إنطلاقا من يوم الأربعاء 22 يناير 2014 تنطلق في مدينة مونترو السويسرية أشغال مؤتمر السلام الدولي حول سوريا أو ما يسميه البعض مؤتمر جنيف 2 بمشاركة زهاء 30 دولة. الملاحظون مختلفون حول جدوى المؤتمر الذي تم تحويله من مدينة جنيف بسبب تزامن إنعقاده مع معرض دولي للساعات هناك. البعض يرى أنه ولد ميتا وآخرون يقدرون أنه سيحقق بعض الإنجازات الفرعية بينما سيكون الحسم على أرض المعركة الدائرة بالشام. تقول صحيفة "ذي واشنطن بوست" الأمريكية انه بعد ثلاث سنوات من القتال والمطالبة بحكومة انتقالية جديدة، فان السياسة الأمريكية تجاه دولة طحنتها الحرب هي الاعتراف ضمنيا بالمفاهيم الواضحة، وفي مقدمتها أن الرئيس بشار الأسد سيبقى في السلطة، لفترة من الوقت على أقل تقدير. جاء ذلك في مقال لمراسلتها آن غيران التي قالت ان الإدارة الأمريكية حددت سياستها في اتجاهين رئيسيين: القضاء على أسلحة سوريا الكيميائية وعقد مؤتمر سلام. وتضيف أن كلا الاتجاهين يحتاجان إلى تعاون الأسد لنجاحهما، وتضيف: رغم أن الخط الرسمي للولايات المتحدة انه لا بد للأسد "أن يطاح به"، فإن التركيز للتوصل إلى صفقات قصيرة الأمد مع نظامه ولو لأجل قصير يحمل في طياته اعترافا بأنه سيحتفظ بموقع سياسي فعال. وتصر الولاياتالمتحدة على ان الاسد لا يمكنه أن يستخدم محادثات السلام في جنيف لتعزيز قبضته، غير أن ذلك هو ما يقول كثيرون من معارضي الأسد المدعومين أمريكيا انه سيحدث. فلقد قاوم المعارضون المعتدلون لعدة أشهر الضغوط لحضور المحادثات، حيث أنهم يعتبرونها مقترحات فاشلة تقوض النفوذ البسيط الذي يتحكم به مع الثوار الخطوط الأمامية. وقال جوشوا لانديز، الخبير في الشأن السوري البروفيسور في جامعة اوكلاهوما، انهم "يدركون ان هذا الأمر يدور حول الاعتراف ببقاء الأسد غير منهزم، وان أيا من الدول الكبرى ليست لديها القدرة أو الرغبة في إزاحته مثلما فعلوا مع القذافي". وذكر أيضا أن "المعارضة السورية لا تريد التوجه إلى جنيف لأنها تدرك أن ذلك يرقى إلى مرتبة الاعتراف ببقاء الأسد". اليد العليا عسكريا في الحرب يحتفظ الأسد حاليا باليد العليا عسكريا في الحرب. في السابق ورغم الدعم العسكري الكبير من ايرانوروسيا، لم تتمكن قواته لأشهر طويلة من دحر ائتلاف ثوار متشرذمين يضم حاليا اعدادا كبيرة من المتشددين الاسلاميين والمرتزقة المجندين من مختلف بقاع العالم، الأوضاع تبدلت منذ أشهر قليلة وأخذ الجيش السوري يسقط معاقل المعارضة واحدا تلو الآخر حتى أن بعض المحللين العسكريين أصبحوا يقدرون مع بداية سنة 2014 أن الأسد يمكن أن يحسم المعركة لصالحه مع الصيف القادم. وقد قلبت حكومة الأسد كذلك جزئيا تلك الموازين سياسيا لصالحها بالقول أن محادثات سويسرا ستساعد دمشق في مكافحة الإرهاب. تبدأ محادثات السلام تصحبها توقعات متدنية. وتكاد تنعدم الفرص في ظهور حل سريع، اذا صح ذلك، للهدف المقترح بشأن قيام حكومة انتقالية لتحل محل الأسد. وينسب المراقبون عدم مشاركة ايران إلى أن من غير المتوقع حدوث انجازات. وان الأكثر واقعية على المدى القصير هو هدنة مؤقتة أو محلية والسماح بمرور الفرق الإنسانية إلى حيث المحتاجين داخل سوريا. وقد واصلت الخارجية الأمريكية العمل على هذا المنوال لتحقيق تلك الأهداف وممارسة الضغوط على إنصار الأسد، وبخاصة إيرانوروسيا، للحذو