'دير لاين' و'بوريل' يؤكدان التزام الاتحاد الأوروبي بعلاقاته الوثيقة مع المغرب وتعزيزها انسجاما مع مبدأ 'العقد شريعة المتعاقدين'    وزير الشؤون الخارجية الإسباني يدافع عن الشراكة الاستراتيجية بين الاتحاد الأوروبي والمغرب ويؤكد إرادة الحفاظ عليها    الخارجية المغربية ترد على قرار محكمة العدل الأوروبية بالغاء اتفاقيتي الفلاحة والصيد البحري    قرار محكمة العدل الأوروبية: فرنسا تجدد التأكيد على تشبثها الراسخ بشراكتها الاستثنائية مع المغرب    وزير خارجية إسبانيا يجدد دعم سيادة المغرب على صحرائه بعد قرار محكمة العدل الأوربية    ثلاثة مستشفيات في لبنان تعلن تعليق خدماتها جراء الغارات الإسرائيلية    إعطاء انطلاقة خدمات مصالح حيوية بالمركز الاستشفائي الجامعي الحسن الثاني ودخول 30 مركزا صحيا حضريا وقرويا حيز الخدمة بجهة فاس مكناس    ريدوان: رفضت التمثيل في هوليوود.. وفيلم "البطل" تجربة مليئة بالإيجابية    مسؤول فرنسي: الرئيس ماكرون يزور المغرب لتقوية دعامات العلاقات الثنائية    توقعات أحوال الطقس ليوم غد السبت    أساتذة الطب ينددون بحملة التشهير    امزورن.. سيارة ترسل تلميذاً إلى قسم المستعجلات    المحامون يقاطعون جلسات الجنايات وصناديق المحاكم لأسبوعين    مرصد الشمال لحقوق الإنسان يجمد أنشطته بعد رفض السلطات تمكينه من الوصولات القانونية    صرف معاشات ما يناهز 7000 من المتقاعدين الجدد في قطاع التربية والتعليم    ابتدائية تطوان تصدر حكمها في حق مواطنة جزائرية حرضت على الهجرة    تسجيل حالة إصابة جديدة ب"كوفيد-19″    عشرات الوقفات الاحتجاجية بالمدن المغربية رفضا للتطبيع وتنديدا بالجرائم الصهيونية في فلسطين ولبنان    بوريس جونسون: اكتشفنا جهاز تنصت بحمامي بعد استخدامه من قبل نتنياهو        فيلا رئيس الكاف السابق واستدعاء آيت منا .. مرافعات ساخنة في محاكمة الناصري    إيران: خامنئي يؤكد في خطبة الجمعة أن إسرائيل لن تنتصر قط على حزب الله وحماس    باريس تفتتح أشغال "قمة الفرانكفونية" بحضور رئيس الحكومة عزيز أخنوش    وزارة الخارجية: المغرب يعتبر نفسه غير معني بتاتا بقرار محكمة العدل الأوروبية بخصوص اتفاقيتي الفلاحة والصيد البحري    الجمع العادي للمنطقة الصناعية بطنجة برئاسة الشماع يصادق بالإجماع على تقريريه الأدبي والمالي.. وإشادة كبيرة بالعمل المنجز    إيقاعات ناس الغيوان والشاب خالد تلهب جمهور مهرجان "الفن" في الدار البيضاء    الجماهير العسكرية تطالب إدارة النادي بإنهاء الخلاف مع الحاس بنعبيد وارجاعه للفريق الأول    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها على وقع الارتفاع    محكمة أوروبية تصدم المغرب بقرار إلغاء اتفاقيتي الفلاحة والصيد البحري    الاتحاد العام لمقاولات المغرب جهة الجديدة - سيدي بنور CGEM يخلق الحدث بمعرض الفرس    التصعيد الإيراني الإسرائيلي: هل تتجه المنطقة نحو حرب إقليمية مفتوحة؟    