تحويلات مغاربة الخارج ترتفع إلى تتجاوز 117 مليار درهم    الرئيس السوري أحمد الشرع يصل إلى السعودية في أول زيارة رسمية    القيمة السوقية لدوري روشن السعودي تتخطى المليار يورو    بن شرقي: "اللعب للأهلي كان حلمي وسأسعى لحصد الألقاب معه"    توقيف ثلاثة مواطنين صينيين بتهمة قرصنة المكالمات الهاتفية    القنيطرة... اختتام دوري أكاديميات كرة القدم    باب برد: تفكيك عصابة إجرامية متورطة في سرقة وكالة لتحويل الأموال    الإرث الفكري ل"فرانتز فانون" حاضر في مهرجان الكتاب الإفريقي بمراكش    تطوان تحتفي بالقيم والإبداع في الدورة 6 لملتقى الأجيال للكبسولة التوعوية    حكومة أخنوش تتعهد بضمان وفرة المواد الاستهلاكية خلال رمضان ومحاربة المضاربات    ابتداء من غد الاثنين.. ارتفاع جديد في أسعار المحروقات بالمغرب    CDT تقر إضرابا وطنيا عاما احتجاجا على قانون الإضراب    هكذا يخطط المغرب لتعزيز أمن منطقة الساحل والصحراء    هذه توقعات أحوال الطقس اليوم الأحد    نادٍ نرويجي يتبرع بعائدات مباراته ضد فريق إسرائيلي لدعم غزة    التوقيع على مذكرة تفاهم لتعزيز التعاون والشراكة بين مدينة طنجة ومدينة القدس الشريف    الإعلام في خدمة الأجندات السياسية والعسكرية    نزار بركة يترأس الدورة العادية الموسعة للمجلس الإقليمي لحزب الاستقلال في العيون    كريستينا.. إسبانية سافرت للمغرب لاستعادة هاتفها المسروق بمدريد والشرطة المغربية أعادته إليها في أقل من ساعة    مقتل مغربي بطلقات نارية في إيطاليا    "هِمَمْ" ترفض التضييق والتشهير بمديرة جريدة "الحياة اليومية"    الرجاء البيضاوي يتجه إلى إلغاء الجمع العام مع إناطة مهمة الرئاسة إلى بيرواين حتى نهاية الموسم    "رسوم ترامب" الجمركية تشعل حربًا تجارية .. الصين وكندا والمكسيك ترد بقوة    تجميد المساعدات الأميركية يهدد بتبعات خطيرة على الدول الفقيرة    روبرتاج بالصور.. جبل الشويحات بإقليم شفشاون وجهة سياحة غنية بالمؤهلات تنتظر عطف مسؤولين للتأهيل    السلطات الأسترالية تعلن وفاة شخص وتدعو الآلاف لإخلاء منازلهم بسبب الفيضانات    حريق مُهول يأتي على ورش للنجارة بمراكش    المغرب يعزز موقعه الأممي بانتخاب هلال نائبا لرئيس لجنة تعزيز السلام    تحذير من تساقطات ثلجية وأمطار قوية ورعدية مرتقبة اليوم الأحد وغدا الاثنين    دراسة: هكذا تحمي نفسك من الخَرَفْ!    ائتلاف حقوقي: تجميد "ترانسبارانسي" عضويتها من هيئة الرشوة إعلان مدوي عن انعدام الإرادة السياسية في مواجهة الفساد    الصين: شنغهاي تستقبل أكثر من 9 ملايين زائر في الأيام الأربعة الأولى من عطلة عيد الربيع    الجمعية المغربية لدعم إعمار فلسطين تجهز مستشفى الرنتيسي ومستشفى العيون باسطوانات الأكسجين    استئناف المفاوضات بين حماس وإسرائيل الاثنين بعد رابع عملية تبادل للرهائن والمسجونين    المنتخب الوطني لأقل من 14 سنة يجري تجمعا إعداديا بسلا    طنجة تتأهب لأمطار رعدية غزيرة ضمن نشرة إنذارية برتقالية    ريدوان يخرج عن صمته بخصوص أغنية "مغربي مغربي" ويكشف عن مشروع جديد للمنتخب    