عشية الاحتفال باليوم العالمي للمسرح، شهد المغرب انطلاق مسرحية من نوع «الكوميديا السوداء»، مسرحية ما زالت العديد من كاميرات التلفزيون تتابع فصولها المضحكة / المبكية، لأنها لم تنته بعد، بطلها الأحزاب «الكبرى»، التي شرعت تتهيأ لنيل نصيبها من «وليمة المناصب» الوزارية، وكلُّ حزب يفكر بمنطق «قسمة الدجاج»، التي رواها الجاحظ في أحد كتبه. وهكذا، وبعد طول انتظار وشد وجذب، ستُولَد ولادة قيصرية حكومة هجينة وبلا هوية واضحة، تضمّ خلطة لا قِبل لأيّ بلد ديمقراطي بها، قوامُها ستة أحزاب بالتمام والكمال، هي مزيج من الإسلاميين والاشتراكيين والشيوعيين واليمينيين والليبراليين وغيرهم، وذلك بسبب العطب الموجود في النظام الانتخابي المغربي الذي يجعل الحزب المتصدر للانتخابات غير قادر لوحده على تشكيل الحكومة. بهذه الطريقة، أمكن لمُخرِجي اللعبة الديمقراطية أن يتحكموا فيها كما يشاؤون، ويوزّعوا الأدوار كما يحلو لهم، لا سيما بالنظر لهشاشة بنيات جل الأحزاب، وبالنظر أيضا للارتباطات المعلنة أو المُضمَرة بين «قياداتها» وبين مراكز القرار السياسي والاقتصادي. وبهذه الطريقة، جرى كذلك قصّ أجنحة حزب «العدالة والتنمية» الذي تصدّر الانتخابات التشريعية الأخيرة، حيث أُعفي زعيمه عبد الإله بن كيران من رئاسة الحكومة، وهو الذي يقود فئة «الصقور» في الحزب المذكور، بحسب تعبير المحللين المحليين، وعُوِّضَ بقائد «الحمائم»، سعد الدين العثماني، الذي رضخ منذ الوهلة الأولى للشروط المملاة عليه والمختصرة في العبارة المشهورة: «وضع البيض في سلة واحدة». وهو ما حذا ببعض المدوّنين إلى اقتراح إضافة باقي الأحزاب الموجودة حاليًا خارج المفاوضات الحكومية إلى سلّة البيض نفسها، ولاسيما «الأصالة والمعاصرة» و»الاستقلال»، من أجل جبر خاطر الجميع. أما مهمّة المعارضة، فتُترك للشعب الذي سيكون في مواجهة «الحكومة العثمانية» (اشتقاقا من اسم رئيسها الجديد). والواقع أن المواطن، اليوم، لم يعد بحاجة إلى وسائل الإعلام التقليدية، لكي يوصل صوته ورأيه وموقفه، إنه يقوم بذلك من خلال مختلف وسائط التواصل الاجتماعي الافتراضية: يكتب بالطريقة التي تحلو له، ويعبّر بالصوت والصورة، ويتداول الرسوم الكاريكاتورية والصور الفوتوغرافية الساخرة والتعليقات و»الهاشتاغات» بسرعة قياسية. إنه يمارس المعارضة الحقيقية العابرة للحدود والمتخطية لمختلف الحواجز. يبدو أن مُخرجي مسرحية «التشكيلة الحكومية» الرديئة، نجحوا في شيء واحد: إخضاع «العدالة والتنمية» ل «سرير بروكوست» الشهير في الأسطورة الإغريقية، بعد تنامي شعبية هذا الحزب واتساع دائرة المتعاطفين معه ومع زعيمه عبد الإله بن كيران الذي بدا عصيّا على مسايرة التيار. ولكن أولئك المخرجين ينسون أو يتناسون وجود الحزب الافتراضي الكبير جدا المكون من ملايين المواطنين الذين لا تنجح الوسائل التقليدية في التأثير عليهم وتوجيههم... ولاسيما بعدما أدركوا أن الحلم الديمقراطي تبدد واستحال كابوسا! العناق «الممنوع» تلفزيونيًا! لم يستسغ المقصّ التلفزيوني في المغرب وجود لقطة يبدو فيها العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني يعانق بحرارة عبد الإله بن كيران، رئيس حكومة تصريف الأعمال المغربية، فعمد إلى قطع تلك اللقطة التي ظهرت، للمرة الأولى، خلال النقل التلفزيوني المباشر للاستقبال الرسمي، الذي خصص الأسبوع الماضي للعاهل الأردني بمناسبة زيارته الرسمية إلى المغرب. غير أن عددا من رواد «الفيسبوك» كانوا في موقع الرصد والانتباه، حيث استنكروا السلوك الغريب، الذي أقدم عليه مسؤولو الأخبار في القناة الرسمية، الأحد الماضي، أثناء بث تقرير «الأنشطة الملكية في أسبوع»، إذ أقدموا على حذف العناق الحار بين الملك عبد الله وبن كيران، واكتفوا ببث سلام العاهل الأردني على رئيس مجلس النواب وباقي المسؤولين المغاربة. فمن هو هذا الرقيب، الذي أغاظه ذلك العناق الحار، الذي صار عناقا «ممنوعا» على منوال «العشق الممنوع»؟ وهل أمستْ صورة بن كيران مزعجة للبعض إلى هذا الحد، علمًا بأن الرجل ما زال يمارس مهماته رئيسًا لحكومة تصريف الأعمال، وإن أُقصِيَ من مهمة تشكيل الحكومة الجديدة، حينما رفض إملاءات بعض المقربين من دوائر القرار السياسي والاقتصادي؟ «مداولة» واللصوص الكبار! من أجمل التعليقات التي طفت على سطح الشبكة العنكبوتية أخيرا، قول أحدهم: إن برنامج «مداولة» التلفزيوني الذي يستعرض قضايا الجنح والجرائم في قالب تمثيلي، لم يتناول ولو قضية واحدة للصوص المال العام، بل يكتفي فقط بقصص المهلوكين والبائسين من الشعب الذين مرغت المشاكل والهموم وجوههم في الجريمة، فهل القانون للجميع كما يقال؟ وهي ملاحظة وجيهة، لاسيما بالنظر إلى أن المحاكم المغربية شهدت، وما تزال تشهد، منذ أكثر من عشرين سنة العديد من قضايا الفساد الإداري والمالي، أبطالها مسؤولون كانوا على رأس إدارات عمومية وشبه عمومية كبرى. كما أن تقارير المجلس الأعلى للحسابات تحفل برصد معالم سوء التسيير والتدبير واستغلال النفوذ في أكثر من مؤسسة، علاوة على ما يُتداول في الصحف والمواقع الإلكترونية وغيرها من أمثلة حية على فضائح «اللصوص الكبار». كاتب من المغرب. [email protected]