في عزلته المفروضة يعرض الفنان التشكيلي مصطفى بن مالك خواطره الفنية كتجليات تاريخية ترصد لحظات تاريخية هاربة من الزمن ، خطوات فنان ينتمي الى مدينة الصويرة احدى المدن المغربية التي صنفتها اليونسكو هذه السنة مدينة عالمية مبدعة ، فنان تخرج من مدرسة الحياة بدا هوسه وجنونه بالرسم منذ طفولته اكتشف معها الالوان المتعددة المنبثقة من التوابل والعطارة بكل تلاوينها واشكالها وروائحها فكانت تجسيدا حيا في لوحاته المتوهجة اكتشف معها الوجه الجميل للحياة بمدينة الرياح على ضفاف الاطلسي . اختار له مرسما بعيدا عن المدينة بحثا عن الهدوء وضجيج المدينة حيث يأتيه عشاق لوحاته من كل العالم ينخرطون في لمسات ابداعاته يشربون الشاي المنعنع وزيت الاركان وينتشون بروائح التوابل وانغام موسيقى كناوة ومن تعذر عليه الامر فانه يقرر كل سنة المضي الى اصقاع اوروبا في رحلة الشتاء والصيف من اجل تأثيث لحظات فنية مع عشاقه بقدر كبير من الانشداد والانبهار والمتعة . لوحات مصطفى بن مالك تبنى بأنساق لونية حارة متعددة تبني رؤيته للعالم من خلال وجوه عفوية ومتعددة تجمع ما بين العبوس والابتسامة انه رصد لرمزية تعدد المعنى في الواقع اليومي للمغاربة ، وجوه مستمدة من الثقافة الشعبية المغربية بمعناها الغرائبي والعجائبي وبتلقائية فاتنة يسرد فيها تفاصيل المتخيل الشعبي باحساسات مباشرة تبني ذاكرته المتشبعة ومتخيله البصري من فضاءات الصويرة المتعددة والضاربة في التاريخ وعن تعدد الانساق اللونية والصباغية يرى مصطفى بن مالك ان اللون هو مفردة تعبيرية يبني من خلاله عوالمه التعبيرية يسكب احاسيسه على اختلافها ويقدمها للمتلقي وان الوانه خاصة به استنبطها بنفسه عبر تجارب حياتية طويلة بدأت منذ طفولته كإشارة خاصة اليه دون غيره ، فهي ليست الوانا جاهزة كما تقدمها كمياء اللون عند بعض التشكيليين لانهم لا يبدلون جهدا في ان تعكس مناخهم النفسي والبيئي الخاص بهم . ما يميز الفنان مصطفى بن مالك الذي يشارك هذه الايام في معرض فني افتراضي بمناسبة جائحة كرونا بدولة العراق أنه يدرس لوحاته بعناية ويكون بذلك متلقيا فعليا لها بعين الفنان / الناقد ، ليس بمعناه الاكاديمي ولكن عبر ادراك حقيقة معاناة ابداع اللوحة واعدادها قبل تقديمها لكن هذا لا ينسيه عفويته ورؤيته الخاصة وهي رؤية جمالية تحضر بمرجعيات متعددة مما جعلها تلقى ترحيبا على مستوى التلقي الفني. يرى مصطفى بن مالك بان تعامله مع الالوان منذ طفولته كقيمة مكثفة اكتشف من خلالها اماكن معتمة في داخله تعلق معها بالحياة بكل معانيها الجميلة ، حتى وهو يعيش سكون الحجر الصحي يدعو الجميع لكي نتحد بكينونتنا الانسانية من اجل استمرار الروح والجسد وانجاز الوجود الانساني بالفن ، فالفن بالنسبة اليه يتسع لكل ما هو جميل وحقيقي فهو الحب في اشمل معانيه ، وكيف انه اكتشف العالم من خلال لوحاته فكل لوحاته لها رؤية خاصة بليغة ومؤثرة وتمتلك روحا حالمة ليس فقط في توهجها الفني ولكن في ارتباطها بفنون اخرى ومنها موسيقى كناوة التي اوصلت مدينة الصويرة الى العالمية من خلال الاستماع اليومي لها اثناء اعداد اللوحات خصوصا وانها تحضر رمزيا في اللوحات من حيث اللون الاسود الذي يحيل على الليل في مدينته الصغيرة الذي أخد من صلاحيات النهار في انتظار أن يحين الوقت الذي يأخذ فيه الأسود من صلاحيات الأبيض كبياض لباس الحايك الذي عرفت به الفنانة الراحلة وابنة المدينة بنتهيلة الركراكية الفنانة العصامية التي عاشت حياة بيضاء ينتشي الآخرون من إبداع أصابعها وهي المتوجة بالضياع إلى آخر يوم في حياتها…… يرى بن مالك ان الفن يمنحنا اسرارا وجودية تمنحنا الحق في أن ننتشي برأسمالنا الرمزي في الصويرة لأنها هوية إنسانية اختارتها اليونسكو منذ سنوات ارثا عالميا ومكانا للعيش المشترك والمتعدد لجميع الديانات في جغرافيا سرية لا يعرف قيمتها إلا من عاش عوالمها السحرية. فنحن ننتشي بموسيقى كناوة ، وهم يعزفون جروحهم، جروح تاريخ لا يرحم ، فانه استحضار فني ورمزي لتاريخ قارة افريقيا التي هي بمثابة الوالدة التي تنكرنا لها ، فكيف لنا ألا نفهمها إذن ونحن أبنائها الذين عاشوا دورتها الدموية الدموية لمدة تسعة أشهر؟