أولياء التلاميذ يؤكدون دعمهم للصرامة في محاربة ظاهرة 'بوحمرون' بالمدارس    حجز أزيد من 700 كيلوغرام من اللحوم الفاسدة بطنجة    تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج فاقت 117 مليار درهم خلال 2024    مؤسسة طنجة الكبرى تحتفي بالكاتب عبد السلام الفتوح وإصداره الجديد    هذا هو برنامج دور المجموعات لكأس إفريقيا 2025 بالمغرب    مقترح قانون يفرض منع استيراد الطماطم المغربية بفرنسا    تفشي "بوحمرون" في المغرب.. أرقام صادمة وهذه هي المناطق الأكثر تضرراً    المجلس العلمي المحلي للجديدة ينظم حفل تكريم لرئيسه السابق العلامة عبدالله شاكر    ثمن المحروقات في محطات الوقود بالحسيمة بعد زيادة جديد في الاسعار    الانتقال إلى دوري قطر يفرح زياش    مسلم يصدر جديده الفني "براني"    لمن تعود مسؤولية تفشي بوحمرون!    لقجع: منذ لحظة إجراء القرعة بدأنا بالفعل في خوض غمار "الكان" ولدينا فرصة لتقييم جاهزيتنا التنظيمية    القاطي يعيد إحياء تاريخ الأندلس والمقاومة الريفية في عملين سينمائيين    الإعلان عن تقدم هام في التقنيات العلاجية لسرطانات البروستات والمثانة والكلي    محاضرة بأكاديمية المملكة تُبعد نقص الذكاء عن "أطفال صعوبات التعلم"    أي دين يختار الذكاء الاصطناعي؟    الفنانة دنيا بطمة تغادر السجن    أربعاء أيت أحمد : جمعية بناء ورعاية مسجد "أسدرم " تدعو إلى المساهمة في إعادة بناء مسجد دوار أسدرم    غياب لقاح المينانجيت في الصيدليات يعرقل سفرالمغاربة لأداء العمرة    أرسلان: الاتفاقيات الدولية في مجال الأسرة مقبولة ما لم تخالف أصول الإسلام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الخطابة والفلسفة.. صراع أم تكامل؟
نشر في العلم يوم 29 - 03 - 2015


1-تقديم
يشير معجم لالاند (1)إلى أن التحليل يعني تفكيك كل ما إلى أجزائه، إذا كان هذا الكل ماديا، و يعني من جهة أخرى التحديد definition إذا كان الأمر يتعلق بمفهوم،ويضيف المعجم أن التحليل يعني كل منهج أو دراسة فحصية وخطابيةdiscursif،إذا كانت تنتهي في مجملها إلى تأ ليف أو تركيب synthese ، و بهذا المعنى فإن التحليل يتضمن عملية التفكيك و التركيب، و حسب كوندياك، فإن التحليل هو المنهج الذي يتحدد أساسا في ملاحظة النظام الترتيبي أو التتابعي successif لخصائص موضوع ما ، و ذلك بهدف فهمه في إطار التزامن sumiltanit ، بهذا المعنى يكون التحليل تفكيكا و فحصا ثم إعادة تركيب ، لكن هل يعني هذا التركيب ، الوصول إلى "كل "جديد، أم أن الأمر يتعلق فقط بفحص خال من القراءة، وبالتالي من خال أي تأويل أو فهم جديد لهذا الكل المفكك الذي هو موضوع الخطاب؛ إن قراءة الخطاب تعني بالضرورة فهما جديدا ، على إعتبار أن الخطابات تظل منفتحة إلى ما لا نهاية على القراءات والتأويلات ، بحكم طابع الإشتراك equivocit الذي تتميز به اللغة الطبيعية، و ثانيا بحكم القدرة على إدراك أو عدم إدراك الخطاب و شروط إنتاجه، في هذا الموضوع نحن أمام نوع معين من التحليل ،وهو التحليل الفلسفي للخطاب ، و هذا التحليل يقتضي بالضرورة معرفة آليات هذا التحليل وأدواته وهل تكتفي الفلسفة بآلياتها ، أم أنها تستعير أدوات وآليات حقول معرفية آخرى؟ إن العلم الذي استعانت به الفلسفة عبر تاريخها الطويل ، هو المنطق الذي كان إلى حد ما اللغة الأساسية للفلسفة و أداتها التحليلية والحقيقة، وحسب عدد من مؤرخي الفلسفة أن أرسطو لم يقصد أبدا في حياته بالمنطق ما يطلق عليه البعض علما ، بل إن ما القصده أنه آلة تحفظ العقل من الخطإ وتنبهه للصواب ، ويشير بيير بيليغران Pierre Pelegrin في مقدمة ترجمته لكتاب الأورغانون لأرسطو Categorie ;Sur l'interpretation ; Organon 1et2الصادر عن دار فلاماريون، أن من أعطى للمنطق هذا المدلول ، أي كونه علما، هم شراح أرسطو من الرواقيين ومن جاء من بعدهم وعلى كل حال ،فإن هذا التساؤل حول كون المنطق علما أم لا، ظل إشكالية رافقت تاريخه وتاريخ الفلسفة، إلا أن استقلال هذه المعرفة إن جاز تسميتها كذلك ابتداء من القرن التاسع عشر مع فريغ Fregeeومن جاء من بعده، والتطور الذي عرفه في التطبيقات الحديثة ،قد نحا به منحى العلمية التي صارت دراسة مستقلة قد نطلق عليها ما نشاء ، إلا أنها تعيد من جديد طرح إشكالية التسمية والإسقلالية، لكن ، هل كان المنطق وحده كافيا ؟ إذا أخذنا على سبيل المثال كتاب الخطابة لأرسطو ، فهو تحليل فلسفي لنوع من أنواع الخطاب و هو الخطابة ماهي الخطابة ، وماهي الحقول التي تقاطعت معها وحاولت احتواءها وما هو المآل الذي انتهت إليه هذه العلاقة؟
2- أرسطو: الفلسفة والخطابة
هل كان كتاب أرسطو قولا خطابيا أم أنه كان في الأساس تنظيرا للخطابة؟ في أي موقع نضع هذا فيه الكتاب؛ هل هو فلسفة للخطابة أم تحليل للخطاب؟ من دون شك أنه قول حول الخطابة ، يقول Paul Ricoeur"بول ريكور" في كتابه "المجاز الحي" la metaphore vive (2))إن الخطابة بدون شك هي قديمة قدم الفلسفة ،و يقال عادة إن "أمبيدوقلس " Empedocle (3)هو أول من اخترعها و بهذا المعنى تكون الخطابة أقدم أعداء الفلسفة ، و في نفس الوقت أقدم أصدقائها، والقول بأنها كانت أكبر عدوة لها ،يعني أن فن القول الجيد ، l 'art de bien dire تحرر من هم قول الحقيقة أي من التدليل البرهاني ، وظل ذلك الفن القائم أوالمبني على معرفة الأسباب التي تؤدي أو التي تولد تأثير الإقناع ، وتعطي قوة رهيبة لمن يمتلك الخطابة بشكل جيد، لم تكن الخطابة في نشأتها الأولى شيئا عاديا، وكان تأثيرها في السياسة والإجتماع أمرا حاسما ،بل يمكن القول إنه في ظل المجتمع الأثيني الذي ظهرت فيه الخطابة ، لم يكن من سبيل للتفوق السياسي من دونها، لقد امتد هذا الدور الذي كان للخطابة حتى العهد الروماني مع كل من شيشرون Ciceronفي القرن الأخير قبل الميلاد وكانتيليان Quantelien في القرن الأول بعد الميلاد،ولذلك لم يكن عبثا أن يهتم بها أفلاطون بالقدر الذي أولاه لها ،لأنها كانت السلاح الذي امتلكه السوفسطائيون الذين كانوا أصحاب الإتجاه الديمقراطي الذي عاداه سقراط ، ومن بعده أفلاطون، ولم يكن عبثا أن يخصص لها أرسطو كتابا خاصا يعد من بين الكتب الرئيسية في التنظير للخطابة عبر التاريخ، لقد كانت الخطابة خطيرة