نشرة إنذارية من مستوى يقظة "برتقالي"    حموشي… يقرر صرف منحة مالية استثنائية لفائدة جميع موظفي الأمن الوطني برسم سنة 2025    انتقادات حقوقية لتراجع تصنيف المغرب في تنظيم الأدوية واللقاحات    وسيلة إعلام إسبانية : كان 2025 .. إبراهيم دياز قائد جديد لجيل واعد    "الأسود" يحافظون على المركز 11 عالمياً    مقاييس الأمطار بالمغرب في 24 ساعة    تحقيق ل"رويترز": في سوريا الجديدة.. سجون الأسد تفتح من جديد بمعتقلين جدد وتعذيب وابتزاز    أزيلال .. القوات المسلحة الملكية تطلق خدمات المستشفى العسكري الميداني بجماعة آيت محمد    ريدوان يطلق أولى أغاني ألبوم كأس أمم إفريقيا "ACHKID"    أمام صمت الوزارة وعدم تفاعلها مع بيانات التنسيق النقابي.. الشغيلة الصحية تصعد    توقعات أحوال الطقس غدا الثلاثاء    الذهب يسجل مستوى قياسيا جديدا مع توقع استمرار خفض الفائدة الأمريكية    خطر صحي في البيوت.. أجهزة في مطبخك تهاجم رئتيك    كأس إفريقيا للأمم 2025.. الدار البيضاء على إيقاع الاحتفالات    المغرب يضع "الكان" في الصدارة عالميًا    بنكيران: "البيجيدي" استعاد عافيته ويتصدر المشهد.. ولم يبق إلا تثبيت النصر    رغم انخفاضها عالميا.. المحروقات بالمغرب تواصل الارتفاع والمستهلك يدفع الثمن    العزيز: مشروع قانون التعليم العالي سيحول الجامعة إلى "بنية إدارية محكومة بمنطق السوق"        الصحافة الدولية تشيد بالتنظيم المغربي وتضع رهان التتويج ب"الكان" في الواجهة    نهائيات كأس إفريقيا للأمم تعيد خلط أوراق العرض السينمائي بالمغرب        بورصة البيضاء تستهل تداولاتها على وقع الأخضر    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الاثنين    تيسة تحتضن إقامة فنية في الكتابة الدرامية والأداء لتعزيز الإبداع المسرحي لدى الشباب    ارتفاع أسعار النفط    اغتيال جنرال روسي في انفجار قنبلة    انقلاب حافلة يودي بأرواح 16 شخصا في جزيرة إندونيسية    الذهب والفضة يسجلان مستويات مرتفعة قياسية    ارتفاع حصيلة ضحايا فيضانات اسفي إلى 40 واطلاق برنامج ملكي لاعادة التاهيل    كيوسك الإثنين | مطارات المملكة تحطم كل الأرقام عشية انطلاق كأس إفريقيا    الدار البيضاء.. مرصد يحذر من مخاطر "مغاسل الميكا" على صحة المواطنين    جريمة قتل مروعة تهز منطقة بني يخلف نواحي المحمدية    تفاصيل جديدة بشأن "مجزرة بونداي"    إعلام إسرائيلي أمريكي: نتنياهو يسعى لتفويض من ترامب لمهاجمة إيران        وفاة الممثل الأمريكي جيمس رانسون انتحارا عن 46 عاما    مصر تفتتح مشاركتها في الكان اليوم وتطمح للفوز على زيمبابوي    الركراكي: المباراة عرفت توترا كبيرا خاصة في الشوط الأول بسبب تضييع ضربة الجزاء وخروج سايس مصابا لكننا حققنا المهم    الجديدة تستضيف الدورة الأولى للمؤتمر الدولي حول الفيزياء الكمية والابتكار الطاقي    انتصار البداية يعزز ثقة "أسود الأطلس" في بقية مسار كأس إفريقيا للأمم    الاستيطان يتسارع في الضفة الغربية ويقوّض فرص قيام دولة فلسطينية    تصعيد خطير بعد دعوات لطرد الإماراتيين من الجزائر    أدب ومحاكمة ورحيل    "محمد بن عبد الكريم الخطابي في القاهرة من خلال الصحافة المصرية" موضوع اطروحة دكتوراه بكلية عين الشق    أزمة المقاولات الصغيرة تدفع أصحابها لمغادرة الحسيمة ومهنيون يدقون ناقوس الخطر    مسلحون مجهولون يفتحون النار على المارة في جنوب إفريقيا    مشروبات الطاقة تحت المجهر الطبي: تحذير من مضاعفات دماغية خطيرة    الفنانة سمية الألفي تغادر دنيا الناس    فتح الله ولعلو يوقّع بطنجة كتابه «زمن مغربي.. مذكرات وقراءات»    العاصمة الألمانية تسجل أول إصابة بجدري القردة    السعودية تمنع التصوير داخل الحرمين خلال الحج    من هم "الحشاشون" وما صحة الروايات التاريخية عنهم؟    منظمة الصحة العالمية تدق ناقوس انتشار سريع لسلالة جديدة من الإنفلونزا    سلالة إنفلونزا جديدة تجتاح نصف الكرة الشمالي... ومنظمة الصحة العالمية تطلق ناقوس الخطر    استمرار إغلاق مسجد الحسن الثاني بالجديدة بقرار من المندوبية الإقليمية للشؤون الإسلامية وسط دعوات الساكنة عامل الإقليم للتدخل    سوريا الكبرى أم إسرائيل الكبرى؟    الرسالة الملكية توحّد العلماء الأفارقة حول احتفاء تاريخي بميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إصدار // أوراق في نقد فكرمحمد أركون بقلم // الصديق بوعلام - عبد السلام البكاري 7
نشر في العلم يوم 07 - 08 - 2015

قال محمد أركون :" فالشيء المتوقع هو أن يحارب الباحث العلمي الأحكام المسبقة أوالكليشيهات المكرورة ويفككها، لا أن يتبناها ويرسخها... لقد اصطدمت أنا شخصيا ببعض هؤلاء الزملاء المستشرقين أوالمستعربين، وبينهم أناس مشهورون جدا ( ولكن لا أريد أن أذكرأي اسم هنا). لقد صدمت بهم وبمواقفهم المتشنجة تجاه كل ما هو عربي أو مسلم. وهي مواقف مضادة للروح العلمية التي يفترض بأنهم يطبقونها في مجال البحث العلمي" (قضايا في نقد العقل الديني، ص 20).