حذوها. ويقول مسئولون أمريكيون وبريطانيون وآخرون أن الهدف الأهم هو دفع الأسد ومعارضيه لبدء المحادثات. وسيسهم وزير الخارجية الامريكي جون كيري في عملية افتتاح مؤتمر السلام الدولي في مدينة مونترو السويسرية. وكان قد أمضى معظم الوقت السابق في حث المعارضين السياسيين المعتدلين ضد الأسد لحضور المؤتمر، وان لم يكن لديهم نفوذ يذكر لدى معظم المسلحين. وقد وقعت جميع الدول الثلاثين أو أكثر التي ستحضر المؤتمر على هدف الحكومة الانتقالية، لكن روسيا تصر على أن عزل الأسد ليس عملا تلقائيا. اذ انه بموجب القواعد التي اقرت في العام 2012، فان شخصيات من النظام والمعارضة ستتفق سوية على اختيار اعضاء الحكومة الموقتة التي ستشرف على ما تصفه الولاياتالمتحدة بانه "انتقال سياسي"، نحو ما ظل غامضا عن قصد. ورغم ان حكومة الأسد سخرت من فكرة انها ستتفاوض على انتهاء حكمه، فان كيري قال يوم الجمعة 17 يناير أن الفكرة ليست بعيدة المنال. وقال "اذا كان يعتقد انه سيكون له دور في المستقبل، فان ذلك ضرب من الخيال". مفاوضات باريس حول الفيتنام يشبه البعض اللغط السياسي الذي يحيط بالمؤتمر الذي يعقد في مدينة مونترو حول سوريا، بمؤتمر باريس حول الفيتنام الذي نظم خلال بداية عقد السبعينات، فقد تفاوضت واشنطن في ذلك الحين على تسوية أملت أن تضمن لأنصارها في سيغون دورا سياسيا أساسيا في مواجهة حكومة هانوي وقوات الفيت كونغ، ولكن الأمر في النهاية تحول إلى نصر ساحق لخصوم الغرب وتمت تصفية هؤلاء الذين ساندتهم الولاياتالمتحدة وقدمتهم كأنصار الديمقراطية وخصوم الشيوعية. جاء في تحليل نشرته شبكة "سي إن إن الأمريكية: تعهد وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، لدى توليه المنصب في فبراير عام 2013 بتغيير معادلة "التفاضل والتكامل" في التعامل مع الرئيس السوري. لكنه، منذ قراره مع نظيره الروسي، سيرغي لافروف، جلب طرفي النزاع المتناحرين إلى طاولة الحوار في جنيف، في خطوة كان يعتقد أنها سترسخ الدعم الدولي للمعارضة السورية، بشقيها السياسي والعسكري وهو ما يفسح المجال أمام الزعيم السوري للتفاوض حول خروجه من السلطة، اتخذت السياسة الأمريكية تأثيرا معاكسا. وبالفعل تغيرت حسابات التفاضل والتكامل بالنسبة إلى الأسد، فالمعارضة السياسة على وشك الانهيار، والجانب العسكري منها يقاتل تنامي المليشيات الإسلامية المتشددة، في حين يعتبر نظام دمشق مركزا لتطبيق اتفاقية نزع الترسانة الكيماوية، وها هو يتوجه الآن إلى جنيف معتقدا أنه أكثر قوة، وقواته تواصل التقدم، فما من سبب يدعو الأسد للاعتقاد بأنه لن يفلت من هذه الأزمة. ويوم السبت 18 يناير، صوت الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية لصالح "جنيف 2" وسط انقسام مرير حول المشاركة في المؤتمر، ويزعم بعض أعضاء المعارضة أن أمريكا تجرهم نحو الفشل مع رفضها تقديم موارد كافية ل"لجيش السوري الحر" من شأنها تغيير موازين القوى على واقع الأرض. وقال أوبي شاهبندر، أحد مستشاري المعارضة السورية، إن وضع المعارضة يحول دون أي عملية سياسية ناجحة ما لم تزد الولاياتالمتحدة من دعمها، ففي الوقت الراهن، يظن النظام أنه يحقق الانتصار إذ نجح في تفادي ضربات عسكرية وعقوبات غربية.. هذه هي المكونات التي تجعل من الخروج بأي نتائج ناجحة من جنيف غير مرجحة". تظل الإدارة الأمريكية