يجب التأكيد أولا، على أن الدفاع عن اللغة العربية يجب أن يتأسس على إعدادها إعدادا لغويا شاملا. وهذا ينقسم إلى الإعداد الداخلي ثم الإعداد الخارجي. فالإعداد الداخلي هو الذي يهتم بالبنية الداخلية للغة العربية في جميع مستوياتها: القواعد النحوية، الأسلوب، الجوانب الفنية والمعجمية والتواصلية. هناك جانب آخر من الإعداد، وهو أن هذه البنية لابد لها من بيئة مستقبلة، أي الوضع الاجتماعي والثقافي والإعلامي. أيضا ينبغي أن نهيأ البيئة الخارجية لاستقبال اللغة .فالجانبان متلازمان، ذلك أنه يمكن أن نحقق عددا من المكاسب بخصوص تمكين اللغة العربية، لكن قد تكون البيئة غير مساعدة. وبدون عاطفة، أقول أيضا أن اللغة العربية تشكو من مجموعة من المشاكل اللغوية الداخلية التي ينبغي حلها. ومن عوائق التمكين لهذه اللغة، هناك أولا العوائق السياسية ثم الثقافية والاجتماعية. بالنسبة للعوائق السياسية نعرف أن الذي يملك القرار السياسي لم يحسم في المشكل اللغوي بالمغرب، وأظن أن عدم الحسم راجع إلى أن صاحب القرار مقيد. في السياسة المقارنة، يمكن القول أن هناك عددا من الدول تنهج سياسة لغوية صريحة، كما أن هناك دولا تتبع سياسة لغوية ضمنية. ففرنسا مثلا تتبنى النهج الأول، أي السياسة اللغوية الصريحة، عبر التأكيد دستوريا على أن اللغة الفرنسية لغة وطنية رسمية. وتعمد عبر عدد من المؤسسات الرسمية المدعومة على نشر اللغة الفرنسية في العالم. بالمقابل فإن الولاياتالمتحدةالأمريكية تتبنى سياسة لغوية ضمنية. إذ لا تنص في دستورها على أن الانجليزية لغة رسمية، بل هناك فرض للغة كأمر واقع. أما المغرب فيجمع بين الأمرين. فلديه سياسة لغوية صريحة من خلال التنصيص دستوريا على اعتبار اللغة العربية لغة رسمية. كما أنه يتبنى سياسة لغوية ضمنية، أي سياسة الأمر الواقع. ومن أبرز عناصر السياسة اللغوية المتبعة في المغرب: حصر اللغة العربية في مجال ضيق يشمل المجال الطقوسي، أما كل ما لديه جاذبية من الاقتصاد والإعلام والإدارة والترقي الاجتماعي فمخصص للتداول باللغة الفرنسية، في حين أن العاميات فمخصصة للتداول اليومي. لذلك أعتقد أن الجانب القانوني لن يحل المشكل. المطلوب هو كيفية التعامل مع السياسة اللغوية الضمنية. هاته السياسة التي لها نتائج اجتماعية خطيرة في المدرسة والتعليم والصحة والإدارة حيث تسجل عدد من التراجعات وسوء الفهم . وهنا نستحضر النقاش الدائر حاليا حول ما إذا ماكان ينبغي أن تكون اللغة العربية لغة التدريس أم لغة مدرسة فقط مثلها مثل اللغة الفرنسية؟ كل ذلك بدعوى أن التعريب طرح إيديولوجي. وهنا نتسائل أليست الفرنكفونية طرح إيديولوجي؟ أليس كل طرح لغوي مهما كان مرتبط بإيديولوجية معينة؟ من جهة أخرى، فمن الطبيعي في أية لغة أن تتطور. لذلك ينبغي الاجتهاد على اللغة العربية من حيث القواعد النحوية، من أجل تقعيدها لتستجيب للتحديات المعاصرة. ومن أهم عناصر التطوير: تشجيع الإبداع الفني والأدبي والفكري والعلمي باللغة العربية. فكل اللغات المعاصرة تطورت أساسا بفعل الإبداع بتلك اللغات، وليس عبر التطوير النحوي. أيضا ينبغي سن سياسة ناجعة لمحو الأمية ذات الهدف التنموي، لكي ندخل في دورة حضارية ناجحة.