ثلاث سنين وأنا أعيش بين رنين آيات الرب الجليل، أتهذب بالخلوة وأتلذذ بالصوم ويوقظني برد الفجر فأمشي إلى المسجد على قوقأة الدجاج نهيق الحمير.. بين رائحة اللوحة الفائحة بعطر الصنوبر ورائحة الصمغ، انتشي. بين الشعر والمتون أسبح، بالخط الكوفي والعثماني والفارسي ترقص يداي. بين عذاب القبر ووضوء الميت أحزن. صرت زاهدة ليس لي إلا الله و قميصي القصير، تدفئني أكتاف الرجال بين صفوف الصلاة وتثيرني قبلهم على الأكتاف. يبتسم لي الشيخ، وأقبل يديه. كل مرة يحدّق إليّ من منبر الجمعة أومن كرسي الدروس بعد مغرب الأربعاء. صرت أصاحب الرجال الكبار ومن بين أقراني لا أكلم سوى زملائي الأمازيغ برحاب الجامع. في الحي لا أكلم الناس إلا قليلا فقد شغلني ربي عنهم؛ رجال الحي ألتقي بهم بالمسجد فيسلمون علي بوقار. العجزة يناقشونني في أمور الدين والدنيا. ذات صباح أوقفتني الحاجة ملكية، التي كانت تعيش بالسعودية وتزوجت ثلاث مرات من سوداني وباكستاني وسعودي. كانت الحاجة مليكة لا تعود من السعودية إلا مرفوقة بزوج جديد. لم اسلم عليها بيدي. كانت عيناي مصوبتان نحو الأسفل، على ملمح جزءٍ شبشبها الأسود. "تبارك الله.. كبرت" قالتها بعد السلام. "أريد أن أستشيرك في أمرٍ.. كيف نغسل المرأة المسلمة الميتة؟" أضافت. شرحت لها ما كان قد علمني إياه السي ابراهيم. ألقيت عليها السلام وهممت بالمغادرة فاستوقفتني: "وكيف نغسل عورتها من قُبل ومن دُبر؟". احمر خدّاي، فألهمني خجلي جوابا: سيدتي الآن هناك شيئ اسمه الانترنيت، ولا حاجة لك أن تستشيري أيا كان. السلام عليكم". إنها تتحرش بي باسم الله والشرع. "بان ليها فيّ البلان" هذه هي القناعة التي ترسّخت لدي عندما كرّرت سلامها علي، كلما مرت بجانبي، أو عندما أصبحت تزور أمي باستمرار. "أنا لست سوى بُنية في بداية مراهقتها وكفاني الله شرّك" رددت في نفسي. صباح الجمعة ذهبت إلى الحمام لأتوضأ الوضوء الكبير قبل صلاة الجمعة. أبصرت شابا مليح القد، فارع القوام، يرتدي تبانا من النوع الذي كنا نطلق عليه "فريميجة". ممددا كان ب"بيت السخون"، نسيت الوضوء ونسيت الجمعة. ياربي ما هذا الجسد وما هذه التفاصيل المغرية، سبحان من رص أصابع رجليه، قلت بيني وبين نفسي. "أيا هذا قف أمعن فيك النظر". كأنني أرى الرجال عراة لأول مرة، كأن شيئا منه يخر عيني من محجريهما، كأن جسده شعاع جاذب مغنطيس.. بدا لي شعر صدره وليا صالحا تلزمني زيارته، ضللت ساهمة بمكاني أهيم به دون أن يسمعني أو يحس بي، أنتقل معه من البيت السخون إلى المتوسط إلى البارد.. لما خرج من الحمام كانت الساعة تشير إلى الثانية بعد الزوال، فلم أصلي الجمعة. كل مرة عدت أدخل فيها الحمام، كنت أدخل إلى متحف للأجساد المغرية، لا أعرف فيما أحدق بالضبط لكنني أحدق وأحدق، وأظل لساعات لا أغسل، فقط أصب الماء علي وأتملّى أنواع الصدور والسيقان والأقدام… بدأت أدرك أن ما يجذبني إلى الحمام، هي أجساد الرجال، ومع ذلك أحاول أن أكذب نفسي. العياذ بالله، علي أن أتوقف عن هذه العادة قبل أن يتطور الأمر إلى شيء أخر، أقول: من الممكن أنني لا أشتهي، أنا فقط أتأمل خلق الله، أليس تأمل ساعة خير من عبادة سنة؟ آه.. كم أخشى أن يكون ما أصابني هو ما أصاب قوم لوط. اعتزلت ركنا، أكلم الله: ربي سُنتك أن نتزوج النساء، فما ذنبي إذا كان خلقك من الذكور يجذبني. ربي أعلم غضبك علي، لكنني أعرف أيضا أنك رحيم. ربي أوَ لن ترحمني إن مرر رجل شفتيه فوق شفتي؟ أعلم أنك ستغضب يا ربي. ربي لقد كثر هيامي بجمال خلقك أو لست أنت من يزرع الحب في العباد. ربي أعلم أني من قوم لوط، فهل أنت بي رحيم. لِمَ يا ربي لا تُنهِي حياتي حتى لا أغضبك. ربي إني أحاول أن أهرب، أن أغض البصر، أن أقرأ كتابك وأرقّي نفسي، فلا يتغير شيء فيّ، و يبقى الرجال وُسماء جميلين مثيرين لي يا ربي. إنك، سبحانك، تعلم ما بالقلوب فلا تعذب قلب عبد أحب ما قد تغضب لحبه. آمين. بعد صلاة العصر اتجهت إلى شيخي، كالعادة أنحني أقبل يدَه فيمسح على رأسي، قلت له: سي الفقيه، عندي ما أحدتك عنه لكنني أخاف من ردة فعلك، قال: لا تخف، قل ما تريد، قلت: شيخي إني مرتبك حائر كأن ربي يختبرني، شيخي قد عذبني التفكير ليس بالله لكن بخلق الله، وأظن أنه قد أصابني عشق الرجال ولم أقاوم. شيخي، لم يمسسني رجل لكني أخاف أن أختلي بأحدهم يوما. شيخي قد مسني ما أغضب الله وجعله يقلب مدينة قوم لوط سافلها على عاليها. شيخي أرشدني فقد طار عقلي وأنساني حب الرجال الصلاة… نظر الشيخ في عيني وقال: لا تَخَفْ، ربما مسَّك الشيطان أو عشقتك جنية.. فعليك بالرقية الشرعية وأكثر من ذكر الله. يا لهُ من غبي.. يا ليتني ما سألته فقد جربت الرقية وطبّقت تعاليم صحيح البخاري بالحرف فكيف تسكنني جنية!؟ عكفت على قراءة كلام الله ونبيه وأقوال الفقهاء والمفسرين عن اللواط، منهم من قال: اقتلوهم أينما وجدتموهم، ومنهم من قال انفوهم خارج بلدانهم… وأنا أقول: هذه الكتب وتلك الأحكام تظلمني وظلمت من هم مثلي من زمن النبي إلى زمن أسامة بن لادن.. نأناحن لم أقترف ذنبا، والله ليس بظلّام للعبيد. آه.. لقد أصبحت أشك، بعد سنين من التعبد والتهجّد وحفظ القرآن وقراءة صحيح البخاري وفتاوى ابن تيمية، والاستماع إلى أحاديث ووعض السي براهيم.. نعم أصبحت أشك.. كيف لا أرحم وأنا تركت كل شيء يمكن أن تعيشه طفلة من أجل الله، والله لن يقبل أن أكون بجانب رجل أحبه، إنني ظلمت كما ظلم الإمام الحسين غير أنهم لم يقطعوا رأسي بعد. هكذا تركت مجالس أهل السنة والجماعة وصرت من شيعة الإمام الحسين وأهل البيت المظلومين مثلي.. أصبحت ألطم خدي ورأسي و أردد يا حبيبي يا حسين يا مظلوم.. ملعون كل ظالم. أصبحت أتعلم عقيدة الإمام علي وآل بيته الأطهار، من خطب وأشعار وأذكار، عبر تلفزيون "الأنوار" وأدعو الله أن يعجّل بقدوم المهدي المنتظر كي يخلص العالم والإنسانية جمعاء وضمنها من يحبون الرجال من الرجال، آمين.