ينظر التقرير الرسمي لوزارة الدفاع الفرنسية لعام 2015 بعدم الرضا على المرتبة الرابعة التي تحتلها فرنسا في تجارة التسليح، ويحثها على الرفع من حصتها السنوية في السوق الدولية للسلاح لتصل إلى 12 مليار أورو عام 2017 مقابل 9 مليارات أورو في السنة الماضية. والملفت في بعض مواد هذا التقرير الذي يضم أزيد من 20 صفحة، أنه يشدد على أهمية معارض السلاح وضرورة مضاعفتها لرصد آخر مبتكرات أدوات الموت وعرضها على السماسرة ومندوبي الدول والمنظمات والجماعات المسلحة. وتظل الولاياتالمتحدة أول مصدر عالمي للسلاح (54% من التجارة العالمية)، تليها بريطانيا13) %) وروسيا (9.5%) ثم فرنسا (8.6%) متبوعة بفارق ضئيل بإسرائيل (8.3%). وتضاعفت الصادرات الفرنسية نحو القارة الإفريقية في ظرف سنتين، حيث انتقلت من 52 إلى 98 مليون أورو. ولعبت الدبلوماسية الجديدة دورا حاسما في استمالة زبائن جدد أهمهم نيجيرياوأنغولا ثم تشاد التي فقفزت الصادرات نحوها من خمسة ملايين أورو في 2010 إلى نحو 20 مليون أورو في متم سنة 2014،. ويبرهن هذا التطور على أن تصدير الأسلحة يمكن أن يكون مؤشرا عن الجغرافية السياسية الجديدةلفرنسا، كما يدل على ذلك دعم باريس للرئيس التشادي في نزاعه مع حركات المتمردين، والدفء الذي تشهده العلاقات الفرنسية الأنغولية بعد فضيحة تهريب الأسلحة إلى أنغولا في التسعينات المعروفة ب"أنغولا غيت". وقد انضمت تشاد في الفترة الأخيرة إلى حلقة البلدان المنتجة للنفط إلى جانب أنغولاونيجيريا اللتين لم تكونا تستوردان أسلحة من فرنسا إلى أن جاء الرئيس ساركوزي لترتفع قيمة مستورداتهما إلى 35 مليون أورو في 2014، مما يدل على أن الدبلوماسية وتنظيم التحالفات يحكمان بشكل أساسي عملية تعزيز وتنويع مصادر التسليح. وتعزز نصيب فرنسا من السوق الشرق أوسطية التي مثلت سنة 2014 حوالي 50% من صادراتها مقابل 29% سنة 2010. ومن أهم زبائنها سنة 2014، المملكة العربية السعودية التي دفعت نحو مليار أورو، والإمارات التي اشترت أسلحة بمليار و422 مليون أورو، كما سلمتها فرنسا نهاية سنة 2014 الدفعة الأخيرة من 388 دبابة /لوكلير/ لإنجاز صفقة بلغت قيمتها 3،2 مليار أورو. وتتعزز تجارة الأسلحة الفرنسية بفضل معاهدات الدفاع المشترك التي تقيمها مع كل من السعودية والكويت وقطر والإمارات التي حصلت في الإطار نفسه على قاعدة عسكرية فرنسية تطل على الخليج وإيران. وحددت وزارة الدفاع الفرنسية سقف الطلبات للعام 2017 بقيمة 12 مليار أورو، وللعام 2016 بقيمة 11 مليار على أن الهدف المرسوم هو أن تستحوذ فرنسا على 14% من السوق العالمية وتحتل المرتبة الثانية بعد الولاياتالمتحدة. وفيما تصر الدوائر الرسمية على التزامها باحترام المعايير الأخلاقية في تجارة الأسلحة مع العمل على توفير محيط ملائم وسليم للصادرات بما يساعد على تحصين المناخ الأمني العالمي، ترى بعض المنظمات الحقوقية بأن فرنسا لا تراعي في صادراتها من الأسلحة، سياسة الدفاع عن حقوق الإنسان بدليل أنها باعت ولا تزال أسلحة لبلدان تستعملها ضد شعوبها كما هو الحال بالنسبة لتشادونيجيرياوأنغولا وغيرها. وتنظر فرنسا بكثير من الامتعاض إلى مركزها الرابع ضمن الخمسة الكبار الذين تقاسموا عائدات الأسلحة وملياراتها ال82 العام الماضي. والملفت أنه ضمن الخمسة المصدرين الكبار، هناك أربعة بلدان من الأعضاء الدائمين بمجلس الأمن وقامت بتصدير ما نسبته 80% من الحجم الإجمالي لتجارة الموت. وفي الجهة المقابلة، هناك خمس دول تأتي في مقدمة المستوردين سنة 2014 وهي جميعها دول عربية وإسلامية: السعودية، الجزائر، باكستان، الإمارات وتركيا. وحتى تحافظ على سوق رائجة للسلاح، تعمد شركات ومصانع السلاح إلى تسويق ما أصبح يعرف بسيناريوهات التهديد الذي قد يواجه الأمن المحلي في البلدان المختلفة. وهي سيناريوهات مصطنعة هدفها بث الذعر بالمناطق الإقليمية التي تعودت على الحروب والاضطرابات، وبالتالي الضغط غير المباشر على الحكومات للانخراط في صفقات تسلح كبرى من أجل الدفاع عن أمنها ضد أخطار وتهديدات واهية. والحديث عن الاتجار في السلاح والصفقات الهائلة التي تنطوي عليها هذه الصناعة يجب أن لا يقود إلى الظن بأن التعاملات في هذا الإطار تنحصر في السياق التجاري والبحث عن الربح فقط، بل تتجاوزه لتندرج في سياق إستراتيجيات الدول الكبرى وتحالفاتها مع الدول التي لا تستطيع تصنيع السلاح وتبذل قصارى جهدها لشرائه. وتلعب التكنولوجيا دورا حاسما في تنشيط هذه التجارة. فهي تتقدم من دون توقف، وبالإيقاع نفسه يتقادم الزمن على الأسلحة بمجرد أن توضع في الخدمة، مما يفرض استبدالها، وبسرعة، بمعدات أكثر تفوقا. كما أن تطور النزاعات بات يضع في الأولويات تجهيز الجيوش بمعدات حركية أكثر خفة وقابلة للنقل جوا، تاركا المعدات الثقيلة والدبابات والطائرات في المركز الثاني. ومن هنا فإن مشكلة تجارة السلاح لا تتوقف عند الأسلحة الثقيلة كالطائرات والدبابات، بل تتسع لتشمل الأسلحة الخفيفة مثل الرشاشات والكلاشينكوفات والمسدسات والصواريخ المحمولة على الكتف مثل صواريخ ستينغر الشهيرة. ففي كثير من الصراعات والنزاعات، وخاصة الحروب الأهلية والإثنية في القارة الإفرقيقية، تلعب الأسلحة الخفيفة دورا أكثر أهمية، وآثارها التدميرية مهولة خاصة على مستوى الضحايا المدنيين.