على موقفها المطالب بضرورة تنحي الأسد، لكن الأخير يتحدث الآن عن إعادة الترشح في انتخابات، أما المعارضة التي أصبغ عليها المجتمع الدولي صفة الشرعية، فتبدو في موقف الضعيف. وقال سلمان شيخ، مدير مركز بروكينز الدوحة: المعارضة السورية في كبسولة فضاء تتجه لجنيف وتتفكك في الجو وهذا قد يعتبر واحدا من أكبر إخفاقات الغرب". افتقار العزيمة لاستخدام القوة ضد الأسد أو تسليح المعارضة، بجانب فشل مجلس الأمن الدولي في إتخاذ موقف موحد حتى حيال الأزمة الإنسانية المتنامية، يترك واشنطن أمام القليل من الخيارات منها مؤتمر "جنيف 2" الذي يعتقد قلة، منهم وزير الخارجية الأمريكية، بأنه أكثر من مجرد بحث في "صندوق" الدبلوماسية وإيجاد نوع من التجاوب للأزمة السورية، عوضا عن التحمس لإيجاد حل سياسي لها. أضف إلى ذلك، فأنه ما اتفاق بعد على محددات مباحثات جنيف، فالولاياتالمتحدةوالأممالمتحدة بالإضافة إلى الدول العربية والغربية تعمل على أن يكون منبرا للتفاوض حول تشكيل حكومة انتقالية في سوريا، وعلى الجانب الآخر يقف النظام السوري، وروسياوإيران، التي لن تشارك رسميا في المحادثات، وسيخيم شبح الآلاف من مقاتليها الداعمين للأسد على أجواء جنيف يطالبون بأن يكون منصبا على محاربة الإرهاب وتنامي نفوذ المليشيات المتشددة و إعادة تأهيل نظام الأسد. ومع تنامي نفوذ مليشيات القاعدة وبسط سيطرتها على المزيد من الأراضي السورية، تبقى فرص الأسد الأقوى. ورغم الضغوط التي مارستها لإقناع المعارضة بالمشاركة في "جنيف 2" لكن توقعات واشنطن بنتائجه تظل دون التوقعات، فقد أقر بعض المسئولين الأمريكيين بأن جلب الخصمين المتنازعين تحت سقف واحد يعتبر نجاحا في حد ذاته، وقال أحدهم: مفهومنا الأولي بشأن المؤتمر إنه بإمكاننا المساعدة في تشكيل حكومية انتقالية.. لكننا استوعبنا الآن، وبعد 8 أشهر، أن تحقيق تقدم سياسي هو الأكثر تحديا". وينظر إلى أول مباحثات مباشرة بين طرفي النزاع السوري كإنجاز في حد ذاته لإعادة تحريك التفاوض حول نقل السلطة، ويعتبرها وزيرا الخارجية الأمريكي والروسي بأنها فرصة لبناء الثقة بين الجانبين، ويتضمن ذلك احتمال التوصل لهدنة وإيصال المساعدات الإنسانية وتبادل السجناء بين الجانبين. ومع تراجع احتمال إحراز تقدم في شق مناقشة تشكيل حكومة انتقالية، لن يبقى أمام المؤتمر سوى التركيز على الأزمة الإنسانية في سياق المناقشات حول المستقبل السياسي في سوريا. وشرح مسئول أمريكي بارز قائلا "للوضع الإنساني جانب كبير الأهمية.. الأزمة الإنسانية هائلة ومن الملائم التركيز عليها".. مازالت لدينا الرغبة برؤية حكومة انتقالية، ولم نيأس من ذلك بعد، لكننا أيضا نفكر ما هي أهدافنا الأخرى". ومع قناعة واشنطن بأن "جنيف 2" لن يشكل نقطة تحول في الأزمة السورية، إلا أنها تأمل في أن يكون منطلقا لتلك العملية، إلا أن هناك تخوفا من جانب البعض في المعارضة السورية من عملية مفتوحة لا نهاية لها تفشل في وقف دوامة العنف والمعاناة. وأضاف شاهبندر: "لن يحدث شيئا بين ليلة وضحايا ولكن كذلك لن تستمر إلى ما لا نهاية.. النظام سيواصل المماطلة في العملية فيما يستمر في العمل العسكري". ويبقى عامل مهم في مساعي إيجاد حل سياسي للأزمة السورية، وهي ضرورة توسيع قاعدة المشاركين في العملية لتشمل المزيد من السوريين المؤثرين على واقع الأرض. فرصة