في كل سنة تلفظ المؤسسات التعليمية الفرنسية 120 ألف من التلامذة الراسبين أو المنقطعين عن الدراسة المتراوحة أعمارهم ما بين 15 و18 سنة. من هؤلاء من لا يطيق الدراسة والتحصيل بالمرة، فغادر المدرسة عن طوع وقناعة، ومنهم شريحة واسعة أدارت ظهرها للمدرسة لا لأنها غير قادرة على الاستيعاب، وإنما اختارت ذات صباح التوجه إلى المقهى بدل الفصل الدراسي لأنها لم تعد تطيق الأستاذ الفلاني وربما حتى الزميل الفلاني الذي يستلذ بإهانة بعض زملائه وجعلهم أضحوكة بين الآخرين. وفي كل سنة يلتحق هؤلاء بقافلة البطالة التي تضاعف رقمها بفعل الأزمة المالية، فيتزايد في أوساطهم القلق والكآبة وعدم الاستقرار، ويمتد التوتر النفسي ليشمل العلاقة مع الأسرة ومع الآخرين قبل أن يتحول لحالة انفعال دائمة تؤدي في معظم الأحيان إلى الانحراف والتسكع والجريمة. وتفيد دراسات سوسيولوجية حديثة أنجزها المركز الوطني للأبحاث الاجتماعية بأن بطالة الشباب الراسب (ما بين 15 إلى 18 سنة) تشكل أثقل عبء اجتماعي على فرنسا. فإلى جانب آثارها السيئة على عملية النمو الجسدي والنفسي لهؤلاء، فإن عجز الدولة عن توفير فرص العمل لهم، تترتب عنه مواقف سلبية في الانتماء للوطن، ومن ثم السخط على المجتمع المؤدي لحالات الانحراف والتفكك. وتدعو الدراسة الجهات المختصة إلى قراءة الواقع قراءة واعية تفضي إلى تبني منهج علمي وطني لمعالجة المشكلة بناء على سياسة تشغيلية متكاملة توازي بين التأهيل العملي والتشغيل. وقد بادرت عدة مجالس جهوية فرنسية مع بداية يوليوز وبتنسيق مع الدولة، إلى القيام بعمليات فحص دقيقة للوصول إلى هؤلاء الشباب والعمل على إقناعه بالتصالح مع التحصيل والمعرفة من خلال حصص تأهيلية في مجالات مختلفة تمكنهم من الاندماج بسرعة في النسيج الاجتماعي. وكان الرئيس الفرنسي السابق، نيكولا ساركوزي أول من دق ناقوس الخطر عندما خاطب في 22 يونيو 2011 البرلمان بغرفتيه (مجلس النواب ومجلس الشيوخ) بقوله :"حينما لا نجد شيئا نقترحه على الشباب البالغ من العمر ما بين 15 إلى 18 سنة، والمنفصل عن الدراسة من دون دبلوم أو تكوين أو أفق. وحينما يقصى هؤلاء من النظام المدرسي قبل استكمال تعليمهم الإجباري بعد أن عجزنا على توفير البنيات الملائمة لاستيعابهم، فإننا لا نكون قد قمنا بعملية ادخار مربحة، بل ساهمنا بشكل كبير في الزيادة من حجم النفقات المستقبلية. وها نحن اليوم وكما ترون، بصدد أداء ثمن باهظ بسبب تخاصم هؤلاء مع المدرسة. فالبطالة ليست كما يعتقد البعض مشكلة اقتصادية صرفة، فهي مشكلة نفسية، واجتماعية، وأمنية، وسياسية في آن واحد". وقد مهدت أفكار الرئيس ساركوزي الطريق أمام المختصين والتربويين وعلماء الاجتماع إلى عقد يومين وطنيين (11 و12 يوليوز من نفس السنة) للانكباب على أنجع الحلول لتمكين الشباب الراسب من التأهيل المهني الذي يوفق بين المناهج التربوية التعليمية، والمناهج الاستخدامية التشغيلية بما يتماشى مع احتياجات سوق العمل. ولأنهم يدركون أن المشكلة تتطلب أنماطا متميزة من التدابير العلاجية على اعتبار أن الشباب المنقطعين عن الدراسة ليسوا جميعهم من مستوى واحد من التعليم والمهارات، فقد وضع هؤلاء تصورهم على قاعدة أن التأهيل المهني هو المفتاح الأول لمواجهة المشكلة لأنه الوحيد الكفيل، في رأيهم، بفتح آفاق مهنية في المستقبل تقوم على تكوين تعددي دائم ومستمر يساير التطورات التكنولوجية الحديثة، ويلبي حاجات المقاولات. وفي انتظار ذلك، يشهد رقم المنقطعين عن الدراسة تزايدا مستمرا حيث ال120 ألف ممن شطبت أسماؤهم من فصول المدرسة سنة 2014 انضافوا إلى بعض زملائهم بعد أن عجزت سوق العمل على استيعابهم ويمثلون اليوم نسبة 21 % مقابل 11 % من الحاصلين على دبلوم التعليم التقني. ويخشى المختصون أن تتسع الهوة التشغيلية بين الحاصلين على الشهادات وغيرهم ممن تتزايد أعدادهم سنة بعد سنة حتى وإن كانت الدولة تخصص 6.6 % من ناتجها الداخلي الخام لقطاع التربية.