أصبح لرمضان في فرنسا وزنه في الأسواق، بعد أن عمرت المساجد وانتشرت ثقافة التقوى والعبادة وغدت كبريات الشركات المتخصصة في تسويق المواد الغذائية الحلال تنفق ملايين اليوروات لتعرض على المسلمين الذين يشكلون اليوم قوة استهلاكية مؤثرة في بنيات الاقتصاد الفرنسي، ما أعدته لهم من مواد حلال.. وهناك اليوم أكثر من ستة آلاف لوحة إعلانات شملت أزيد من مائة وخمسين مدينة فرنسية، تم تثبيتها في الشوارع والأحياء الكبرى للترويج للحم الحلال الذي يحمل ماركة "ايسلا ديليس"، وكتب في أسفلها "حلال بافتخار". وقد دشنت لهذه الحملة شركة "زفير" الفرنسية في الأسبوعين الأخيرين من شهر شعبان، ولم تتخلف بقية الشركات التي دخلت سوق المواد الحلال لتظفر بأكبر نسبة من الشركاء الفرنسيين الذين وجدوا في شهر رمضان المبارك منافع لهم، فشرعوا خلال السنوات الأخيرة يعدون له من خلال دراسة حاجيات الصائمين، ويتحرّون هلاله ليقدموا لهم تهاني حلول الشهر الكريم ويهدونهم إمساكياته. وشهدت الثلاث سنوات الأخيرة تنافسا شديدا بين الشركات المتخصصة في المواد الغذائية لاقتحام سوق الحلال، من خلال تنويع المواد وتخصيص ميزانيات ضخمة للإعلانات والوصلات الإشهارية الخاصة بها كجزء من المعركة الحامية التي تخوضها هذه الشركات لربح سوق الحلال الفرنسية. أما مجموعة مطاعم الوجبات السريعة "كويك" التي بدأت قبل أربع سنوات تجربة تقديم وجبات حلال في ثمانية من مطاعمها في فرنسا، فقد أعلنت أنها ستوسع هذه التجربة إلى 14 مطعم آخر جديد خلال شهر شتنبر المقبل، فيما كشفت صحف فرنسية أن ثمانية مطاعم للمجموعة مهددة بالإغلاق، سيتم تحويلها إلى مطاعم وجبات سريعة حلال، بناء على دراسة أكدت أن تقديم وجبات الطعام الحلال يمكن أن ينقذها من الإغلاق. وأكدت أن أحد المطاعم الباريسية شهد تحسنا ملحوظا في رقم معاملاته بعد تحويله إلى مطعم يقدم الأكلات السريعة الحلال، فارتفعت مداخله بنسبة 30 % خلال أسابيع قليلة، مما سمح بتعزيز طاقم عماله ب 14 عاملا جديدا. وقد أثارت مبادرة المجموعة إلى تقديم وجبات سريعة حلال في عدد من مطاعمها، في مارس الماضي، ضجة واسعة في فرنسا فجرها اليمين المتطرف في إطار العداء للمسلمين الذي أصبح اليوم جزءا من نهج ثقافي وسياسي رابح بالمعنى الشعبوي والانتخابي واليميني المتطرف، بحيث تشكلت جماعة ثقافية وسياسية يمكن وصفها بالمعادية للإسلام يجتمع في صفوفها اليمين المتطرف والليبراليون الجدد والعلمانيون المتشددون... ومن السخف أن نناقش في مجتمع رأسمالي حق شركة تجارية في اختيار البضائع الغذائية التي تعرضها أو تروج لها. ومن المشين كذلك لأية إدارة أو حكومة أن تمنع مطاعم خاصة باللحم الحلال في وقت تسمح فيه بمطاعم كاشير ومطاعم نباتية، ومطاعم "بيزا" وأخرى خاصة بالطعام الخالي من اللحوم.. وكانت شركة "بانزاني" الخاصة بالأغذية قد أطلقت العام الماضي حملة إعلانات واسعة لماركة "زكية حلال" التي خصصتها لإنتاجها من المواد الحلال، بعد أن نوعتها لتشمل الأكلات الجاهزة. فكانت أول ماركة حلال تدخل سوق الإعلان التلفزيوني في فرنسا، من خلال القناة الأولى والقناة السادسة، ثم التحقت بها شركات أخرى في إنتاج مواد غذائية حلال، بدءا باللحم (لحوم الطيور والدجاج والغنم والبقر) إلى الأطباق الجاهزة والحلوى وحليب الأطفال وغير ذلك من المواد الحلال. فدخلت ماركات كثيرة سوق التنافس، مثل "فلوري ميشون"، و"مدينة حلال"، "ودنيا"، و"زكية حلال"، و"هيرتا" و"كنور حلال" و"ماجي حلال" وغيرها. ولم تتخلّف المجموعات التجارية الكبرى عن هذه السوق من خلال إنشاء أجنحة خاصة للمواد الحلال، مثل سلسلة "أوشان" و"كارفور" و"لو كلير" و"كازينو" التي أنشأت لها منذ شتنبر 2011 ماركة خاصة لموادها الحلال أطلقت عليها اسم "وسيلة". كما اقتحم هذه السوق عدد غير قليل من المستثمرين المسلمين بعد نجاح تجربتهم في مجالي الحلويات والأكلات السريعة. وظل توفّر اللحم الحلال مشكلة حقيقية يعاني منها مسلمو فرنسا حتى الثمانينيات من القرن الماضي عندما اتجه بعض المسلمين إلى إقامة مجازر خاصة بهم. ثم تطورت هذه السوق في منتصف تسعينيات القرن الماضي، عندما أصدرت الحكومة الفرنسية سنة 1995 قرارا يمنع الذبح العشوائي، ويحصر العملية في المسالخ التي تراقبها الدولة ومصالح الطب البيطري. وفتح ارتفاع الطلب على المواد الحلال شهية الشركات الكبيرة المتخصصة في اللحوم والمواد الغذائية، وأغرى أصحاب المتاجر الكبرى باقتحام هذه السوق وأيضا سوق المشروبات الغازية الإسلامية مثل "مكة كولا" و"عرب كولا" و"زمزم كولا" وغيرها. وتؤكد أرقام وزارة التجارة الفرنسية أن نفقات الأسر في المواد الغذائية الحلال، قد تضاعف في فرنسا عشرين مرة خلال العشر سنوات الأخيرة، وأن نسبة نمو الأسواق المختصة في الأكل الحلال تتراوح ما بين 10 و 15% سنويا. ويتوقّع أن يبلغ حجمها في متم 2015، نحو سبعة مليارات أورو، علما أن كمية اللحم الحلال المستهلك في فرنسا يتراوح ما بين 350 إلى 400 ألف طن سنويا.