قبل أن تصبح مهملة ، ولذلك فإن أفلاطون كان يطالب بها ، فالخطابة عنده هي العدالة، إنها الفضيلة بامتياز بنفس القدر الذي تكون به السفسطائية هي التشريع ، وكلاهما ،الواحد منهما للآخر ،كالروح بالنسبة للجسد ،إنها فن الوهم illusion والخداع (4) بجانب الخطابة ، كانت الفصاحة المعتمدة أساسا على المجاز الذي كان له هو أيضا أعداؤه،ومعاداة هذا الأخير كانت هي معاداة الخطاب السفسطائي والفلسفة، مع ذلك وعلى مرالتاريخ لم تستطع احتواء الخطابة ،ولا القضاء عليها نهائيا ، ذلك أن الأماكن التي كانت الخطابة تظهر فيها جدواها (محاكم، مجالس إستشارية ،برلمان) ،هذه الأماكن لم تستطع الفلسفة فرض ،وجودها فيها ،و لا القضاء على وجود الخطابة فيها ، أي أن الخطاب الفلسفي باعتباره خطابا توهم أنه يمتلك الحقيقة جعله دائما خطابا بدون سلطان لقد فشلت الفلسفة اذن في تحطيم العلاقة الوطيدة التي تربط السلطة بالخطاب، و أمام هذا العجز لم تتبق لها إلا إمكانية واحدة ، وهي الإستعمالات المسموح بها للكلمة القوية (5) ووضع الخط الذي يفصل بين الإستعمال السيئ للخطابة ، وتأسيس الروابط بين فضاء مصداقيتها ، وذلك الذي تتسيد فيه الفلسفة لقد شكلت خطابة أرسطو المحاولة البارزة لمأسسة الخطابة إنطلاقا من الفلسفة ، ولكن السؤال الذي يطرح في هذا المستوى ، وعند هذا التأسيس،هو ما هو الاقناعpersuader ، على اعتبار أن الخطابة في الأساس هي فن الإقناع، وما الذي يميز هذا الإقناع عن باقي الأهداف الأخرى لفن القول؟
3-ماذا يعني التأثير بواسطة القول أو الخطاب ؟
إن الجواب على هذا التساؤل نجده في المنطق حيث أن من أهم ما أنتهض به ، هو تحديد مجال تأثير الخطابة، ذلك أن فعاليتها تكمن ليس في إيقاع اليقين الذي يلزم عن البرهان، وإنما إيقاع الظن ،ذلك أن الأول ضروري ، والثاني غير ضروري ويظهر تاريخيا أن الخطابة لم تتعد مستوى الظن ، وأيضا لم يكن من الممكن إزاحتها، لأنها تعتبر جوهر ما يتداول به الناس في جزء كبير من مشاغلهم الحياتية، فالترافع ، في المحاكم ، والمجالس الإستشارية يعتمد بالأساس على الترافع الخطابي فلم نجد في العالم وعبر التاريخ مجالس من هذا النوع تترافع بالمعادلات الرياضبية على سبيل المثال بل إن النتائج التي تتوصل إليها المحاكم والمجالس في كل الأحوال لاتخضع للصرامة التي تحدد الفرق بين الصدق والكذب ،كما هو الحال في المنطق ، أو الرياضيات ،بل إنها تعتمد على ما يجب أن يكون ملائما appropri?، ليس فقط علي مستوي النتائج، بل أيضا وبالأساس على مستوى المنطلقات، فإذا كانت الرياضيات تعتمد على الأوليات العقلية، فإن أوليات الخطابة، هي المشهورات و الأخلاق ذات الأصل المعياري في كل مجتمع مجتمع و هذا القول لا يعني أن الإستدلال الخطابي ليس إستدلالا منطقيا، بل إن الفرق بينهما فقط في أصول المقدمات، فإذا كانت المقدمات الرياضية مقدمات أولية كما أسلفنا ،فإن مقدمات الإستدلال الخطابي، هي مقدمات تنطلق مما يطلق عليه المناطقة إسم المواضع العامة المشتركة،les lieux communs (6)و معناها تلك المآثورات و المشهورات التي تصلح مقدمات للإستدلال