ارتفاع أسعار الدواجن يجر وزير الفلاحة للمساءلة البرلمانية    ارتفاع طفيف في أسعار النفط في ظل ترقب تطورات الأوضاع في الشرق الأوسط    الفيفا تعلن تاريخ تنظيم كأس العالم للسيدات لأقل من 17 سنة بالمغرب    لحليمي يكشف عن حصيلة المسروقات خلال إحصاء 2024    آسفي: حرق أزيد من 8 أطنان من الشيرا ومواد مخدرة أخرى    الفيفا يقترح فترة انتقالات ثالثة قبل مونديال الأندية    اختبار صعب للنادي القنيطري أمام الاتحاد الإسلامي الوجدي    دعوة للمشاركة في دوري كرة القدم العمالية لفرق الإتحاد المغربي للشغل بإقليم الجديدة    الدوري الأوروبي.. تألق الكعبي ونجاة مان يونايتد وانتفاضة توتنهام وتصدر لاتسيو    النادي المكناسي يستنكر حرمانه من جماهيره في مباريات البطولة الإحترافية    محكمة العدل الأوروبية تصدر قرارا نهائيا بإلغاء اتفاقيتي الفلاحة والصيد البحري مع المغرب    وزارة الصحة تكشف حقيقة ما يتم تداوله حول مياه "عين أطلس"    وزير خارجية إيران يصل إلى مطار بيروت    عزيز غالي.. "بَلَحَة" المشهد الإعلامي المغربي    محنة النازحين في عاصمة لبنان واحدة    فتح باب الترشيح لجائزة المغرب للكتاب 2024    أعترف بأن هوايَ لبناني: الحديقة الخلفية للشهداء!    بسبب الحروب .. هل نشهد "سنة بيضاء" في تاريخ جوائز نوبل 2024؟    إطلاق مركز للعلاج الجيني في المملكة المتحدة برئاسة أستاذ من الناظور    الذكاء الاصطناعي والحركات السياسية .. قضايا حيوية بفعاليات موسم أصيلة    مستقبل الصناعات الثقافية والإبداعية يشغل القطاعين العام والخاص بالمغرب    الزاوية الكركرية تواصل مبادراتها الإنسانية تجاه سكان غزة    القاضية مليكة العمري.. هل أخطأت عنوان العدالة..؟    "خزائن الأرض"    موسوعة تفكيك خطاب التطرف.. الإيسيسكو والرابطة المحمدية للعلماء تطلقان الجزئين الثاني والثالث    اَلْمُحَايِدُونَ..!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ما مدى مشروعية التعريفة الجديدة لأجور المفوضين القضائيين؟ قرار وزيري العدل والمالية اعتمد على نصوص قانونية ملغاة مما يجعله مفتقدا للمشروعية..

*تراتبية القوانين مبدأ دستوري ولا يجوز لقرار إحداث التزام غير منصوص عليه في القانون ومرسوم تطبيقه *مبدأ الاختيارية في التبيليغ والتنفيذ ما زال قائما وليس حكرا على المفوضين القضائيين *القرار المشترك متسم بالغلو في تحديد سلم الاجور ولا يراعي مقتضيات حماية المستهلك استضافت دار المحامي بالدار البيضاء لقاء حول "القرار الوزاري المشترك بين وزير العدل والحريات ووزير المالية والاقتصاد بشأن الزيادة في التعريفة الجديدة للمفوضين القضائيين، وذلك بمبادرة من جمعية المحامين الشباب، بمشاركة الأساتذة: عبد الرحمان آيت امحمد، نائب رئيس المحكمة الابتدائية المدنية بالبيضاء، بصفته القاضي المكلف بالتنفيذ، ورضوان زكري، نائب رئيس المجلس الجهوي للمفوضين القضائيين، ومديح، رئيس الجامعة الوطنية لجمعيات حماية المستهلك، وأبو بكر أبو القاسم الهادي، المحامي بهيئة الدار البيضاء.
وقد تزامن انعقاد هذا اللقاء مساء يوم الجمعة 13 فبراير 2015 بمائدة مستديرة نظمها المنتدى المغربي للمحامين حول نفس الموضوع بمقر هيئة المحامين بالرباط، لما يشكله ذلك من هاجس وانشغالات أكدت جميعها على أن قرار وزيري العدل والحريات والمالية والاقتصاد خارج المشروعية والشرعية، ويضرب في الصميم عملية التقاضي، كما أكدنا في "العلم" أيام 15، و16، و18 فبراير 2015.