ويعبرالمؤلف عن سعيه لنسف قواعد العقائد واليقينيات بقوله :"أحلم بجمهور مستعد لتلقي البحوث الأكثرانقلابية وتفكيكا لكل الدلالات والعقائد واليقينيات الراسخة. فهذه البحوث الريادية أوالاستكشافية هي وحدها القادرة على فتح الأبواب الموصدة للتاريخ"( نفسه، 20).
وقال :"وإذا كنت ألح على هذا التوجه أكثر من الباحثين الآخرين، فإن ذلك عائد إلى انشغالي منذ زمن طويل بتأويل النص المقدس أوالذي قدسه تراكم الزمن ومرور القرون. أقول ذلك وأنا أعلم أن الغاية المستمرة لهذا النص المقدس تكمن في ترسيخ معنى نهائي وفوق تاريخي للوجود البشري"(نفسه ن 21).
إن هذا القول يضع قدسية نصوص الوحي (القرآن والسنة) بين قوسين، بل ويجعلها مستهدفة بالبحث النقدي الذي يريد صاحبه نزع تلك القدسية عنها، وإفراغها من المعنى الإلهي أوالتفسير السماوي الرباني لوجود الإنسان في هذه الحياة، وكثيرا ما سمعنا مثل هذه الدعوات إلى القراءة التاريخية لنصوص الإسلام المقدسة، قراءة تنزع عنها "مفارقتها" للتاريخ، كما يزعم أصحاب هذه القراءات، وتستنطقها أوتفككها بوصفها معطى تاريخيا، لابوصفها نصوص وحي، وذلك قصد مجاوزة ما وصفه المؤلف بالمعنى النهائي وفوق التاريخي للوجود البشري. إذ البديل لدى أصحاب هذا الطرح هوالتفسيرالمادي أو الوضعي الذي تدعوإليه الفلسفات الغربية بما فيها "العلوم الإنسانية".
قدسية نصوص الوحي :
ومما يدل على أن ما كتبه أركون لايجد قبولا لدى المتلقي المسلم لمنافاته لثوابت الإسلام، عقائد وشرائع وتصورات وقيما، وكذلك بسبب ما ينطوي عليه ذلك النقد المزعوم من نزعة تشكيكية أفصح عنها المؤلف عدة مرات، كقوله:"أما من الناحية الإسلامية فإن المثقفين مضطرون للتركيزعلى هويتهم الإسلامية ولإشهارها حتى لايشتبه بهم. وهذا ما يمنعهم من التفكيرالنقدي بالملابسات الإيديولوجية التي ينطوي عليها كل انتماء عاطفي للهوية. وهكذا نجد أن التواصل مع كلا الجمهورين: الأوروبي والإسلامي يصبح متعذرا بل ومستحيلا نظرا لحاجاتهما المتناقضة وتصوراتهما المتضادة عن الظاهرة نفسها. وهكذا يخسر باحث مثلي كلا الجمهورين ولايعود له جمهور لاهنا ولاهناك» (نفسه، 21).
إن الغرض من النزعة التشكيكية في هذه الكتابات خلخلة اليقينيات، وتفكيك الأسس التي يقوم عليها الإسلام، وهذا ما يجعلها مرفوضة أصلا وفروعا لدى القارئ المسلم.