الخطابي، والتي تكون سائدة في مجتمع مجتمع، مثل البر بالوالدين أو تحريم القتل، و ما شابههما مما تتوافق عليه المجتمعات من قيم، والتي تصلح أصولا معيارية لمقدمات الإستدلالات الخطابية ،و الجدلية و هكذا فإن الرأي opinion أو "DOXA" الناجم عن الإقتاع الخطابي هو أقل يقينا من "الإيبيستيمي" العلمي ,ومن حسنات أرسطو،أنه بلور ذلك الرابط بين المفهوم الخطابي للإقناع و المفهوم المنطقي للظن، وأنه بنى على هذه العلاقة كلها خطابة فلسفية(7) إن ما نقرأه اليوم كخطابة لأرسطو، هو دراسة لهذا الفن الذي يتم فيه التوازن بين حركتين متناقضتين،الأولى هي التي تدفع بالخطابة إلى الإستقلال والتحررمن الفلسفة أوالحلول محلها ،والثانية هي التي تدفع الفلسفة إلى إعادة خلق الخطابة كنظام من الدرجة الثانية. وفي النقطة الخطيرة لإلتقاء الفصاحة مع منطق الظن ، تتحددالخطابة التي جعلتها الفسلفة تحت مراقبتها هذا الوضع الملتبس الذي أخذته الخطابة ،هو الذي أدى إلى موتها ، قبل أن يعاد لها الإعتبار في الكتابات المعاصرة فمع كل من بيرلمان Perlman وتولمين Toulmin في خمسينيات القرن المنصوم ، ومن جاء من بعدهما ، حيث كان هناك سعي حثيث لإحيائها ، وإعطائها المكانة التي تستحق إن الخطابة اليونانية لم يكن لها برنامج ومشروع واسع فقط ، بل كانت لها إشكالية، ومع ذلك لم تتمكن من توسيع استعمالاتها ،لقد بقيت معرفة جانبية محدودة الأثر ليس تحت الفلسفة أو دونها ،بل بجانب أنواع ومجالات أخرى للخطاب نفسه8)
4-الخطابة والشعرية إحتواء أم تجاوز؟
وإذا كانت الشعرية،po?tique من المجالات التي تركتها الخطابة خارج اهتماماتها،فإن ما قامت به في علاقتها بالشعرية،مهم جدا لأن المجاز عند أرسطو ينتمي إلى الحقلين معا ، و هذا الصراع الثنائي بين الخطابة والشعرية يعكس صراعا في إستعمال الخطاب،وفي وضعياته الخطابة كما قلنا هي تقنية ، أو فن الفصاحة، وهدفها هو هدف الفصاحة نفسها ، أي إيقاع الإقناع ،ذلك أن هذه الوظيفة رغم شساعة مداها ، فإنها لا تغطي كل استعمالات الخطاب، أما الشعرية التي هي فن نظم الأشعار التراجيدية أساسا ،فإنها لا في وظيفتها ، ولا في وضعية خطابها تتبع الخطابة التي هي فن الدفاع ، والمداولة، والمدح ، والذم إن الشعرية إذن ليست هي الفصاحة ولا تهدف إلى الإقناع أما الخطابة ، فهي الفن الذي يهدف إلى امتلاك الكلمة االعمومية LA PAROLE PUBLIQUE ، والتحكم في ناصيتها ، لقد كانت الخطابة تغطي ثلاثة حقول هي التدليل وإنشاء الكلام والفصاحة والتي كانت تتم في ثلاثة مقامات هي القضائية والإستشارية ، والإستحسانية وربما أن اختصار هذه الحقول أو المجالات الثلاثة في الحقل الأخير، أي في الفصاحة المنتمية للمقام الإستحساني ، هو في واقع الأمر يشرح وبشكل لا يرقى إليه الشك أن الخطابة فقدت علاقتها مع المنطق ، ومع الفلسفة ، وهذا حولها إلى معرفة تافهة ، وهوما أدى إلى موتها لمدة طويلة لقد كانت الخطابة في عهد أرسطو تعيش لحظاتها القوية ، وكانت فضاءا مختلفا عن الفلسفة على إعتبا ر أن البعد الإقناعي بقي هو موضوع هذا الفن المحدد الذي ظل وثيق الصلة