ونقدم اليوم وجهة نظر الأستاذ أبو بكر أبو القاسم الهادي من خلال العرض التالي:
الأستاذ الهادي أبو بكر أبو القاسم°
غياب المقاربة التشاركية:
نشر بالعدد 6318 من الجريدة الرسمية، الصادر بتاريخ 2014.12.18، القرار المشترك لوزيري العدل والمالية، المؤرخ في 2014.11.26، والذي يتضمن سلما جديدا لأجور المفوضين القضائيين والتعويض الكلومتري عن تنقلاتهم.
ويبدو أن هذا القرار تم اتخاذه دون عرضه على هيئات المحامين، وبعيدا عن المقاربة التشاركية التي تحمل الحكومة شعارها، وهو ما فتح نقاشا واسعا في أوساط المتقاضين بوجه عام، والمحامين بصفة خاصة.
وفي غمار هذا النقاش أود المشاركة بهذه المقالة، التي حاولت فيها رصد مظاهر الاختلال التي تشوب القرار، سواء من حيث شكله، أو من زاوية مضمونه، والذي قسمت الكلام في موضوعه إلى مدخل تمهيدي أشرت فيه إلى بعض المآخذ التي تشوب القرار، وإلى خمسة محاور وخاتمة، الأول مخصص للتذكير بالتطور الزمني لمهنة المفوضين القضائيين انطلاقا من القانون رقم 80-41، والثاني حاولت فيه إجراء مقارنة بين بعض مقتضيات القانونين المذكورين، وبين بعض مقتضيات المرسومين التطبيقيين لهما.
أما المحور الثالث فيتناول بعض مؤيدات مبدأ "الاختيارية" بين أعوان المحكمة، وبين المفوضين القضائيين، بينما المحور الرابع تطرقت فيه للأجور والتعويض الكلومتري، في حين يتعلق المحور الخامس بقراءة الجدول المؤرخ في 2014.12.31 الذي أصدره مكتب المجلس الجهوي لهيئة المفوضين بالدار البيضاء.
وسأختم هذه الورقة بإطلالة سريعة على حالة المهنة في فرنسا وبلجيكا.
الحكومة حولت "الحق في الوصول" إلى "رسم الوصول":
إن من المسلمات البديهية هي أن الحق في التقاضي من الحقوق الحيوية للإنسان، وحق الاستفادة من مرفق العدالة حق مشروع أقره الفصل 118 من دستور 2011، ولذلك يجب على الحكومة أن تتخذ جميع التدابير لتيسير وصول المتقاضين إلى هذا الحق، علما أن تيسير الاستفادة من هذا الحق يقتضي تخفيف العبء على المتقاضين، لكن يبدو أن الحكومة حولت "الحق في الوصول" إلى "رسم الوصول"، إذ هناك فرق كبير بين التعبيرين "droit à l'accès" و"droit d'accès".(1)
تعسير على المتقاضي:
إن التقاضي في المغرب ليس مجانيا، ويفرض على المتقاضي رسوما مرهقة جدا، خلافا لما هو معمول به في دول أخرى، مثل فرنسا التي لا يفرض فيها أي رسم على التقاضي أمام المحاكم.
ومن المعلوم أن أداء الرسم القضائي المفروض بموجب قانون المالية لسنة 1984، لا يلزم معه الأطراف بأداء أي مبلغ آخر، كما نص على ذلك الفصل 6 من الملحق 1 بقانون المالية المذكور، علما أن هذا المقتضى لم ينسخ، ولم يعدل لحد الآن.
غير أن القانون رقم 03-81 المحدث لمهنة المفوض القضائي ينص في المادة 29 منه على أن الأجر المدفوع لهذا الأخير يعتبر جزءا من الرسم القضائي، وبذلك ازدادت الأعباء التي يتحملها المتقاضي التي تعتبر تعسيرا عليه، وعرقلة أمام الاستفادة من خدمة مرفق العدالة.