لتحقيق تقدم في ثلاثة مجالات نشر المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية قبل أيام من إنعقاد مؤتمر "جنيف 2" تحليلا يستنتج كاتباه جولين بارنز ديسي ودانيل ليفي مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المجلس انه على الرغم من التوقعات المنخفضة من هذا المؤتمر فانه يوفر فرصة لتحقيق تقدم في ثلاثة مجالات هي اولاً، تشكيل مجموعة اتصال دولية شاملة تضم لاعبين أساسيين كالسعودية وإيران، وثانيا إعطاء أولوية لتأمين المساعدات الإنسانية في سوريا وثالثا، السعي لإعطاء شرعية لفكرة المفاوضات بين الفئات السورية. وهنا ابرز ما جاء في التحليل: "بعد ثلاث سنوات من الصراع، نجد ان الواقع السائد في ميدان المعركة هو مأزق التعادل بين الحكومة وقوات المتمردين. اما الوضع الانساني اي محنة اللاجئين، والاشخاص المشردين داخليا، ومعضلة المناطق المحرومة من الموارد الاساسية فيستمر في التدهور. وبينما يستمر الاستقطاب العنيف والدمار، فان ايا من الفرقاء الداخليين لم يتخذ أي خطوة نحو الحلول الوسط الضرورية للسلام. وما زالت الأطراف الخارجية الأساسية، خصوصا المملكة العربية السعودية وإيران، الداعمتين الاقليميتين الأوليين لكل من الجانبين، منقسمة بطريقة مماثلة مع انهما اعتنقتا، كل منهما بطريقتها، فكرة عملية سياسية وفكرة جنيف 2. ومن غير المفاجيء ان ابرز الخلافات تتعلق بمسألة الانتقال السياسي، وهو عنصر جوهري في اعلان جنيف الأصلي الذي كثيرا ما يقتبس والذي صدر في يونيو 2012، وبمسألة الدور الذي سيكون للرئيس بشار الأسد في أي عملية سياسية. في هذا السياق، يجري انتقاد جنيف 2 في بعض الأوساط كممارسة لا امل فيها. وفي الحالة الاسوأ، يعتبر المؤتمر ملهاة، يمكن ان تستمر لمدة طويلة يستطيع الأسد خلالها اكتساب شرعية سياسية ودبلوماسية جديدة ومساحة للعمل. وفي غضون ذلك ستستمر معاناة الشعب السوري وسيتجنب داعمو المعارضة مواجهة الخيارات الصعبة التي يستلزمها الدفع باتجاه إزاحة الأسد عن السلطة، وليس اقلها شأنا كيفية مساعدة العدد الكبير من مجموعات المتمردين ومن يقدم لها المساعدة. ان الانتقادات الموجهة إلى جنيف 2 لا تخلو من الجوهر، لكنه يبقى مؤتمرا يستحق ان يعقد وما زال من الممكن ان يكون وسيلة لتحريك الأمور نحو التقدم. ومع إقرار الدول الغربية بعدم وجود خيارات عسكرية جيدة وبان النظام ليس على وشك أن ينهار أو يستسلم، فان العملية التي يطلقها جنيف 2 تمثل واحدة من الطرق الوحيدة لتأمين المشاركة الدولية الضرورية، وفي مرحلة لاحقة المشاركة الداخلية في اتخاذ خطوات ذات معنى نحو تخفيف التصعيد ولاحقا نحو السلام. وبأخذ ما تقدم في الاعتبار، فان محادثات جنيف 2، وهي خطوة أولية على طريق طويل أكثر منها اجتماعا لمرة واحدة، يجب ان تركز على ثلاثة أهداف أساسية: 1 – تشكيل مجموعة اتصال دائمة تضم اللاعبين الإقليميين الرئيسيين: تحت اشراف وزير الخارجية الامريكي جون كيري تمكنت الولاياتالمتحدةوروسيا من خلق حوار ثنائي ذي معنى بشأن سوريا ومنتدى ثلاثي مع الامم المتحدة ومبعوثها الخاص الاخضر الابراهيمي. ومع انه ما زالت هنك انقسامات بين المواقف الامريكية والروسية، فقد تجاوز الحوار المواقف الاستعراضية نحو صفقة لحل مشكلة الاسلحة الكيماوية وعقد جنيف 2. وادت كثرة الاجتماعات العالية المستوى بشأن