بالمنطق، ،ونتيجة لهذا التلازم بين مفهوم الإقناع ، ومفهوم الظن ،VRAISSEMBLABLE بقيت الخطابة فنا تابعا للفلسفة ، وتحت رقابتها (9) إن وضع الخطابة كتقنية مختلفة لم يطرح مشاكل صعبة، و قد اهتم آرسطو بتحديد ما سماه التقنية في آحد نصوصها الأخلاقية الكلامية (1O)و عرفها بأنها خلاقة creatrice ترتفع عن الروتين و التطبيق التجريبي، و رغم كونها تخص الإنتاج الخطابي، فإنها تحتوي على عنصر تآملي، في إنتاجه، و قد رأى أرسطو آن فكرة استقلال الخطابة ربما تكون له نتائج جيدة أكثر من تلك التي قد تتمخض عن مزاوجتها بمعارف أخرى للخطاب ، وأولها معرفة الحجة LA PREUVE ، و هذا التزاوج يتأكد في الربط بين الخطابة و الجدل و هناك بالضبط و بدون شك يظهر ذكاء أرسطو في آنه وضع في مقدمة جهده الإعلان الذي يضع الخطابة في عمق الحراك MOUVANCE المنطقي و عبر منطق الفلسفة كلها إن الخطابة هي نظير الجدل ، ذلك أن هذا الأخير يحدد النظرية الكاملة للحجاج على مستوي الظن وهذا هو مشكل الخطابة كما وضع بالمعنى التطبيقي، فأرسطو كان فخورا بوضع الدليل البرهاني المسمى SYLOGISME ،(11)ذلك أن هذا الدليل يوافق البرهاني المسمى 12) Enthymme الذي يعتبر العمدة في التدليل الخطابي الخطابة إذن هي فن الحجة preuve ، فالحجج وحدها لها طابع التقنية، و بما أن الأنتيميما هي الحجج، فإن الخطابة كلها تتمحور حول القوة الإقناعية التي ترتبط بهذا النوع من الحجج،و بذلك فإنها تنطبق فقط على الإجراءات التي يمكن آن تؤثر على عواطف القضاة، وهكذا ، فهي تسقط خارج الموضوع،إنها لا تعرض و لا تبين و لاتفصح عن الحجج التقنية، هذه التي تجعل موضوعا ما حريا و جديرا بالآنتيميما ورغم ذلك فهذا لا يعني ان الخطابة لا تتميز و لا تختلف إطلاقا عن الجدل،إنها تشبهه بالتأكيد في عدد من أوجهه، إنها تختص بحقائق الآراء المقبولة من الجميع ولا تقتضي أية قدرة آو كفاءة، خاصة فكل واحد قادر على آن يناقش دليلا ما، أو أن يصدر اتهاما أو أن يقوم بالدفاع،إلا أنها تختلف في أوجه آخرى فالخطابة تنطبق أولا على وضعيات معينة واضحة,وملموسة في هيئة سياسة،وفي جلسة قضائية، وفي العمل العمومي، في المدح و الذم، و في هذه الأنماط الثلاثة لوضعيات الخطاب تحدد الأنواع الثلاثة للخطابة، الإستشارية ،القانونية، القضائية ثم الإستحسانية و بالإضافة إلى ذلك ،فإن الخطابة يمكن أن تستغرق أو تنحل في معرفة حجاجية خالصة، لأنها موجهة إلي الجمهور، و لذلك ، فإها تتم في الأبعاد"بين ذاتية"، أو "عبر ذاتية" الجدلية للإستعمال العمومي للخطاب، و ينتج عن هذا أن إعتبارات العواطف و الإحساسات و العادات و المعتقدات ، تبقي من إختصاصها حتي ولو لم يكن عليها أن تحل محل الدليل الظني فالدليل الخطابي الخالص يأخذ في الإعتبار في ان واحد درجة الظن المتعلق بالموضوع المناقش، و قيمته الإقناعية ا لمتعلقة بميزةQUALIT? كل من المتحدث و السامع هذه السمة تقود من تلقاء نفسها إلي هذا الإستنتاج الآخير، وهو إن الخطابة لا يمكن آن تصبح تقنية صورية فارغة بسبب علاقتها مع مضمون الاراء الآكثر ترجيحية PROBABLES ، أي تلك المتقبلة و