أما لملذا لم تلق كتابات أركون ترحابا لدى المثقف العربي نفسه فلأنه يصنفه غصبا عنه كما قال في فئة المثقفين المسلمين. أي أن الغربيين لا يرضون من أركون وأمثاله إلا بالتنصل حتى من صفة" المسلم". ولذلك قال مصدوما بهذا الموقف الغربي:"لماذا يلح الأوروبيون، أوالغربيون بشكل عام، على إلصاق هذه الصفة (صفة المسلم) بأولئك المثقفين الذين بذلوا جهودا كبيرة ومتواصلة من أجل التوصل إلى مرحلة الحرية والاستقلالية والمسؤولية الفكرية؟ لماذا يلصقونها على أولئك الذين حاولوا إقامة مسافة نقدية بينهم وبين أنفسهم أوبينهم وبين قناعاتهم الذاتية الأكثرحميمية والأكثررسوخا منذ مرحلة الطفولة؟ ألايدركون مدى الثمن الذي ندفعه إذ ننخرط في الدراسة النقدية للتراث الإسلامي وننفصل عن عصياننا الأكثر طبيعية ومشاعرنا الأكثرمعزة على قلوبنا؟ فما إن يحمل الواحد منا اسما مسلما أوعربيا حتى يصبح مشتبها به من الناحية العلمية. يكفي أن يكون اسمك» محمد" مثلي أنا لكي تصبح غير قادرعلى التقيد بقواعد البحث العلمي خصوصا إذا ما كان مطبقا على الإسلام"(نفسه، ص 21 22).
قال الله تعالى: (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم، قل إن هدى الله هوالهدى، ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم مالك من الله من ولي ولانصير) (سورة البقرة: 2/ 120).
إن قداسة نصوص الوحي الإسلامي (القر آن والسنة) ذاتية ربانية لم يضفها الناس عليها، بل تحملها هي ذاتها في حقيقتها، بخلاف " القداسة" التي أضفتها المجامع الكنسية على النصوص المحرفة "للكتاب المقدس". ولا شك أن إسقاط مفهوم "القداسة" وحمولتها في الفكرالغربي الديني، ومفهوم "سحب القداسة" عن هذه النصوص كذلك في النقد الغربي (العلماني) لاشك أن إسقاط هذين المفهومين على مفهوم "قدسية" نصوص الوحي الإسلامي هوما جعل المؤلف يعتبرهذه القدسية من إضفاء الناس على تلك النصوص. وهذا من نتائج الاستلاب الفكري والتقليد الأعمى للمناهج الغربية والتصورات العلمانية الخاطئة، ومقارنة الأديان مقارنة لاتأخذ بعين الاعتبارالفروق الواضحة بين نصوص الوحي الصحيحة والنصوص المحرفة التي يدعي أصحابها قدسيتها وهي عارية عنها.
« فحين يغض الباحث طرفه عن بعض الخصائص اللصيقة بدين أومذهب ما، والحاسمة في القضية التي يتناولها بدعوى الحياد وعدم الانحياز يكون منحازا للأديان أوالمذاهب أواللغات أوالفلسفات الأخرى على حساب تلك ويضرب العلمية في عمقها، لمساواته ما لا يخضع للتساوي، وهذا ما يفعله أركون حين يلغي أي خصوصية للإسلام مقابل غيره من الأديان، وللقرآن مقابل غيره من الكتب المقدسة، ومن أمثلة ذلك موقفه الآتي: "أقول إن القرآن ليس إلا نصا من جملة نصوص أخرى، تحتوي على مستوى التعقيد نفسه والمعاني الفوارة الغزيرة
كالتوراة، والأناجيل، والنصوص المؤسسة للبوذية والهندوسية " (الفكر الأصولي واستحالة التأصيل، ص 35 36). فهل هناك حياد في تسوية القرآن بالتوراة؟ وقد أثبتت البحوث العلمية المقدمة من اليهود قبل غيرهم أنه كتاب يروي تاريخ بني إسرائيل (سبينوزا، رسالة في اللاهوت والسياسة، دارالطليعة، بيروت، الطبعة الرابعة، 1997، بترجمة وتقديم حسن حنفي ، مراجعة فؤاد زكريا، ص 277وص 283)، ولاعلاقة له بالوحي، أوبالأناجيل التي سميت بأسماء مؤلفيها، وتحتوي من التناقضات على ما يوجب القول بتاريخيتها وبشريتها، أو بالنصوص المؤسسة للبوذية أو الهندوسية مع أنها أقوال وحكم، والأولى البحث وربما التنقيب عما يمكن أن يجمع بينهما وبين القرآن، والأرجح أانه ليس هناك غير كونها مقدسة عند أصحابها، مثلما هو مقدس عند المسلمين.
فهل في مساواة القرآن بها حياد وعدم انحياز؟
سيكون جواب أركون لا محالة أن هذا الكلام منبعث من قناعات إيمانية، تغلب الانتماء العاطفي على المنطقية والعلمية الضروريتين في هذه البحوث بينما لا يخفى أن أكبر ما يطعن في العلمية تعميم الأحكام على المواضيع المختلفة، كما هو الشأن في تعامله مع القرآن كأي نص ديني آخر، لكونه مقدسا عند أصحابه ( القرآن الكريم والقراءات الحداثية، مرجع سابق، ص 45).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.