كثيرة هي تجارب الحياة التي تثبت صدق القرآن والسنة، فإن العبد ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها، وإن العبد ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيدخلها، وإنما الأعمال بالخواتيم، كما في الحديث الشريف. إنه أهم درس يمكن أن نخرج به من قصة نرويها عن سيدة كندية عاشت بلا دين يحميها، ولا خلق يقومها، ولا أسرة ترشدها إلى طريق مستقيم، فتاة عاشت حياة سكر وعربدة، تشرب الخمر والدخان، وتقيم علاقات غير شرعية، تفعل ما تشاء دون حياء من خلق، ولا خوف من خالق، لا تعرف سببا لوجودها، لكن الله تعالى أراد لها الهداية رغم وقوف شياطين الإنسان على صراط الله المستقيم يوعدون ويصدون عن سبيل الله. رأيناها تلبس نقابا، وتحكي قصة إسلامها، تقاوم دموعها، لا تريد أن تتذكر الماضي، ولكنها رأت فيه درسا يتعلم، فتصدقت بتجربتها التي استغرقت منها قرابة عشر سنوات. بدأت قصة إسلامها مع فتاة محجبة تحافظ على نفسها ، فأثار ذلك انتباهها. تقول: قابلت فتاة تغطي رأسها ووجهها، كان ذلك غريبا علي، فسألتها لماذا تلبسينه؟ فقالت: لأن جمال المرأة شيء مقدر ومحترم، ولا نشاركه مع أي كان، لذلك تخفيه المرأة، وفي القرآن مذكور أن النساء يتحجبن، كان هذا مثيرا للاهتمام. ورغم أن هذا الموقف أثار اهتمامها إلا أنها لم تمسك بالخيط الذي سيوصلها إلى طريق النور، ففي هذه الأثناء كانت على علاقة مع شاب عربي مسلم غير ملتزم وشاب آخر نصراني، وحاول الشاب النصراني أن يمنعها عن علاقتها بالشاب المسلم ويحذرها من الإسلام ويأتي لها مع والدتها ويقول إن الإسلام لا يحترم المرأة ولا يقدرها ويسمح لها بأن تكون على علاقة بأكثر من رجل. تقول: كان يعتقد أني سوف أعتنق الإسلام؛ بسبب صديقي المسلم، مع أنني في الواقع لم يكن لدي اهتمام حقيقي بالإسلام، وفي الواقع هو الذي جعلني أعرف الإسلام، فقد كان يعمل قريبا من منطقتي وكان يحضر لي معلومات تعارض الإسلام وتهاجمه، وأن النساء المسلمات –ويجب أن أكون صريحة فسأذكر ما قاله بالضبط- عاهرات بإمكانهن إقامة علاقات مع أكثر من رجل، وقال لي إن هذا مذكور في القرآن، كنت أعلم أن هذا الكلام غير صحيح. تكررت محاولات هذا النصراني في إبعاد هذه الفتاة عن سماع كلمة الإسلام، ولكن شاء الله أن تنقلب محاولاته على عكس ما أراد، حيث بدأت صاحبة القصة تفكر في الإسلام فقررت أن تتخذ الفتاة المحجبة صديقة لها، فكيف دعتها هذه الصديقة للإسلام؟ وما تأثير الإسلام على حياتها وأخلاقها؟ لكن الفتاة استحضرت في ذهنها الفتاة المحجبة التي رأتها، على عكس ما وصف صديقها، تقول: كان مذعورا، فقد ظن أني سأتزوج صديقي المسلم، وكان يحضر المنشورات لي ولأمي في المحل، وكنت أقول لا أريد أن أقرأها، لكني قررت الذهاب إلى المسجد لأتعرف على الإسلام، لم أتعلم الكثير هناك، ولكني أيقنت أن ما يقوله الشاب لي غير صحيح، فلا شيء في القرآن يسمح للمسلمة بأن تكون على علاقة غير شرعية . عندها تخيلت أن رحلتي قد انتهت إلى هذا الحد، ولكنها كانت البداية. نعم كانت البداية على طريق النور الذي وقفت الفتاة المسلمة تستقبل هذه الفتاة على بدايته، فأخذتها برفق ولين تقول: اكتشفت في هذه الفترة أني حامل من الشاب المسلم الذي لم يكن ملتزما بدينه، وتركني في الشهر الخامس، وتواصلت مع سوليا تلك الفتاة التي كانت زميلتي في المدرسة نفسها، وأصبحنا صديقتين، وعلمت الكثير عن الإسلام منها. لم تكتف الصديقة المسلمة بصداقة عابرة، بل عرفت صاحبة القصة صديقات أخريات صالحات، فتغيرت بيئة صداقتها، وباتت تسمع كلاما يطرق أذنها لأول مرة، وأخذتها كثيرا لبيتها فتعلمت الكثير عن الإسلام، لكن أمرا مهما أثار اهتمام المهتدية، تقول: اثار اهتمامي أنها كانت تحفظ القرآن لا تنسى منه حرفا، كان ذلك مذهلا، أردت أن أعرف ما الذي يمكن أن يكون مذهلا في كتاب ليجعل شخصا يحفظه حرفيا. لكن لم تتوقف دهشتها عند هذا الأمر، بل أعجبها كثير من تعاليم الإسلام التي كانت تراها تطبق فعليا في هذه الفتاة المحبة، فأراها ذلك جمال الإسلام، تقول: كانت تساندني كثيرا، خصوصا أنه لم يكن أحد بجانبي، وصراحة لم أكن حتى هذه اللحظة مهتمة بالإسلام، كنت أعتقد أنه دين جيد ولكن ليس لي، وبعد أن أنجبت ابنتي بدأت أتساءل: ماذا سأعلم ابنتي؟ كيف سأربيها؟ عند هذه اللحظة فكرت في الإسلام، فكرت في نموذجين: الهداية والضلال، نموذج الأم التي عاشت ضائعة، ونموذج الفتاة المحجبة التي تستمتع بالحياة طائعة، فقررت أن تربي ابنتها مثل سوليا المحجبة، ولكن كيف وهي غير مسلمة حتى الآن؟ تقول: كان ذلك صعبا أن أعرف ماهية الإله وحقيقته، ومن تجاربي في المسجد أدركت أن هناك إلها، وعندما بلغت ابنتي ستة اشهر قررت الذهاب إلى المسجد، وكنت جادة أريد أن أعرف حقيقة هذا الدين قبل اعتناقه، لم أعتنق دينا من قبل فأردت أن أتأكد. باتت إذن تتردد على المسجد لكي تسأل وتعرف، وفي يوم من الأيام رأت جنازة لطفلة صغيرة، فتأثرت بها، وعلمت أن الحياة قصيرة، وأن عليها أن تختار طريقها الآن، قبل أن تموت، تقول: اعتنقت الإسلام، ولم أكن لأصلي، ولم تكن لدي ملابس شرعية، وكنت أفكر كيف أشرح ذلك لأمي. وبعد أن اعتنقت الإسلام، تغيرت حياتها، أصبحت تستيقظ كل صباح وهي تعلم لماذا خلقت وعلى أي طريق تسير، إنه النور الذي أنار بصيرتها، فأخرجها من براثن الغواية إلى رحاب الهداية.