المحمودة من طرف عامة الناس فرابط الخطابة مع المضمون غير المنتقد NON CRITIQU? يمكن أن يجعل منها نوعا من العلم الشعبي الذي يربط بين الأفكار المقبولة ، وهكذا فإن الخطابة تنخرط في متوالية متفرقة لمواضع التدليل التي تمثل بالنسبة للمتكلم الكثير من الوصفات التي تجعله في منآي عن مفاجات معركة الكلام إن هذا التصادم والإلتقاءبين الخطابة و الجدل كان بدون شك أحد أسباب موتها، وربما تكون الخطابة قد ماتت بسبب الإفراط الصورانيformalismeالذي عرفه المنطق خلال القرن التاسع عشر خصوصا مع غوتلوب فريغ الذي أراد صياغة لغة رمزية تحل محل اللغة الطبيعية وتعبر عن مضمون القضايا بشكل لايرقى إليه الإشتباه أوالإشتراك الذي تتميز به اللغة الطبيعيةوالذي يعتبر من نواقصها
5-علاقة االخطابة بالمنطق
لم يكن أرسطو يفصل بين الخطابة و المنطق، بل إنه جعلها جزءا منه، و الفرق بينهما كما سبقت الإشارة هو الفرق بين الطبيعي و الرمزي فقط، و ذلك أن الخطابة تمثل جانبه الطبيعي من حيث التعبير، و من حيث الأصول و النتائج ، و يلتقيان في الصورية، فكلاهما يخضع للإستدلال الصوري المبني على الإستنباط، أي الإنطلاق من الكلي إلى الجزئي القائم على مقدمتين، كبرى و صغرى، ثم نتيجة فعبارة كل إنسان فان سقراط إنسان إذن سقراط فان، هي عبارة منطقية صورية تنطبق في آن معا على الصياغة الرمزية ،كما تنطبق على الصياغة الطبيعية ، و الفرق بينهما حسب أرسطو، هو الفرق بين الجزء و الكل ، فالمنطق الطبيعي الذي تعتبر الخطابة أحد أجزائه إلى جانب الجدل، هو الكل، والمنطق الصوري الرمزي هو الجزء، فالأول بإمكانه أن يستغرق الثاني ، لكن العكس غير صحيح، و عندما أراد كل من بيرلمانPerlman (13)و تولمين Toulmin(14 )إحياء المنطق الطبيعي، فإنهما راهنا بالدرجة الأولي على الخطابة بسبب إمكانية الإستفادة من إستعمالاتها في الحياة اليومية و إذا كان بيرلمان قد وضعها في مجالاتها الأعم، و درس بالتفصيل آسسها، و فصل بين درجات الإقناع، فإن تولمين إستشكل الخطابة في علاقتها بعدد من الحقول المعرفية، من الرياضيات إلى القانون مرورا بالسوسيولوجيا و السيكولوجيا، و إنتهيإلى أن آحسن نموذج يمكن أن تحتدي به الخطابة ، هو نظرية القانون، لأنها مجال طبيعي لتجسيد الصرامة المنطقية المصوغة بلغة طبيعية فالقانون حسب تولمين و إن كان قولا طبيعيا، فإنه قول منطقي لأنه يخضع لتلك التوتولوجية Tautologie العامة التي تميز المنطق و المتجسدة أساسا في الصياغة الصورية الرمزية كل آ ب و كل ب ج إذن كل آ ج ، أي ذلك الإستدلال المبني على مقدمتين و نتيجة ففي مجال القانون على سبيل المثال، هناك قاعدة قانونية عامة تقول على سبيل المثال كل من فعل كذا و كذا فهو كذا ، و على أساسها يقوم الإدعاء، و على أ ساسها أيضا يقوم الدفاع، و الغلبة في هذا الترافع القضائي تكون لمن يحسن الإستدلال، و من يأتي بالأدلة الموافقة للقاعدة الكلية، كما أن كل قاعدة قانونية كلية تقوم هي أيضا على أصول ، إلا أن هذه الأصول ليست أوليات عقلية كالأوليات الرياضية ، بل هي مواضعات معيارية تكون هي الأصل الذي تصاغ منه القواعد