدأ تقرير المصير وبلادي تدعم هذا المسار وتلتزم به و تتمنى نهاية سريعة للمفاوضات وحلا عادلا ونهائيا لهذا النزاع"، ولأول مرة في تصريح رسمي لمسؤول داخل الدولة الجزائرية لا يتم الربط بين تقرير المصير كمفهوم والاستفتاء، بل ربطه بالوصول لحل نهائي وعادل. إذا ما ربطنا هذه التصريحات بالوضعية الداخلية للجزائر، وحالة الاختناق الاقتصادي والاجتماعي الذي أصبحت تعيشه منذ الأزمة النفطية في الأسواق العالمية، وما أصبحت تشكل جبهة البوليساريو من عبئ مالي وسياسي على النظام الجزائري الذي يعيش منذ ثلاث سنوات على وقع صراع داخلي وتجاذب خطير بين أجنحته سواء بمربع الرئاسة، أو بين الاستخبارات والأجهزة الأمنية تجلى في الإقالات التي تمت خاصة للجنرال القوي، توفيق. لذلك فحالة "الوهن" أضف لذلك تزايد حدة الاحتقان الاجتماعي بمنطقة القبايل الذي بدأ يترجم إلى مواقف سياسية تهدد الوحدة الجزائرية، وتمس سيادتها، وتهددها مستقبلا، إذا وضعناها في سياق الخطاب الملكي بالقمة الخليجية/المغربية التي تم الإعلان فيها عن وجود مخطط واضح لتقسيم باقي الدول العربية، كذا انسحابات أغلبية الدول العربية من القمة العربية/الإفريقية والعودة القوية للمغرب إلى الاتحاد الافريقي… زيادة على التهديدات الأمنية والإرهابية التي تحدد مختلف هذه الدول، كلها عوامل قد تكون دفعت جهات داخل السلطة الجزائرية إلى دفع عبد المالك سلال لإطلاق مثل هذه التصريحات، وهي التصريحات التي سبقتها رسالة بوتفليقة للمغرب وملكه في ذكرى ثورة الملك والشعب، إذ مهد لهكذا تصريحات. السؤال الذي قد يطرح نفسه بإلحاح، هو: هل يمكن اعتبار هذه التصريحات مجرد مناورة، خاصة وأنها تأتي عشية زيارة سلال للسعودية الحليف القوي للمغرب؟ أم أنه فعلا تصريح جدي يعكس رغبة لدى النظام الجزائري في إطلاق حوار مثمر، وفعال مع المغرب؟ كيفما كان الحال، وأمام التوجه الذي أعلن عنه المغرب منذ مدة، وعبر عنه في مختلف مسارات الملف المفتعل حول الصحراء، من كون النزاع ذي طبيعة إقليمية، وأن الجزائر هي الطرف الأساسي فيه، ومعها يجب الحوار، تبقى هذه الدعوة مع استحضار مختلف المعطيات الداخلية المتعلقة بالصراع الداخلي الدائري حول السلطة، بين أجنحته القوية، والذي كان ومازال يعتبر ملف الصحراء واحدة من الأوراق الأساسية والرئيسية التي يتم استعمالها، ولعبها في هذا الصراع.. يجب التفكير في كيفية التعاطي معها ايجابيا، والتمهيد لحوار جدي تطرح فيه مختلف النقط الخلافية، فتح الحدود، التكامل الاقتصادي، مع التأكيد على ملف الصحراء كنقطة ذات أولوية في أي حوار محتمل بين البلدين، وقياداتها، من خلال دفع النظام الجزائري إلى أن يلعب كامل أدواره في حل هذا النزاع، والتوصل لحل سياسي، عادل ودائم، والذي يعتبر الحكم الذاتي هو المعبر عنه، وعن الفهم الحقيقي لتقرير المصير، كأرقى أشكاله السياسية، وهو الحوار قد يتم التهميد لها بحوار مدني، يتوج بحوار سياسي شامل.