القرار الوزاري مفتقد للمشروعية:
إن القرار الذي نحن بصدد تدارسه يتضمن تمهيدا يشير إلى النصوص القانونية والتنظيمية التي ارتكز عليها الوزيران في اتخاذه، وهي نصوص منها ما تم إلغاؤه قبل نشر القرار، وهي:
1) القانون رقم 99-06 المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة والذي تم نسخه بالقانون رقم 12-104 الذي صدر ظهير 2014.06.30 بنفاذه، والمنشور في الجريدة الرسمية بتاريخ 2014.07.24.
وتنص المادة 111 من هذا القانون على أنه يدخل حيز التنفيذ ابتداء من تاريخ صدور النصوص التنظيمية اللازمة لتطبيقه، وبالفعل صدر يوم 2014.12.01 المرسوم التطبيقي، وتم نشره في الجريدة الرسمية بتاريخ 2014.12.04، وبذلك يكون القانون رقم 12-104 قد دخل حيز التنفيذ ابتداء من يوم 2014.12.04.
2) المرسوم المؤرخ في 2001.09.17 المتخذ لتطبيق القانون 99-06 المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة، والذي تم نسخه كذلك بالمرسوم المؤرخ في 2014.12.01.
وبما أن قرار وزيري العدل والمالية، المؤرخ في 2014.11.26 لم ينشر إلا بتاريخ 2014.12.18، فإنه يكون بذلك مبنيا على مرتكزات تم نسخها وإلغاؤها قبل نشره، وبالتالي فإنه مفتقد للمشروعية.
السياق التاريخي للقانون المحدث لمهنة العون القضائي:
صدر القانون رقم 80-41 المحدث لمهنة العون القضائي سنة 1980، وهي سنة صدرت فيها عدة قوانين، من بينها القانون رقم 79-6 المتعلق بتنظيم العلاقات الكرائية الخاصة بمحلات السكنى والمهنية، والقانون المتعلق بتخفيض الثلث من الكراء، حيث جاء التدفق في وتيرة التشريع على إثر الاضطرابات الدموية التي عرفتها مدينة الدار البيضاء عام 1980.
إذن في تلك الغمار جاء القانون رقم 80-41 الذي صدر الأمر بنفاذه بالظهير المؤرخ في 1980.12.25، والمنشور بتاريخ 1981.2.18، لكن المرسوم التطبيقي بشأنه لم يصدر إلا في 1986.12.24، ولم ينشر إلا في 1988.8.17، ولم يبتدئ العمل به إلا بعد ستة شهور من تاريخ النشر، ولا شك أن التراخي في نشره يفسر بأنه تردد من الدولة في تطبيق هذا القانون إن لم نقل بأنه توجس من هذه المهنة.
وكيفما كان الحال، فإن إحداث مهنة مستقلة مهمتها القيام بإجراءات التبليغ والتنفيذ يعد من مظاهر الدولة الحديثة التي من مقوماتها العمل بنظام المؤسسات المستقلة، وبنظام التدبير المفوض للمرفق العمومي، حيث استمر العمل بهذا القانون " 80-41 " إلى غاية صدور القانون رقم 03-81 الذي أحدث مهنة المفوضين القضائيين، ودخل حيز التنفيذ بتاريخ 2006.03.02.
مقارنة بين بعض مقتضيات القانونين والمرسومين التطبيقيين :
إن المقارنة في هذا السياق تستدعي الملاحظات التالية:
1) المقارنة بين القانونين:
الملاحظة الأولى:
أحدث القانون الأول مهنة العون القضائي، بينما القانون الثاني بدل اسم المفوض القضائي بالعون القضائي (2) ، ووصفه بأنه مساعد للقضاء، وبذلك ارتقى بهذه المهنة إلى درجة مساعد للقضاء على غرار مهنة المحاماة (3).
الملاحظة الثانية:
حدد المشرع في القانون رقم 80-41 مهام العون القضائي في التبليغ والتنفيذ بدون أي استثناء، في حين استثنى في القانون رقم 03-81 الإفراغ وبيع الأصول التجارية والسفن والطائرات.