القانونية و من هذه المقارنة أراد تولمين جعل نظرية القانون نموذجا لإحياء القول الخطابي في الإستعمالات اليومية و في الحجاج بشكل عام و جعله نموذجا لصياغة كافة أنواع الحجاج، بل إنه صاغ نموذجا جعله الأساس في بناء و تقويم كل تدليل خطابي من الإستدلال الشهير كل إنسان فان سقراط إنسان إذن سقراط فان 6خلاصة نستنتج من خلال هذه القراءة المقتضبةلعلاقة الخطابة بالشعرية وبالمنطق، وأيضا بالفلسفة أن هذه العلاقة شكلت العديد من التقاطعات ، إلا أن الفلسفة مع ذلك لم تستطع أن تفرض هيمنتها على الخطابة، مما جعل هذه الأخيرةتحتفظ باستقلالها ومسافتها، وذلك بحكم المجال الذي اشتغلت فيه الخطابة والذي ظل على الدوام هو الفَضاء العمومي بكل تجلياته سواء في المجالس الإستشارية ،أو القضائية ، أو الفضاءات العمومية الأخرى التي تحضر فيها ضرورة الكلمة الموجهة للجمهور وكما لاحظنا مع ريكور ، فإن هذا الدور الذي كان للخطابة جعلها تهمل لعدة قرون ، قبل أن يتم الإنتباه إلى أهميتها المستمرة وحضورها الدائم في المجالات الحياتية ، وهذا ما دفع العديد من المناطقة والفلاسفة المعاصرين إلى إعادة الإعتبار لها في إطار توجه عام يرمي إعادة الإعتبار للغة الطبيعية، وللمنطق الطبيعي في شقيه الجدلي والخطابي في الأدبيات التواصلية والحجاية المعاصرة مع تولمين وبيرلمان وكرايز Grize وأيضا مع هابرماس في نواحي محددة، خصوصا في أخلاق الحوار والتواصل المستلهمة للإرث الأرسطي حتى ولو لم تتم الإشارة إليه في غالب الأحيان وامتد هذا التأثير إلى نظرية أفعال القول مع كل من جون سيرل وأوستين حيث لم يعد القول فعلا وصفيا constatatif ،بل صار فعلا إنجازياperformatif فحالما ننطق كلمة أو جملة،مثل قول الراهب للمخطوبين إنني أعلنكما زوجين، أو قول رئيس دولة ما ،إنني أعلن الحرب ، فهذا ليس مجرد قول ، بل هو في نظر أصحاب نظرية أفعال القول فعل تترتب عليه كل مسؤولية الفعل.
هوامش:
- 1 La lande Andr vocabulaire thechnique et critique de la philosophie Edition Puf Ricoeur Paul la metaphore vive -2-dition seuil collection points essais
3-أمبيدوقلس فيلسوف يوناني قبل سقراطي عاش مابين490و430 قبل الميلاد كان متأثرا بالفاتاغورية ، كان أول من جمع ملاحظات حول ما سيصبح لاحقا الخطابة
4-Paul Ricoeur opcit? page15
ibidem pages 16 et 17
5 - Aristote rhetorique page ?dition Garnier Flamarion 6 - Riceur Paul Ibid page 17
7- ibid page 18
8- ibid page 41
9 -10 ibid page 41 syllogisme
11- هو الإستدلال المنطقي للقضايا المسمى أيضا مقدمات مؤديةإلى نتيجة ِEnthym me12-هو الإستدلال الخطابي المبني على مقدمات ترجيحية أو ظنية أي تلك المستمدة من المشهورات المتواضع عليه والتي لا ترقى لمرتبة اليقين البرهاني.
13- Chaim Perlman et Lucie Olbrechts Tetyca traite de l'argumention edition de l'unvversit de 1Bruxelle usages de L'argumentaion lusages de L'argumentaion" editions Puf". 14-Toulmin Stephen les .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.