نظم المركز المغربي متعدد التخصصات للدراسات الاستراتيجية والدولية وجمعية مؤسسة روح فاس التي يتراسها محمد القباج، ومدينة فاس وجمعية ألف ومائتي سنة على إنشاء مدينة فاس، أيام 15-16-17 ملتقى دوليا كبيرا ومتنوعا في انتماءاته وكفاءاته بمدينة فاس حول تحالف الحضارات والتعدد الثقافي: من الاستراتيجية إلى التفعيل، بمشاركة كوكبة من المفكرين وأصحاب الفرار ورجال الإعلام والدين وممثلي المجتمع المدني وغيرهم من القارات الأربع، وتوج هذا الملتقى بإعلان مدينة فاس التاريخي. وعرف افتتاح المؤتمر تكريم أحد علماء فاس الكبار وابنها البار مولاي عبدالهادي التازي بمشاركة ثلة من العلماء ورجال الدولة والأصدقاء الذين أتوا من كل حدب وصوب نذكر من بينهم : عباس الجراري، مستشار جلالة الملك، محمد بعيسى، وزير الخارجية السابق، فيصل بن عبد الرحمن بن معمر، مستشار خادم الحرمين الشريفين، سعيد بن عطية أبو عالي، مدير عام التعليم بالمنطقة الشرقية بالمملكة العربية السعودية، فاروق الجرار وثابت الطاهر من الأردن، محمد حافظ، رئيس مجمع اللغة العربية بالقاهرة ورئيس اتحاد المجامع اللغوية العلمية العربية، عبد الوهاب بوحديبة، رئيس بيت الحكمة بتونس، أحمد مختار العبادي، من جامعة الإسكندرية ( وقد كان مشرفا على دكتوراه عالمنا المحتفى به التي ناقشها سنة 1971، أطال الله عمريهما)، ومحمد الشرقاوي، صهر جلالة الملك، ولطيفة أخرباش، ومحمد مصطفى القباج ومحمد الكتاني، وحميد شباط، ومحمد الدويري وسعد الكتاني من المغرب وغيرهم كثير، وستخرج شهاداتهم في كتاب سيصدر قريبا إن شاء الله. وأجمع الجميع على أن كل كلمة تزعم أن تعطي حق عبد الهادي التازي، كاملا وصافيا، إنما هي كلمة تغبط حقه وتهضمه، واستعصى على الجميع إيفاء المحتفى به كل مناقبه والإتيان على كل ما جاد به فكره وقريحته كخادم مخلص وأمين للثقافة المغربية والعربية والإسلامية، التي هام ولعا بعدد من رموزها وأنفق ما في صرة العمر من سنوات عزيزة وهو يمجد اللغة العربية ويطيل الثناء على قدرتها الاستثنائية في الاستيعاب وأداء المعاني الكثيرة والمتضاربة التي تجيش بخاطر الإنسان، حافرا في ذات الوقت في أسباب قوة الثقافة العربية والإسلامية، وإضافات الرموز المبدعة، التي حلقت بها عاليا إلى حد الشموخ. فهو أشبه ببحر لا شاطئ له، وهو بحر لا تعرف أين يبدأ فيه المد ولا من أين ينتهي الجزر. وقد أجمع كل المتدخلين أن سيدي عبد الهادي التازي كان دائما ولا يزال حاملا الوطن والمدنية بين جوانحه وحناياه، مفاخرا بهما في مجالس العلماء ومحافل الأدباء في كل الأصقاع التي زارها باحثا ومنقبا عن آثار الحضارة المغربية، متتبعا امتداداتها في الأزمنة والأمكنة مستجمعا أخبار وطننا ومستخرجا خباياها من أقبية المكتبات وخزائن المخطوطات، فدون أستاذنا الجليل كل ما عتر عليه بعد معاناة البحث بأسلوب الأديب البارع ومنهج المؤرخ المدقق. فعلاقته بالكتاب مثل علاقة الروح بالجسد، وعندما تدخل منزله الذي سماه ببغداد عاصمة العراق التي كان سفيرا فيها، تجد الكتاب في كل مكان، وهذا ما يفسر طبعا كونه يعمل بانتظام واستمرار، كانت نتيجته تلك الكوكبة من الأعمال الفكرية الرائعة والنادرة التي خلفها، وذلك الشريط الطويل من الخصوصيات الذاتية والجريئة لرجل يعشق الكتابة بالحركة الدائبة، لتكوّنَ في جملتها سفرا كبيرا ستقرأ فيه أجيال قادمة دروسا من الجهد والبذل العلميين تشهد لجامعة القرويين التي أخذ العالمية منها ولفاس التي تربى في أحضانها وللمغربي بقدرته على ولوج الكونية المعرفية من أوسع أبوابها وعلى الإقدام على المنافسة الأكاديمية في معترك العلم والمعرفة، فقد ترك لنا سيدي عبد الهادي التازي ستة وأربعين تأليفا