شكل موضوع " الروافد الفكرية والثقافية للحركة الوطنية " محور الندوة الفكرية الذي نظمها حزب الاستقلال يوم الخميس 27 فبراير 2014 بالرباط ، وذلك في إطار الذكرى الثمانين لتأسيس كتلة العمل الوطني . وقد تدخل في هذا اللقاء الذي ترأسه الأخ محمد السوسي عضو اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال ، كل من المستشار الدكتور عباس الجراري في موضوع " بين النهوض الثقافي وظهور الحركة الوطنية "، والأستاذ السفير محمد العربي المساري في موضوع " الحركة الوطنية رد على التحدي الحضاري الذي مثله الاستعمار " ، والدكتور مصطفى القباج في موضوع " الحدود غير المرسومة بين العمل السياسي والعمل الفكري في مشروع علال الفاسي ، والدكتورة كنزة الغالي في موضوع " جامع القروييين وبناء المشروع الوطني : محمد بالعربي العلوي وأبوشعيب الدكالي نموذجا". تدخل الدكتورة كنزة الغالي: الحاجة إلى صحوة جديدة لمواجهة الانبطاح للأجانب والتصدي لمظاهر التغريب تدخلت الدكتورة كنزة الغالي خلال الندوة الفكرية التي نظمها حزب الاستقلال يوم الخميس 27 فبراير 2014 بالرباط ، وكان عنوان مداخلتها " جامع القرويين وبناء المشروع الوطني : محمد بالعربي العلوي وأبوشعيب الدكالي نموذجا "،مؤكدة أن هذا الموضوع يتمحور حول ثلاث محاور أساسية وهي جامع القرويين كمعلمة تاريخية وكمؤسسة وجدانية في ذاكرة المغاربة،ثم بناء المشروع الوطني،ثم الفاعلين في هذا المشروع مع الإشارة إلى طبيعة العلاقة المتشابكة بين المفكر الوطني والمثقف والسياسي،وبشكل عام العلاقة بين القول والفعل .. وقالت الدكتورة الغالي إنه إذا كان جمع القرويين قد أنشئ لخدمة العلوم الشرعية الإسلامية والحفاظ على التراث وتطويره،فإنه أيضا توخى تأسيس ثقافة قادرة على مواجهة الانحرافات العقدية والتطرف والدعوة للفكر الإسلامي القائم على التسامح والوسطية والاعتدال،مشيرة إلى أنه منذ مرحلة النشأة والتشييد،عمل سلاطين وملوك المغرب على أن يكون هذا الجامع فضاء للعبادة وفي نفس الوقت مرتعا للعلم والتلقين وتحصيل جميع أنواع المعارف من العلوم الدينية والعقلية والأدبية،دون إغفال الاهتمام بالقضايا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية بالبلاد،وأصبح جامع القرويين أغنى شخص معنوي في المغرب بفضل الأحباس التي وقفت لفائدته من قبل عامة الناس . وأبرزت الدكتورة كنزة الغالي أن جامع القرويين شكل أيضا ضمير المغرب الحي و مهدا للثورة على الظلم والاستبداد والتمرد على المستعمر ،حتى أن المارشال ليوطي كان يلقب القرويين بالبيت المظلم لأنه استعصى عليه اختراقه بسبب تكتل علمائه وتوحد هم حول نصرة الحق ومواجهة الظلم كيفما كان، موضحة أن هؤلاء العلماء كانوا يساهمون في تدبير الشأن العام،ويظهر ذالك من خلال دورهم في مبايعة السلاطين، وأخذ موقفهم في إبرام المعاهدات والاتفاقيات.و أكدت الأستاذة الغالي ضرورة أن تكون هناك صحوة شبيهة بتلك التي قادها رواد الحركة الوطنية من أجل مواجهة مظاهر التغريب والتصدي لجميع المحاولات الرامية إلى طمس الهوية الوطنية والانبطاح للأجانب وخاصة للمحولات المفاجئة والمرفوضة لمسؤولي قطاع التعليم.. تدخل الدكتور عباس الجراري الحماية الفرنسية كانت الصدمة التي حركت الوعي الوطني المغربي أكد مستشار جلالة الملك الدكتور عباس الجراري في تدخله بالندوة الفكرية التي نظمها حزب الاستقلال يوم الخميس 27 فبراير 2014 بالرباط،أن المغرب كان يعاني أزمة شديدة بسبب اضطرابات تمس مختلف المجالات والمؤسسات،وأن الحماية الفرنسية كانت بمثابة الصدمة التي حركت الوعي الوطني المغربي في اتجاهين،الأول تجسد في المقاومة المسلحة التي انتشرت في الجبال والريف وفي الصحراء،عبر عدة محطات منها،منها ثورة الريف،والثاني تجسد في المقاومة الفكرية،مشيرا إلى أن النضال الفكري الذي خاضه المغاربة ضد الاستعمار الفرنسي،والذي مر بعدة مراحل ومس مستويات مختلفة من الثقافة والفكر ،وانطلق هذا النضال من نقطة مهمة وهي إصلاح الذات والاعتماد على رؤية واضحة،حيث المطالبة بالإصلاحات ثم المطالبة بالاستقلال. وأكد الدكتور الجراري أن الوعي الوطني بدأ بالخطوة الأولى المتمثلة في الاعتماد على النقد الذاتي والجانب العقدي الديني حيث تدخلت السلفية في مواجهة مظاهر البدع والشعوذة المنتشرة في المجتمع ، ثم الخطوة الثانية تتعلق بالاهتمام بالتعليم العتيق والعمل على إصلاحه ، حيث اهتمت الحركة الوطنية بإصلاح الكتاتيب وإحداث المدارس الحرة ، وهمت الخطوة