تحل يوم السبت 16 غشت 2014 الذكرى 61 لانتفاضة 16 غشت 1953 بوجدة، وانتفاضة 17 غشت 1953 بتافوغالت، وهما الحدثان التاريخيان اللذان يجسدان تعبئة الحركة الوطنية وعزمها على التصدي لسلطات الحماية، تنديدا بما كانت تخطط له من مؤامرة نكراء لنفي أب الأمة وبطل التحرير والاستقلال والمقاوم الأول جلالة المغفور له محمد الخامس قدس الله روحه. واحتفاء بهذين الحدثين التاريخيين المجيدين، واعتزازا برمزيتهما وحمولتهما النضالية والقيمية والأخلاقية الوازنة والمتميزة، تنظم المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير مهرجانا خطابيا شعبيا اليوم السبت 16 غشت 2014 على الساعة العاشرة صباحا بمركز الدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية لمدينة وجدة، ومهرجانا مماثلا بمدينة بركان على الساعة الرابعة عصرا بالقاعة الكبرى لعمالة الإقليم، تلقى خلالهما كلمات وشهادات تستحضر الأبعاد التاريخية والدلالات الرمزية لهاتين الانتفاضتين المباركتين، ومكانتهما العلية في سجل ملحمة ثورة الملك والشعب المباركة. ويتضمن برنامج إحياء هذه الذكرى مراسم تكريم صفوة من أعضاء المقاومة وجيش التحرير، عربون وفاء وبرور وعرفان بأعمالهم الجليلة ومقاصدهم النبيلة وتضحياتهم الجسام من أجل الحرية والاستقلال، بالإضافة إلى توزيع إعانات مالية ومساعدات اجتماعية وإسعافات على عدد من أفراد أسرة المقاومة وجيش التحرير وأرامل المتوفين منهم، وكذا إمدادات مالية لدعم منشآت اقتصادية بادر إلى إحداثها أبناء قدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير في مجال التشغيل الذاتي. كما ستتم بمناسبة تخليد هاتين المحطتين التاريخيتين إزاحة الستار عن لوحات رخامية تتعلق بإطلاق أسماء بعض رموز وأعلام الحركة الوطنية والمقاومة وجيش التحرير على بعض الشوارع بمدينة وجدة، وتدشين معلمة تذكارية بمدينة بركان. انتفاضة 16 غشت بوجدة وانتفاضة 17 غشت 1953 بتافوغالت: محطة لاستحضار مواقف المواطنة الإيجابية ومسيرة البناء في غمرة أجواء إحياء الذكرى 61 لملحمة ثورة الملك والشعب المباركة، يخلد الشعب المغربي ومعه أسرة الحركة الوطنية والمقاومة وجيش التحرير اليوم السبت 16 غشت 2014 الذكرى 61 لانتفاضة 16 غشت 1953 بوجدة، والذكرى 61 لانتفاضة 17 غشت 1953 بتاغوفالت بإقليم بركان. هما ملحمتان وضاءتان في مسيرة الكفاح الوطني من أجل الحرية والاستقلال، وحدثان بارزان سيظلان موشومين في سجل الذاكرة المغربية، يؤكدان الدور الريادي والفريد الذي اضطلع به بطل التحرير والاستقلال والمقاوم الأول جلالة المغفور له محمد الخامس رضوان الله عليه الذي رفض الخضوع لإرادة الإقامة العامة الفرنسية الهادفة إلى النيل من السيادة الوطنية وتأبيد الوجود الاستعماري في بلادنا. إن انتفاضة 16 غشت 1953 التي قادتها ثلة من الوطنيين من أبناء المنطقة الشرقية الذين كانوا من السباقين إلى تأسيس الحركة الوطنية، مكنت هذه الربوع المجاهدة من الدخول إلى التاريخ من بابه الواسع بالنظر لما قدمه أبناؤها من تضحيات جسام. فكانت بحق قلعة من قلاع المغرب الصامدة في وجه قوات الاحتلال الأجنبي التي كانت تهدف إلى إحكام سيطرتها على البلاد منذ القدم. ولقد تصدى المغرب وهذه المنطقة الشرقية لحملة العثمانيين الهادفة إلى غزو المغرب، وتمكن رجالها الأبطال والأشاوس من دحرهم وردهم على أعقابهم. لقد كانت مدينة وجدة في صلب الصراع القائم بين الغاصبين لحرية الوطن وبين المكافحين من أجل استرداد حريته وانعتاقه، وفي طليعتهم بطل التحرير ورمز المقاومة جلالة المغفور له محمد الخامس ووارث سره ورفيقه في الكفاح والمنفى جلالة المغفور له الحسن الثاني قدس الله روحيهما. ومما لاشك فيه أن الملابسات التاريخية التي أفرزت انطلاق انتفاضة 16 غشت 1953 بوجدة، والأسباب المباشرة المؤدية إلى اندلاعها تكمن بالأساس في اشتداد الأزمة بين القصر الملكي وسلطات الإقامة العامة والحماية، حيث اشتد الخناق والتضييق على جلالة المغفور له محمد الخامس لإرغامه على الابتعاد عن الحركة الوطنية والكف عن التواصل والتفاعل معها بل والتنكر لها وإدانتها.