بعدما أصدرت استئنافية الرباط يوم فاتح غشت الجاري قرارها بخصوص قضية محضر 20 يوليوز ، وهو القرار الذي اعتبره المتضررون المحضريون كما جل المتتبعين قرارا مفاجئا و صادما ، بدأت تطفو بشكل متواتر على سطح مواقع التواصل الاجتماعي وعلى مواقع الكثير من المنابر الإعلامية المكتوبة والمرئية مقالات وتعليقات تستنكر في مجملها ذلك الحكم الذي وصفته العديد من الأوساط بأنه حكم سياسي بلباس قضائي، بينما اعتبرت أطراف أخرى تعليقا على ذلك الحكم أن ملف المعطلين المحضريين ليس من اختصاص القضاء ، وإنما هو ملف اجتماعي محض كان نتاج مبادرة ملكية سامية توجت بتوقيع ممثلي حكومة عباس الفاسي لالتزام مع ممثلي الدفعة الثانية من الأطر العليا المعطلة قصد إدماجهم بشكل مباشر في الوظيفة العمومية على غرار الدفعة الأولى . وترى تلك الأطراف أن توجيه السيد بنكيران معطلي المحضر نحو القضاء كان بهدف تعويم هذه القضية وإطالة أمدها حتى انتهاء ولايته . ويبدو أن ضحايا محضر 20 يوليوز قد وقعوا بحسب تلك الأطراف في فخ إحالة ملفهم إلى القضاء . الآن انكشفت فيما يبدو بعض الخيوط ، وانجلت فيما يرجح بواعث إصرار السيد بنكيران على طي ملف معطلي المحضر عبر القناة القضائية . فباستحضار مسيرة الحراك النضالي السلمي الذي كان المعطلون المحضريون قد دأبوا على تنظيمه كل أسبوع قبالة البرلمان ، نجد أن ذلك الحراك قد شكل نظرا لمشروعية مطلبه إحراجا كبيرا لحكومة بنكيران سواء أمام الرأي العام أو أمام أحزاب المعارضة و الفاعلين الحقوقيين لاسيما إذا وضعنا في عين الاعتبار أن ذوي محضر 20 يوليوز كانوا يطالبون بتنفيذ الحكومة لالتزام الدولة المغربية حفاظا على هيبتها واحتراما لاستمرارية المرفق العام . ولعل ما كان معطلو محضر 20 يوليوز يتعرضون له من تعنيف خلال حراكهم السلمي في شوارع الرباط من قبل قوات الأمن وما صاحب ذلك التعنيف من حملات الاستنكار من طرف الهيئات الحقوقية ومؤسسات المجتمع المدني ، كل ذلك قد ساهم إلى حد كبير في ارتفاع منسوب إحراج حكومة بنكيران التي آثرت صم أذنيها وإغلاق باب الحوار في وجه الأطر العليا المعطلة في ظل افتقارها لأية استراتيجية واضحة المعالم في مجال التشغيل . ولأن السيد بنكيران كان يؤمن في قرارة نفسه بمشروعية مطلب معطلي محضر 20 يوليوز كما كان يدرك حجم تفاقم حراكهم النضالي السلمي وتعاطف الرأي العام و أحزاب المعارضة معهم، فقد تفتق ذهنه فيما يبدو عن فكرة وجد فيها المسلك المناسب للتملص من تنفيذ مقتضيات محضر 20 يوليوز في عهد حكومته وترحيله إلى رئيس الحكومة المقبل حتى لا يحسب عن حكومته أنها قامت بالتوظيف المباشر للأطر العليا المعطلة. ولعل المسلك الذي ارتضاه السيد بنكيران في هذا المجال هو مطالبته المعنيين بمنطوق المحضر المعلوم بالإتيان بحكم قضائي نهائي من المحكمة الإدارية يقر بقانونيته . ولا شك أن السيد بنكيران كان يدرك تمام الإدراك أن المسطرة القضائية المتعلقة بهذا الملف قد تستغرق فترة زمنية طويلة لاسيما إن وضعنا في الحسبان أن