تعرف فرنسا حاليًا ما يمكن أن نطلق عليه (تجاذبًا لغويًا)، نتيجة ً للشعور المتزايد بالخطر الآخذ في الاستفحال، من جراء تسرب اللغة الإنجليزية إلى مواقع كثيرة في الحياة الفرنسية. فلم تعد الأكاديمية الفرنسية هي الجهة الوحيدة التي تجهر بالشكوى من (الغزو اللغوي) الذي بات يهدد اللغة الفرنسية في عقر دارها، بل أصبحت جهات عديدة، في الإعلام، وفي الإدارة، وفي الجامعات، وفي أوساط النخب الفكرية والثقافية، تشكو من (الخطر الإنجليزي) هكذا يسمونه على اللغة الفرنسية. وإذا كان القانون يحمي اللغة الوطنية في فرنسا، وللأكاديمية الفرنسية كلمة مسموعة، بل لها نفوذ ملموس في الحفاظ على سلامة لغة الوطن، فإن هذا (التجاذب اللغوي) بات ظاهرة مثيرة للقلق، لأن الطرف الوطني هو الذي يقف وراءه، وليس الطرف الأجنبي. فهناك فرنسيون كثيرون وقعوا تحت هوى اللغة الإنجليزية، وفتنوا بها، ويجدون في أنفسهم القابلية للحديث بها، وللإعلان عن تجاوبهم تناغمهم معها. وهذا الوضع في فرنسا يخالف الحالة عندنا في المغرب. ذلك أن محاربة اللغة العربية في بلادنا تتم على عدة مستويات، من الداخل ومن الخارج، وبشتى الطرق والأساليب، وتنفق أموال كثيرة على هذه السياسة اللغوية، التي هي في الواقع أحد أخطر ضروب السياسة، كما لا أحتاج أن أقول. ولكن في فرنسا يطبقون القانون بصرامة، فلا تستعمل الإدارة في كل مستوياتها لغة أجنبية، ولا تنافس اللغة الفرنسية في الإدارات الحكومية وإدارات القطاع الخاص، أية لغة أجنبية، ولا تقرأ في الصحافة الفرنسية لمن يدعو إلى العدول عن اللغة الوطنية ويخدم أهدافًا أجنبية. في فرنسا السيادة المطلقة للغة الوطنية، فهي من رموز الدولة الفرنسية، وهي جزء من الأمن القومي الفرنسي، لا تعلو فوقها لغة أخرى. لماذا إذن، لا نقلد فرنسا في هذه الفضيلة؟. ما أكثر الفضائل الفرنسية، ولكننا لا نقلد إلا (....). واللبيب بالإشارة يفهم.