الملاحظة الثالثة:
نص القانون رقم 80-41 في المادة 22 منه على بقاء طرق التبليغ والتنفيذ المنصوص عليها في قانون المسطرة المدنية، وإلى أجل تحدده الإدارة، ورغم ذلك فإن هذه الاخيرة لم تحدد أي أجل لحد يومه، ولم يصدر أي نص قانوني يلغي أحكام المسطرة المدنية المتعلقة بالتبليغ والتنفيذ، وهذا ما يؤكد ويدعم مبدأ تنوع طرق التنفيذ، بين كتابة الضبط وبين المفوضين القضائيين، باختيار طالب التنفيذ كما سنوضح لاحقا.
الملاحظة الرابعة:
نص القانون رقم 03-81 على أن أجور المفوض القضائي تعد جزءا من الرسوم القضائية، وهو أمر لم يكن منصوصا عليه في القانون رقم 80-41.
الملاحظة الخامسة:
ورد في المادة 17 من القانون رقم 80-41 على أن أجور الأعوان القضائيين تحدد بمرسوم، في حين أن المادة 28 من القانون 03-81 تنص على أن الأجور تحدد بنص تنظيمي، وبذلك يكون القانون الأول قد أحاط الأجور بحماية أقوى من الحماية التي يوفرها القانون الثاني.
2) المقارنة بين المرسومين:
الملاحظة الأولى:
نصت المادة 12 من المرسوم المؤرخ في 1986.12.24 على أن العون القضائي يستحق تعويضا عن التنقل إذا كان المكان الذي ينجز فيه الإجراء يبعد عن مقر المحكمة الابتدائية بأكثر من 5 كلم، أما المرسوم المؤرخ في 2008.10.28 فلم ترد فيه أية إشارة إلى التعويض عن التنقل، إذ ينص فقط في المادة 14 منه على تفويض الوزيرين لتحديد أجور المفوضين القضائيين، لكن القرار الذي نحن بصدد تدارسه فإنه قد حدد سلم الأجور، وكذا التعويض عن التنقل.
إحداث التزام مخالف للقانون:
وهذا إحداث التزام جديد غير منصوص عليه لا في القانون رقم 03-81، ولا في المرسوم التطبيقي، ولا يجوز للقرار أن يحدث ما ليس منصوصا عليه في المرسوم.
ولا بأس هنا من التذكير بالفصل 6 من دستور 2011 الذي ينص على أن تراتبية القوانين مبدأ ملزم.
ومن المعلوم أن المرسوم يتخذ في المجلس الحكومي، والقرار يتخذه وزير أو أكثر، ولا يناقش في المجلس الحكومي.
الملاحظة الثانية:
جاء القانون رقم 03-81 بمقتضيات تتعلق بهيكلة مهنة المفوض القضائي، وبتنظيمها تنظيما مركزيا، وجهويا، ونستطيع معه القول بأنه أكثر دقة ووضوحا وتطورا من القوانين المنظمة لغيرها من المهن القضائية.
هذا هو مجمل السياق التاريخي للقانون المنظم لمهنة المفوض القضائي، والتطور الذي عرفته نصوصه التطبيقية والتنظيمية.
الشد والجذب:
قبل الانتقال إلى الحديث عن إشكال "الاختيارية" وعن سلم الأجور والتعويض الكلومتري، ينبغي التنبيه على أن حركة الشد والجذب التي طبعت العلاقة بين المفوضين القضائيين، وبين الحكومة، مردها إلى كون أجور هؤلاء ومستحقاتهم مستثناة من قانون حرية الأسعار والمنافسة، وتخضع للتحديد من قبل الإدارة، وهذا هو سبب الشد والجذب.
إن المنتوجات والخدمات المستثناة من حرية الأسعار والمنافسة تحدد الحكومة قائمتها من وقت لآخر، طبقا لما كان منصوصا عليه في المادة 83 من القانون رقم 06.99 الملغى، وفي المادتين 2 و63 من القانون رقم 12-104 المعمول به حاليا، وكذا في المادة 31 من المرسوم التطبيقي المتعلق به والمؤرخ في 2014.12.01 (4).