وقرابة العشرة جاهزة للطبع تنتظر دورها كي تتسلم مكانها في فضاء التلقي والاستماع والمؤانسة. لذا يصعب على كل المتدخلين أن يؤتوا عبد الهادي التازي حقه وهو صاحب هذا الرصيد الكمي والنوعي والجامع لحقول معرفية مختلفة تشمل المذكرات وأدب الرحلات وتفسير القرآن وتحقيق كتب مرجعية لأبي القاسم الفجيجي وابن زيدان والسيوطي حبيبه المقرب ابن بطوطة وغير ذلك من عناوين ذات صلة بالطب والمراسلات والدين وتاريخ المغرب، البلد الآمن الذي أعطى التازي الحياة فبادله محبة خالصة. وسيدي عبد الهادي التازي كان من المحظوظين الذين توالت أولوياتهم، فهو: * أول من نجح في فوج الشهادة العالمية من جامعة القرويين عام 1947. * وأول من نجح في مباراة التدريس بالجامعة المذكورة عام 1948. * وأول من نال دبلوم الدراسات العليا من كلية الآداب والعلوم الإنسانية ( جامعة محمد الخامس) 28 فبراير 1963. * وأول من ألف ثلاثة مجلدات عن جامع القرويين 1972. * وأول من ألف حول التاريخ الدبلوماسي للمغرب من أقدم العصور إلى اليوم 15 مجلدا، 1986. * وأول من اكتشف على الصعيد العالمي خللا في ترتيب رحلة ابن بطوطة 2004 التي ترجمت إلى عشرات اللغات. * أول من حبس مكتبته الخاصة على خزانة جامعة القرويين عام 2006. استحضر الجميع خاصية تطبع سيدي عبد الهادي التازي وهو أسلوبه من الطراز الرفيع الذي يجمع بين الجد والهزل وخفة دمه وامتلاكه لفن الخطابة فل نظيره مما يثير إعجاب الحضور وسامعيه، فهو أحيانا يحدثك عن شأن تافه وكأنه أمر في غاية الأهمية، وأحيانا أخرى تحدثك عن شيء هام جدا وكأنه من توافه القول والحدثان. والرجل قد نال شهادة العالمية من جامعة القرويين وعين أستاذا فيها وخصص موضوع أطروحته لجامعة القرويين مؤكدا على أن جامع القرويين قد جمع بين المسجد والجامعة ودلك مكمن العظمة، بل إن ابن فاس الوفي قد أهداها مكتبته القيمة (أكثر من 7000 كتاب). فسيدي عبد الهادي التازي من النماذج التي يجب الاقتداء بها في العمل الدءوب والمتواصل فهو لا يعير أدنى اهتمام لمراحل العمر، بل هو يعكس هذه المراحل، فما يعتبر عند البعض شبيبة يراه شيخوخة، وما يعتبر عند البعض الآخر شيخوخة يصنعه شبيبة ينبغي استثمارها بأقصى قدر ممكن من الإنتاج والتقصي العلمي. لذا اجمع أصحاب الشهادات في حق سيدي عبد الهادي التازي انه ولا يزال والحمد لله من ذوي العقول الموسوعية العالمية المرموقة والمواهب المتعددة فهو الرجل الذي غاص في أعماق الثقافة العربية والإسلامية وتلمس بيديه حجارتها الكريمة، فقادته رحلة الغوص هذه إلى إبراز قيمة الثقافة العربية والإسلامية ومدى قدرتها على إثبات الذات حضاريا بشكل متجدد، ذلك أن تأليفه الكثيرة إنما تسعى إلى إذكاء الجذوة وإلى إعمال الذاكرة والحث على تجديد العهد مع الإبداع والمغامرة والخلق والقيم الصانعة للحياة. فهنيئا لمولاي عبد الهادي التازي بهذا التكريم، والله نسال أن يمد في أنفاسه حتى يواصل العطاء. ثم بعد هذا التكريم، استمر المؤتمر طيلة ثلاثة أيام، وقد دعي له كبار المفكرين من القارات الأربع حيث أجمع الكل أنه لا يتصور انطلاقا من الرؤى المرجعية الإسلامية أن يتصارع الدين الإسلامي مع الدين النصراني أو الدين المسيحي أو أن تتصارع الثقافة الإسلامية مع الثقافة الأمريكية أو الفرنسية أو الصينية، بل يمكنها أن تتعايش على أساس التعارف والاعتراف المتبادل بالمصالح المختلفة والاهتمامات المتعددة والانفصال القيمي والمفهومي؛ ثم إن الانزلاق الكبير والمتعمد هو تحميل عبء الأوضاع المزرية التي تعرفها مناطق متعددة إلى الخصوصيات الحضارية، أو الثقافية أو الخصوصيات الدينية أو إلى هذه الخصوصيات مجتمعة كما يروج لذلك الساسة الإسرائيليون في تبرير سياستهم