الثالثة مجال الصحافة التي كانت منبرا للدعوات الإصلاحية ومواجهة مخططات الاستعمار، وفي هذا السياق استعرض الدكتور عباس الجراري أهم التطورات التي عرفتها الكتابة الصحفية والمنابر التي ظهرت والكتاب الذين ساهموا في استنهاض الهمم ونشر الوعي الوطني ، والانتقال من مجال التفكير والكتابة إلى الدخول في معترك العمل السياسي. تدخل الأستاذ العربي المساري: الوطنية ليست مرحلة في حياة الأمم بل تعبير عن شخصيتها الدائمة تناول الكلمة الأستاذ العربي المساري في الندوة الفكرية التي نظمها حزب الاستقلال يوم الخميس 27 فبراير 2014 بالرباط، في موضوع " الحركة الوطنية رد على التحدي الحضاري الذي مثله الاستعمار "،حيث ركز الأستاذ المساري على الفترة الممتدة من 1930 إلى 1934،مؤكدا أن الجماعة التي تمثل الحركة الوطنية انطلقت من رؤية واضحة، ،مستشهدا بالتقرير المذهبي الذي قدمه الزعيم علال الفاسي أمام المؤتمر السادس لحزب الاستقلال المنعقد في يناير 1962 بالدارالبيضاء،والذي أكد فيه أن الوطنية ليست مرحلة في حياة الأمم بل هي تعبير عن شخصيتها الدائمة، ووصف الوطنية المغربية بأنها رد فعل ضد التحدي الحضاري الذي يمثله الغزو الاستعماري . واستعرض الأستاذ المساري مجموعة من المعطيات التي تؤكد أن الحركة الوطنية انطلقت من أرضية صلبة ومكتملة القوام ، منها الروافد الفكرية التي ارتكزت عليها ، مشيرا أن الانفجار الجماعي الذي قاده الشباب في سنة 1930 ، وهو مؤشر ظهور الجيل الجديد الذي راودته الإرهاصات الأولى للحركة الوطنية،وهو الجيل الذي فتح أصحابه أعينهم على بيئة يطبعها الوجود العسكري الأجنبي وتقسيم التراب الوطني إلى سبع مناطق تقوم بينها حواجز سياسية وإدارية واقتصادية ، وكانت معالم السيطرة الأجنبية تفرض بقوة الجيش واللغة والعملة . وقال الأستاذ المساري ،وهو يتحدث عن الوسائل المختلفة التي استعملها الاستعمار في فرض هيمنته على المغرب، إن الوطنيين كان عليهم أن يتصدوا للتحدي الاستعماري الشامل المتمثل في استعمال جميع الوسائل المتطورة التي أصبحت تتوفر عليها الحضارة الغربية في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والعسكرية.وهكذا ركزت الحركة الوطنية على الهدف الأساسي الذي يتمثل في استعادة الاستقلال المفقود وبناء دولة عصرية ، يعيش فيها المغاربة مواطنين أحرارا في وطن حر.. تدخل الدكتور مصطفى القباج: سلفية علال الفاسي تتميز بالتسامح والتفتح والعقلانية واستشراف المستقبل تدخل الدكتور مصطفى القباج خلال الندوة الفكرية التي نظمها حزب الاستقلال يوم الخميس 27 فبراير 2014 بالرباط ، وكان عنوان مداخلته " الحدود غير المرسومة بين العمل السياسي والعمل الفكري في مشروع علال الفاسي"، موضحا في البداية أن مشروع علال الفاسي هو المحصلة العامة لإنتاج فكري ضخم خلفه الزعيم والذي يعكس نشاطه الفكري وتحركه النضالي على جميع الأصعدة، وهو المشروع الذي يهدف إلى إعداد مغرب الغد الحداثي الديمقراطي في إطار التشبث بالإنسية المغربية المتميزة . وذكر الأستاذ القباج أن الأبحاث والدراسات انصبت على الاهتمام بالجوانب السياسية للزعيم علال الفاسي أكثر من الاهتمام بالجوانب الفكرية،وهو الأمر الذي يجب تداركه وتصحيحه من قبل الباحثين في الوقت الراهن،وذالك في إطار التعامل مع المشروع المتكامل الذي نظر له علال،مشيرا إلى أن هذا المشروع له راهنيته اليوم انطلاقا من مختلف القضايا التي مازالت مطروحة للنقاش . وأبرز الأستاذ القباج أن العمل الفكري والعمل العلمي، كما تصوره علال الفاسي في مشروعه الضخم،يجب أن يكون اجتماعيا، ومن هذا المنطلق كانت الحركة الوطنية تؤطرها رؤية فكرية وبرامج سياسية،والعمل الاجتماعي هو القاسم المشترك بين النشاط الفكري والنضال السياسي لرواد الحركة الوطنية،حيث يحضر التنظير والنقد وتقديم البدائل والنظرة الاستشرافية،وبشكل عام،ما يطلق عليه الفكر الشامل . وأكد الأستاذ القباج أن علال الفاسي كان من صنف المفكرين الذين يوظفون إنتاجهم الفكري ونشاطهم السياسي لخدمة قضايا المجتمع،حيث إن العمل الفكري والعمل السياسي عملان متكاملان،وليست بينهما حدود وسياجات،موضحا أن علال الفاسي بنى فكره من خلال تتلمذه على يد شيوخ السلفية في المغرب وهو الذين كانوا وراء الدعوة للإصلاح الديني والعقدي،مبرزا أن سلفية علال غير تقليدية إنها سلفية تتميز بالتسامح والتفتح والعقلانية واستشراف المستقبل ، متسائلا في ختام تدخله حول ما إذا كان حلم ومشروع علال الفاسي قد تحقق أم لا..