يجتاز الاقتصاد الجزائري إحدى أحلك مراحله في الظروف الراهنة، ويرى اقتصاديون متخصصون أن الاقتصاد الجزائري يعيش ظروفا غاية في الصعوبة لم يعرف مثيلا لها طيلة الثلاثين سنة الماضية، والسبب طبعا انهيار أسعار المحروقات في السوق العالمي وبالتالي انعكاس ذلك على إيرادات الجزائر من هذه الثروة. وتؤكد الأرقام والإحصائيات عمق وخطورة الأزمة التي تقبض بأنفاس اقتصاد لم يتمكن من تنويع مصادره، فقد كشفت أرقام جديدة صادرة عن مصالح الجمارك الجزائرية أن الميزان التجاري سجل خلال الثلاثة أشهر الأولى من السنة الجارية عجزا بقيمة 73،1 مليار دولار، بيد أنه كان قد حقق فائضا خلال نفس الفترة من السنة الفارطة بلغت قيمته 83،1 مليار دولار، بمعنى أن الميزان التجاري الجزائري خسر مقارنة مع نفس الفترة من السنة السابقة أكثر من 5،3 مليار دولار. ويعزى هذا العجز إلى تراجع أسعار المحروقات ويذكر أن قيمة صادرات الجزائر من المحروقات تمثل 94 بالمائة من مجموع الصادرات، وإذا كانت قيمة الصادرات من المحروقات الجزائرية بلغت قيمتها خلال الثلاثة أشهر الأولى من السنة الفارطة 65،15 مليار دولار فإنها لم تتجاوز خلال نفس الفترة من السنة الجارية ما قيمته 62.10 مليار دولار أي بتراجع ناهز الثلث . وكان محافظ بنك الجزائر قد تحدث في تصريحات سابقة عن توقعاته بخصوص تواصل ارتفاع واردات السلع في الوقت الذي تتقلص فيه قيمة الصادرات أدى إلى تقلص الميزان التجاري إلى مستويات غير مسبوقة، حيث سجل في 2014 فائضا هو الأضعف منذ 1998، وعرف الميزان التجاري في 2014 فائضا ب 0.59 مليار دولار مقابل 9.73 مليار في 2013، حيث بلغت الصادرات 60.04 مليار بينما تجاوزت الواردات 59.44 مليار دولار. ومن جهة أخرى قال صندوق النقد الدولي إن احتياطات الصرف الخارجية للجزائر لن تصمد على المقاومة أكثر من 15 شهرا، وحذر من «سيناريوهات كارثية» تنتظر الاقتصاد الجزائري الذي يواجه أصلا صعوبات. وكشفت بيانات صندوق النقد الدولي نشرتها وكالة أنباء بلومبرج الاقتصادية الأمريكية، عن انخفاض احتياطات النقد الأجنبي للجزائر بنسبة 6.11 مليار دولار خلال شهر يناير لوحده، وهو أكبر انخفاض شهري تخسره الجزائر في ظرف 30 سنة، بسبب انخفاض أسعار النفط وتقلص حجم الصادرات من المواد الطاقوية بسبب تضاؤل إنتاج حقول الغاز والبترول في البلاد، ومازاد من خطورة الوضع، ارتفاع فاتورة الواردات التي بلغت مستويات غير مسبوقة. ونقلت الهيئة المالية العالمية عن محافظ بنك الجزائر المركزي محمد لكساصي خلال مشاركته في الاجتماعات الربيعية لصندوق النقد الدولي والبنك العالمي بواشنطن، قوله إن «انخفاض أسعار النفط في الأسواق الدولية أدى إلى تآكل احتياطات الصرف الأجنبية للجزائر وكذا الوضع المالي في البلاد». وأوضح المصدر ذاته أن تراجع احتياطات الصرف إلى حوالي 179 مليار في نهاية العام 2014، فإن هذا المعدل من شأنه أن يؤدي إلى استنزاف احتياطيات النقد الأجنبي خلال 15 شهرا فقط. وكل هذه الحقائق والمعطيات تؤشر على مرحلة صعبة وخطيرة جدا سيواجهها الاقتصاد الجزائري، ومما يزيد من المخاوف أن السلطات الحكومية في الجزائر تكتفي لحد الآن بالتفرج على ما يحدث، ولم تبحث عن حلول للكارثة التي ستقدم عليها البلاد خلال أقل من سنة ونصف من الآن.