بعد هذا التنبيه ننتقل إلى الحديث عن الإشكال الكبير الذي هو محل جدل ونقاش منذ صدور القانون رقم 80-41 وإلى الآن، والذي جاء القرار الوزيري المؤرخ في 2014.11.26 ليزيده حدة واشتعالا، علما أنني أشرت في مدخل هذا البحث إلى مظاهر الخلل الفني الذي شاب القرار الوزيري وإحداثه "القرار" التزاما غير منصوص عليه في المرسوم التطبيقي، وهو الالتزام المتعلق بالتعويض الكلومتري، وهذه الأسباب قد تصلح أساسا للطعن في القرار أمام الجهة القضائية المختصة (5).
المحور الثالث: مبدأ الاختيارية:
إن مبدأ الاختيارية له مؤيدات لغوية وأصولية وقانونية.
من حيث المؤيد الأصولي:
من المبادئ الأصولية أن الحكم يبقى على أصله، ويظل ساريا بطريق الاستصحاب إلى أن يرفع بحكم آخر، وبما أن الأصل هو أن أعوان كتابة الضبط هم المكلفون بالتبليغ طبقا لما ينص عليه الفصل37 من قانون المسطرة المدنية، قبل تتميمه بالقانون رقم 11-33 الذي أضاف عبارة "أو أحد الأعوان القضائيين"، علما أن هذه الإضافة لم ترفع الحكم الأصلي، ولم تنسخه لا صراحة ولا ضمنا، وبذلك يبقى الحكم على أصله، أي بقاء الاختيار لطالب التبليغ في أن يطلب الانجاز إما على يد مفوض قضائي، أو على يد أعوان كتابة الضبط، وهذا المؤيد له وجهان قانوني وأصولي.
حول المؤيد اللغوي:
إن المشرع استعمل حرف العطف "أو" الذي من معانيه الاختيار، كما يؤكد ذلك قوله تعالى: "فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم، أو تحرير رقبة"(6).
وقوله تعالى: "فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك"(7).
حول المؤيد القانوني:
إن المادة 22 من القانون رقم 80-41 كانت تنص على ما يلي:
"خلافا لمقتضيات المادة 2 من هذا القانون، وإلى أجل تحدده الإدارة، تبقى إلى جانب الأعوان القضائيين طرق الاستدعاء والتبليغ والتنفيذ المنصوص عليها في قانون المسطرة المدنية وقانون المسطرة الجنائية سارية المفعول".
وإلى غاية تاريخ اليوم فإن الإدارة لم تحدد أي أجل، ولم تلغ صراحة المقتضيات الخاصة بالتبليغ والتنفيذ، وقد يقال بأن القانون رقم 80-41 ألغاه القانون رقم 03-81، وهذا الأخير لا يتضمن أي مقتضى يتعلق بالأجل المذكور في المادة 22، وإذا كان القانون الأخير نسخ القانون الأول فإن النسخ يتعلق فقط باللفظ، ولا يتعلق بالحكم، وهو مبدأ أصولي آخر مقرر في باب الناسخ والمنسوخ، ومعروف ومعمول به لدى الفقهاء وعلماء الأصول.
مؤيدات قانونية أخر:
كما أن هناك مؤيدات قانونية أخرى تدعم مبدأ الاختيارية إضافة إلى المؤيدات الأصولية واللغوية، ونذكر منها:
نص الفصل 21 من قانون 10-42 المتعلق بقضاء القرب على أنه:
"تكلف السلطة الإدارية المحلية بتبليغ وتنفيذ أحكام أقسام قضاء القرب غير أنه يمكن بطلب من المستفيد، تكليف المفوضين القضائيين بتبليغ وتنفيذ أحكام أقسام قضاء القرب".
- ما ينص عليه الفصل 50 من قانون المسطرة المدنية إذا تعلق الأمر بالتبليغ في الجلسة.