السيد الرميد الذي ينتمي إلى نفس حزبه ويشاطره نفس التوجه المناهض للتوظيف المباشر هو الوصي على قطاع العدالة . وواضح أن ما كان يتطلع إليه السيد بنكيران وتصبو إليه نفسه قد تحقق ، ذلك أن مجموعة من معطلي محضر 20 يوليوز التي آمنت بعدالة قضيتها بقدر ما آمنت باستقلالية القضاء لجأت استجابة لمطلبه إلى المحكمة الإدارية بالرباط لرفع دعوى قضائية ، بينما توجست شريحة واسعة من معطلي المحضر من اللجوء إلى القضاء بسبب تشكيكها في نوايا السيد بنكيران الذي سبق وأن وعدها ثم نقض عهده معها عقب توليه تدبير الشأن العام ، لتواصل هذه الشريحة بعد ذلك تفعيل حراكها السلمي الأسبوعي بشوارع الرباط إلى أن أصدرت المحكمة الإدارية بالعاصمة يوم 23 ماي 2013 حكما ابتدائيا قضى بقانونية محضر 20 يوليوز كما ألزم الدولة في شخص رئيس الحكومة بتسوية الوضعية المالية والإدارية لذوي المحضر . ويبدو أن ذلك الحكم قد نزل بردا وسلاما على معطلي المحضر جميعا باعتباره يقر بقانونية محضرهم ويلزم الدولة في شخص رئيس الحكومة بإحقاق حقهم ، فكان أن تداعى بعد ذلك جل من تبقى من معطلي المحضر نحو المحامين قصد انتدابهم لرفع دعوى قضائية مماثلة لتصدر المحكمة الإدارية بعد ذلك وعلى مدى سنة ويزيد ما يقارب 1800 حكما ابتدائيا لصالح المحضريين . وكما توقع هؤلاء ، فقد نقض السيد بنكيران عهده معهم مرة أخرى بالرغم من علمه أن نقض العهد محرم شرعا . وبذلك لم ينفذ منطوق المحضر الذي أقرت المحكمة الإدارية بقانونيته ،بل إنه لجأ إلى استئناف الحكم من أجل إطالة أمد قضية المحضريين ، لكنه في المقابل لم يفوت الفرصة من خلال بعض لقاءاته وخرجاته الإعلامية دون أن يدلي بتصريح يذم فيه التوظيف المباشر ، وهو ما اعتبره المتتبعون توجيها واضحا للقضاء ومحاولة مكشوفة للتأثير على سير العدالة . وعلى نفس المنوال سار السيد مصطفى الرميد وزير العدل والحريات الذي قال في ذم التوظيف المباشر عقب صدور الحكم الإبتدائي لصالح المحضريين ما لم يقله مالك في الخمر، إذ جرم السيد الوزير في هذا الإطار ذلك الصنف من التوظيف وألصق به صفة الفساد . ولأن صدور ذلك الحكم قد أ ساهم إلى حد كبير في إفراغ شوارع الرباط من معطلي محضر 20 يوليوز ، وهو الأمر الذي أثلج صدر السيد بنكيران الذي شرع بعد ذلك في التباهي بانحسار حدة احتجاجات المعطلين في عهد حكومته ، فإن المحضريين قد اضطروا بعد ذلك للبقاء في بيوتهم ومتابعة مسار قضيتهم عبر محاميهم ، لتستمر أجواء انتظارهم وترقبهم لما يقارب سنة ونصفا ، حيث وعلى عكس توقعاتهم ، أصدرت استئنافية الرباط قرارا اعتبروه مجحفا في حق قضيتهم العادلة بالرغم من أنه لم يطعن في قانونية المحضر وإنما قضى برفض دعوى المشمولين به شكلا ، ليعود ملف هؤلاء إلى نقطة البداية ،وهو ما اعتبره جل المتتبعين انتصارا للسيد بنكيران وللسيد الرميد الوصي على قطاع القضاء . وكما كان متوقعا فقد انبرى العديد من المهتمين لتحليل حيثيات ودوافع ذلك الحكم الذي وصف بالجائر ، فتناسلت في هذا الخضم العديد من التساؤلات كان من أهمها تلك التي لامست أسباب المنعطف المفاجئ الذي سلكته قضية محضر 20 يوليوز على مستوى الجولة القضائية الإستئنافية.