غير أن الموقف الجريء والحاسم الذي عبر عنه بطل التحرير رضوان الله عليه سيؤدي بسلطات الاحتلال إلى التفكير في نفيه ونفي ولي عهده آنذاك جلالة المغفور له الحسن الثاني وسائر أفراد الأسرة الملكية الشريفة. لقد بادرت الحركة الوطنية والمقاومة بوجدة إلى التحضير الدقيق والمحكم واللازم لإنجاح هذه الانتفاضة المباركة حيث تم استثمار يوم 16 غشت 1953، باعتباره يناسب يوم الأحد للقيام بعدة عمليات فدائية، نذكر منها مناوشة الجيش الاستعماري بسيدي يحيى وتخريب قضبان السكة الحديدية وإحراق العربات والقاطرات وإشعال النار في مخزون الوقود وتحطيم أجهزة محطة توليد الكهرباء ومداهمة الجنود في مراكزهم، ولا سيما بمركز القيادة العسكرية بسيدي زيان للاستيلاء على ما يوجد بها من عتاد حربي.كما شهدت مختلف مراكز المدينة مظاهرات انطلقت على الساعة السادسة مساء، وهي المظاهرات التي واجهتها قوات الاحتلال بوابل من الرصاص، قدر بنحو 20.000 رصاصة سقط خلالها الكثير من الشهداء وجرح العديد من المواطنين. وفي ليلة 18 غشت 1953 مات مختنقا في إحدى زنازن الشرطة 14 وطنيا بسبب الاكتظاظ الذي نجم عن اعتقال المئات من الوطنيين. وامتدادا لهذه الانتفاضة، شهدت المناطق المجاورة لوجدة انتفاضات عديدة، حيث عرفت مدينة بركان وتافوغالت مظاهرات حاشدة وتم اعتقال العديد من المتظاهرين من بني يزناسن ونقلهم إلى السجن الفلاحي العاذر بالجديدة. لم تكن انتفاضة 16 غشت 1953 انتفاضة عفوية وتلقائية بل كانت منظمة ومؤطرة، انتفاضة شاركت في صنعها جميع شرائح المجتمع الوجدي من عمال وفلاحين وتجار وصناع وموظفين وشملت مختلف الأعمار وكلي الجنسين بحيث تسلح الجميع بالإيمان وبعدالة القضية الوطنية مزودين بالسلاح الأبيض وهم يرددون عبارات: "الله أكبر"، "الله أكبر"، فكانت هذه الانتفاضة عارمة لم تكد تتسع لها كل أرجاء مدينة وجدة المجاهدة. ولن نجد تعليقا شافيا وضافيا لهذه الانتفاضة المباركة ولا تحليلا عميقا لها ولا فهما يسبر أغوارها أحسن وأبلغ من الذي خص به الملك الراحل الحسن الثاني رحمه الله انتفاضة ثورة 16 غشت بوجدة حيث قال قدس الله روحه: "... وكانت وجدة في آخر المطاف يوم 16 غشت 1953 أول مدينة أعطت انطلاقة ثورة الملك والشعب، ذلك الشعب المغربي بكامله الذي كان يحس بان المأساة قد اقتربت، وان الصراع قد وصل إلى أقصاه، وان المسالة سوف تنتهي، ولا بد أن تنتهي إما بنفي الملك أو بتراجع فرنسا...". إن انتفاضة 16 غشت 1953 بوجدة وماتلاها من أحداث بركان وبني يزناسن والمناطق المجاورة، أبانت عن مدى التلاحم والترابط القائم بين القمة والقاعدة والذي تجلى في موقف جلالة المغفور له الحسن الثاني رضوان الله عليه وهو ولي للعهد آنذاك الذي كان ملهما لهذه الانتفاضة المباركة وعقلا مدبرا روحيا لها مما حدا بسلطات الاحتلال إلى محاكمة جلالته غيابيا. وفي هذا الصدد، يقول رحمة الله عليه: "... وصار ما صار، وأراد الله أن يكون اسمي شخصيا مقرونا بتلك الأحداث التي جرت في وجدة الشيء الذي جعلني أحال غيابيا على المحكمة العسكرية ونحن في المنفى...". لقد شكلت انتفاضة 16 غشت 1953 بوجدة منعطفا بارزا في مسار الكفاح الوطني من أجل الحرية والاستقلال وميزت الأدوار الطلائعية للجهة الشرقية في ملحمة الحرية والاستقلال بما قدمه أبناؤها من تضحيات جسام وبدماء شهدائها الأبرار التي سقت شجرة الحرية وافتدت العرش والوطن. وإن أسرة الحركة الوطنية والمقاومة وجيش التحرير وهي تخلد ذكرى انتفاضة 16 غشت 1953 بوجدة، وذكرى انتفاضة 17 غشت 1953 بتافوغالت، لتتوخى إبراز فصول وأطوار تاريخ الكفاح الوطني الحافل بالبطولات والأمجاد والمكرمات والمبرات والتعريف برصيد الذاكرة التاريخية الوطنية والائتمان عليها لتنوير الناشئة والأجيال الجديدة بما تزخر به من قيم ومعاني ودلالات تشهد على عظمة تاريخ الكفاح الوطني من أجل الحرية والاستقلال وتحقيق الوحدة الترابية من طنجة إلى الكويرة.