منع غير قانوني:
من المفيد التذكير بأن الاختيارية لا تعني بالضرورة اختيار أعوان المحكمة وتفضيلهم على المفوضين القضائيين، بل تفيد أن المتقاضي له الحق في إسناد المهمة إما إلى عون كتابة الضبط، أو مفوض قضائي، حيث سبق لي شخصيا أن حاولت كسر منع المفوضين القضائيين من تنفيذ الأحكام الصادرة في مادة التعويض عن حوادث السير، وذلك من خلال تنفيذ حكم من هذا القبيل عبر تسليم الملف إلى "عون قضائي"، لكن رئيس كتابة الضبط رفض، الشيء الذي اعتبرت معه الرفض قرارا إداريا، وتقدمت إلى المحكمة الإدارية بالدار البيضاء بطلب إلغائه، غير أن هذه الأخيرة أصدرت حكما قضى شكلا بقبول الدعوى وموضوعا برفضها، وهو الحكم الذي اعتبره رؤساء كتابة الضبط مكسبا لهم فيما قضى به من قبول الطلب لما يتضمنه من اعتبارهم مؤسسة لها شخصية اعتبارية قائمة بذاتها.
ولابد مرة أخرى من التنبيه على أن المنع المضروب على هذه القضايا غير قانوني، وغير معقول، ويجب رفعه.
الأجور والتعويض عن التنقل:
حول سلم الأجور:
بغض النظر عن المآخذ التي أثرتها حول بطلان القرار بسبب ارتكازه على نصوص تم إلغاؤها، فإن سلم الأجور الذي حدده الوزيران يتسم بالغلو في بعض جوانبه، والحال أن الأجور يجب أن يطبعها الاعتدال وأن تراعي فيها أحوال المجتمع، وألا يترتب عليها اختلال كبير بين حقوق وواجبات طرفي العقد، طبقا لما تنص عليه المادة 15 من القانون رقم 08-31 المتعلق بحماية المستهلك.
حول التعويض عن التنقل:
سبقت الإشارة إلى أن الخلل الجوهري الذي يشوب القرار فيما أحدثه من التزام قانوني بالتعويض عن التنقل، وهو التزام غير مؤسس لا من حيث المبدأ، ولا من جانب المسافة، ولا من زاوية السعر.
إلزام غير مؤسس من حيث المبدأ:
إن المرسوم التطبيقي المؤرخ في 2008.10.28 لا يتضمن أي مقتضى بخصوص التعويض الكلومتري، وينص فقط على تفويض الوزيرين لتحديد تعرفة الأجور، ورغم ذلك فإن القرار المشترك فرض لهم تعويضا عن التنقل قدره 3 دراهم/كلم، وبذلك يكون هذا القرار قد أحدث التزاما غير منصوص عليه لا في القانون رقم 03-81، ولا في المرسوم المتخذ لتطبيقه، الشيء الذي يمنعه الفصل 6 من الدستور، كما سلفت الإشارة إلى ذلك في معرض المقارنة بين المرسومين، وهو مبدأ الترابية.
إلزام غير مؤسس من حيث المسافة:
بغض النظر عن العيب المبدئي فإن القرار لم يحدد المسافة التي يبتدئ منها حساب التعويض، الشيء الذي يتعارض مع المعيار العام المعمول به في موضوع التعويض عن التنقل.
وكما سلفت الإشارة فإن النصوص السابقة كانت قد فرضت التعويض عن التنقل، إذا كان المكان يبعد بأكثر من 5 كلم عن مقر المحكمة الابتدائية، إلا أن القرار أغفل هذا العنصر الهام، وترك الباب مفتوحا أمام التأويلات والاجتهادات.
ولا بأس هنا من الاستئناس بما هو معمول به في إطار الوظيفة العمومية، إذ أنه في حالة تنقل الموظف في إطار مهامه الوظيفية، فإن الأمر لا يخلو من أحد الاحتمالين:
- إما أن الموظف يستعمل وسيلة نقل عمومي، أووسيلة نقل خاصة به، حيث إنه في الحالة الأولى فإن التعويض يكون برد ثمن تذكرة استعمال وسيلة النقل العمومي، لكن هذه الوسائل العمومية بالنسبة للدار البيضاء لا تغطي جميع الأحياء والمناطق، مما يستبعد معه هذا الاحتمال.