التنكيلية بالشعب الفلسطيني، ويتجاهل السياسيون والإستراتيجيون الغربيون دور السياسات الدولية، في الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وما أدت إليه في الكثير من الأحيان من إدماج العالم في حركة واحدة، وما نجم عنها من توزيع غير عادل للموارد المادية والمعنوية معا. ومن هنا تأتي قيمة المنتدى الثاني الذي سيستند إلى الرؤية المرجعية المسطرة في المنتدى الأول ونسعى من خلال تدخلات المشاركين إلى العمل فيما وراء الثقافات الخصوصية على دراسة مواضيع شتى ومتداخلة لبلورة قواسم مشتركة تؤسس لأسرة إنسانية واحدة، وتدعم بالتالي خلق مرجعية فكرية وأخلاقية عالمية تسهل التشبث السليم بالقيم الحضارية والإنسانية المشتركة. وقد ثمن الجميع إصدار خمسة مجلدات حول الحضارات والتنوع الثقافي (مجلدين بالعربية ومجلدين بالفرنسية ومجلد بالإنجليزية) تحت إشرافي المتواضع والتي وزعت مجانا في العديد من الخزانات والمكتبات بالمغرب بفضل هبة مالية من المندوب السامي لجمعية ألف ومائتي سنة على إنشاء مدينة فاس السيد سعد الكتاني، وطبعت المجلدات بدار نشر فرنسية لارمتان. وأفضت مختلف التحاليل والآراء والمناقشات ومختلف وجهات النظر إلى التوصيات التالية: 1- يسجل المشاركون بارتياح كبير أن تحالف الحضارات والتنوع الثقافي يهدف إلى تذويب التضاريس الفكرية الهدامة والانطباعات الذاتية والمعلومات الشائعة، والمشهورات التي تتداول في وسائل الخطب والإعلام باعتبارها حقائق أومسلمات. 2- إن هذا المبدأ الأساسي يسعى إلى نسج الأحكام وإبرازها لمد جسور الفهم والتعايش بين كل الثقافات والشعوب، وترسيخ الجامع المشترك لإزالة كل العوائق النفسية والاجتماعية التي قد تترعرع في ظل العصبيات والكثير من مشاعر الضغائن والأحقاد. 3- إن المشاركين يحيون نشر خمسة مجلدات حول الحضارات والتنوع الثقافي باللغة العربية واللغة الفرنسية واللغة الإنجليزية، ويحيون مجهودات مشرفها الدكتور عبد الحق عزوزي. 4-إن المشاركين يحيون خلق جامعة أورو متوسطية بمدينة فاس التي ستصبح بعون الله محور التلاقي بين الشمال والجنوب ضفتي المتوسط. 5- وإن المشاركين يدعون إلى خلق مركز عالمي للحوار بين الحضارات والديانات والثقافات داخل الجامعة الأورو متوسطية، لما ستلعبه من دور كبير وفعال في مختلف الأفكار ودراسة الأحوال. 6- إن المشاركين يدعون إلى خلق مرصد عالمي للكتب المدرسية يهدف إلى تقريب الفوارق وتذويب الأحقاد والأضغان التي قد تضعها بعض المناهج المدرسية في بعض البلدان. 7-إن المشاركين يدعون مرة أخرى إلى حل نهائي وشامل للمشكل الفلسطيني الإسرائيلي والذي طال أمده، إيمانا منهم أن حل هذا المشكل على أساس المبادرة العربية سيساهم وبشكل كبير في تثبيت الأمن والسلام في منطقة الشرق الأوسط وفي العالم، وذلك يكون بإنشاء دولة فلسطينية مستقلة تكون عاصمتها القدس الشريف. 8- إن المشاركين يدعمون كل المؤسسات العالمية إلى الإنكباب على تذويب موسوعة عالمية حول الحضارية والتنوع الثقافي لوضعها رهن إشارة كل أبناء العالم الإزالة الجهل، والمعلومات الشائعة التي غالبا ما تكون وراء الضغائن والأحقاد وحب الأنا وإنكار الآخر. 9- إن المشاركين يدعمون لإقامة علاقات مؤسساتية خاصة مع مؤسسة أنا ليند “ Lindh Anna “ لحوار الثقافات والحضارات في الإسكندرية وكذلك الجهات المختصة في الأممالمتحدة. 10- العمل من أجل المشاركة في البرامج الأورو متوسطية حول التراث والذي تستضيفه مدينة مراكش في بداية عام 2009 م. 11- إنهم يدعون لإبقاء هذا المؤتمر سنويا وجعله ركيزة أساسة للحوار والتناقش في مواضيع الساعة. ذ. عبدالحق عزوزي رئيس المركز المغربي متعدد التخصصات للدراسات الاستراتيجة والدولية