حيث لم تخف العديد من الأوساط استغرابها من المدة الطويلة التي عمر فيها ملف المحضريين في ردهات استئنافية الرباط قبل أن تصدر هذه الأخيرة قرارا يقضي برفض الدعوى شكلا . ورأى العديد من المراقبين أن قرار ذلك الرفض كان من المفترض أن يصدر بعد مدة معقولة وليس بعد سنة ونصف . وعموما ، فإن إطالة أمد قضية المحضريين قد صبت لصالح كل من السيد رئيس الحكومة و والسيد وزير العدل والحريات لاسيما إن وضعنا في عين الاعتبار أن تلك القضية ستنتقل فيما بعد إلى ردهات محكمة النقض لتعمر داخل ردهاتها لمدة قد توازي أو تفوق المدة التي قضتها داخل رفوف استئنافية الرباط . وهو ما يعني أن هذا الملف قد لا يشق طريقه نحو الحل في عهد بنكيران خصوصا وأن هذا الأخير كان قد أعرب عن عزمه حسب ما أوردت بعض المصادر على تقديم استقالته من رئاسة الحكومة في حال توظيف معطلي محضر 20 يوليوز . ولا نبالغ إن زعمنا أن قضية محضر 20 يوليوز قد شكلت وما تزال رهانا شخصيا وسياسيا للسيد رئيس الحكومة الذي يبدو أنه ليس على استعداد لإحقاق حق معطلي محضر 20 يوليوز في عهد الحكومة الحالية مهما كلفه الثمن . وفي هذا الإطار ينبغي استحضار معطى أساسي متعلق بتبعات الحكم الابتدائي الذي أصدره السيد القاضي محمد الهيني لصالح معطلي محضر 20 يوليوز ، وهو الحكم الذي خالف بالطبع التوجه الحكومي المناهض للتوظيف المباشر . فغير خاف ، أن القاضي السيد محمد الهيني المعروف بنزاهته واستقامته قد تعرض للمتابعة من لدن المجلس الأعلى للقضاء على خلفية تدوينه لخاطرة على صفحته بالفايسبوك قيل أنها مست بشخص مدير الشؤون المدنية بوزارة العدل ، لكن ، العديد من المصادر أكدت أن سبب تلك المتابعة يعود في حقيقة الأمر إلى الحكم الإبتدائي الذي كان القاضي الهيني قد أصدره لصالح معطلي محضر 20 يوليوز ، وهو بالطبع حكم لم يتماش وهوى توجه السيد وزير العدل والحريات . ولعل هذا ما أكده السيد الهيني في معرض تقديم استقالته من سلك القضاء احتجاجا على العقوبات الجائرة التي طالته جراء تلك المتابعة التأديبية التي رأى فيها انتقاما منه من لدن السيد وزير العدل بسبب الحكم الذي أصدره لصالح ضحايا محضر 20 يوليوز . نخلص إذن انطلاقا مما سلف ذكره إلى أن معطلي محضر 20 يوليوز قد تعرضوا لعملية حيف وظلم ممنهجة في عهد حكومة بنكيران التي كان من المفروض عليها أن تنفذ مضمون التزام الدولة المغربية بلا مناورة ولا التفاف احتراما لسير المرفق العام بدل إحالة ذلك الإلتزام على القضاء من أجل الرهان على عامل الزمن أملا في التنصل من تنفيذه على الأقل في عهد ولايتها، ليبقى الضحايا المحضريون عرضة للمعاناة التي باتوا يكابدونها في صمت بعد أن خذلهم بالدرجة الأولى أعضاء الحكومة المنتمون إلى حزب العدالة والتنمية الذين نكثوا بوعدهم معهم وأجهزوا على حقهم ظلما ثم تركوا مستقبلهم عرضة للضياع والمجهول.