وفيما يخص الحالة الثانية فإن المقتضى المعمول به حاليا هو المرسوم المؤرخ في 1998.02.02، الذي تنص المادة الأولى منه على أن الموظفين والمستخدمين العاملين مع الدولة والجماعات المحلية، يجوز لهم أن يستعملوا سياراتهم الشخصية، وبترخيص من رئيس الإدارة قصد التنقل لحاجات المصلحة خارج المكان المعينين للعمل به، ويتقاضون لهذه الغاية تعويضا كيلومتريا، حيث تتضمن المادة الثالثة من هذا المرسوم تعرفة التعويض المحددة حسب القوة الجبائية للسيارة، كالتالي:
1) 1,20 درهم/كلم إذا كانت القوة الجبائية 6 أحصنة فأقل.
2) 1,75 درهم/ كلم إذا كانت القوة الجبائية 9 أحصنة فأقل.
3) 2,30 درهم /كلم إذا كانت القوة الجبائية 10 أحصنة فأكثر.
وأهم ما يستفاد من هذا المرسوم أن التعويض الكلومتري لا يستحق إلا في حالة التنقل خارج المكان الذي يعمل فيه الموظف، لأن المقصود بالمكان هو خارج المدار الحضري للمدينة التي يباشر فيها الموظف وظيفته.
ولتجنب الإجحاف بحقوق المفوض القضائي لابد من مراعاة المدن الكبرى، مثل الدار البيضاء، التي تترامى أطرافها، وتمتد أحيانا إلى بضع كيلومترات.
القرار الوزاري أغفل مسألتين:
بخصوص سعر التعويض عن كل كيلومتر، المحدد في مبلغ 3 دراهم فأعتقد أنه سعر مناسب، بالنظر إلى السعر المرجعي المعمول به في الإدارات العمومية، علما أن القرار الذي نحن بصدد مدارسته أغفل تحديد المسافة، كما سلفت الإشارة إلى ذلك، كما أغفل تعيين الجهة التي لها صلاحية الدراسة التقنية للمسافات، مما ترك الحبل على الغارب، وجعل المجالس الجهوية للمفوضين القضائيين تنفرد بذلك، ودون الارتكاز على أية معايير تقنية أو موضوعية كما سيأتي بيانه عند الحديث عن الجدول المؤرخ في 2014.12.31.
معايير للاستئناس:
لا بأس هنا من الإشارة إلى أن نظام المفوضين القضائيين اقتبسناه من فرنسا، مما ينبغي معه الاستئناس بالمبادئ العامة المحددة للتعويض عن التنقل عند الفرنسيين، إذ أنه من المعايير المعمول بها عندهم:
- تعرفة النقل السككي "Taxe kilométrique ferroviaire" وفي الدرجة الأولى، طبقا لما ينص عليه قرار وزير العدل المؤرخ في 2004.8.4، اعتمادا على السعر الذي يحدده المكتب الوطني الفرنسي للسكك الحديدية.
- التعويض الكلومتري لا يحسب ولا يستحق إلا إذا كان المكان الذي ينجز فيه الإجراء، يوجد على بعد أكثر من كلومترين من حدود الجماعة التي يوجد فيها مكتب المفوض القضائي، مع تحديد المسافة القصوى في 25 كلم.
- التعويض الكلومتري لا يستحق إلا عن تنقلين في اليوم الواحد إلى جماعة واحدة، مع استثناء مدينتي باريس وليون بتحديد الحد الأدنى للمسافة في كلومتر ونصف، والحد الأقصى في 6 كلومترات.
- التبليغ من محام إلى محام لا يحسب عنه التعويض الكلومتري كما تنص على ذلك المادة 18 من المرسوم المؤرخ في 1996.12.12.
وهذه إجمالا بعض الشوائب التي تعتري القرار فيما يخص التعويض الكلومتري.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.