سوريا في الاشهر الاخيرة الى قدر مهم من تضييق الخلافات. غير ان اللاعبين الاقليميين ما زالو متخندقين في مواقفهم غير المتجانسة، بينما يقومون بدور مهم في اذكاء نيران الصراع، بما في ذلك الدعم المادي للطرفين. وفي حكم المؤكد تقريبا ان الطريق نحو تخفيف التصعيد والانتقال السلمي في نهاية الامر لا بد ان يمر عبر موافقة هؤلاء اللاعبين على حوار متوازن. ان التقدم في المسار الامريكي الروسي، اي الطوق الخارجي المكون من اللاعبين الخارجيين، يحتاج الى توسيعه ليعانق الطوق الداخلي، اي رعاة الصراع الاقليميين. ويجب ان يكون جنيف 2 والمتابعة التي تعقبه مباشرة مناسبة لتشكيل مجموعة اتصال دولية دائمة تضم الاطراف الاقليمية الرئيسة، وبالتأكيد المملكة العربية السعودية وايران، الى جانب الامم المتحدة، والولاياتالمتحدة، وروسيا وحضورا اوروبيا". ويضيف كاتبا التحليل ان من الضروري جدا ترتيب حوار بين السعودية وايران، مشيرين الى انه بينما ستحضر السعودية جنيف 2، فقد وقفت الولاياتالمتحدة ضد حضور ايران للمؤتمر بالرغم من اعلان طهران استعدادها للعب دور في العملية السياسية. يجب اعطاء اولوية لضمان حضور اللاعبين الدوليين الرئيسيين لمؤتمر جنيف 2. والولاياتالمتحدةوايران الآن على خلاف علني غير مساعد بشأن القضية مع اصرار واشنطن على ضرورة تبني طهران لاعلان جنيف 1 قبل ان يمكنها الحضور، وهو موقف صار من غير المرجح لدرجة اكبر ان توافق عليه طهران في اعقاب الإنذارات الأمريكية العلنية. أن فكرة الانتقال السياسي هي هدف نهائي وليست نقطة بداية. والحقائق على الأرض لا تترك خيارات واسعة بشأن القضية. وقد اختلفت الولاياتالمتحدةوروسيا على معنى إعلان "جنيف-1" في ما يتعلق بتتابع الخطوات ودور الأسد. ولو كان هناك اتفاق على المرحلة الانتقالية، لما استغرقت إعادة عقد مؤتمر جنيف 18 شهرا. ويقول المحللان: "المجال الذي تتفق فيه الآن الولاياتالمتحدةوروسيا هو أن جنيف 2 يجب أن يعقد ويجب السعي إلى تحقيق تقدم سياسي من دون الاتفاق اولاً على دور الأسد، فالأسد في نهاية الأمر لن يرسل وفدا إلى سويسرا للتفاوض على شروط استسلام". 2 – اعطاء اولوية عاجلة للمساعدة الانسانية: بالنظر الى ان مؤتمر جنيف لن يثمر نتائج سياسية ملموسة في الاجل القصير، فان احدى النقاط التي يجب ان يركز عليها المؤتمر هي الحاجة الماسة الى تأمين ايصال المساعدات الانسانية وتدفقها الى سكان سوريا، وتحديدا المتعلقة بتنفيذ قرار رئيس مجلس الامن الدولي الصادر في اكتوبر 2012. لقد وضعت قوات الحكومة وعناصر من قوات المعارضة عقبات امام وصول مواد الاغاثة الى السكان السوريين. غير ان معظم التشديد في هذا المجال سيكون على امتثال الحكومة السورية للقرار. وافضل طريقة لضمان ذلك هي اقتناع روسياوايران بدفع الحكومة السورية الى عمل اللازم على الجبهة الانسانية. وبما ان روسيا قد وافقت على القرار الرئاسي من مجلس الأمن بشأن المساعدات الانسانية، فان هذا يمكن ان يكون هدفا واقعيا. وقد أظهرت موسكو في الآونة الاخيرة استعدادا متزايدا للضغط على النظام السوري في ما يتعلق بالقضايا الانسانية. وبالمثل فان من الممكن جدا ان تتعاون ايران على الجبهة الانسانية، وتزداد ارجحية ذلك اذا كانت موجودة طبعا حول الطاولة. ان تقديم المعونات الانسانية هو حاجة عاجلة، وهذا يزيل اداة من يد الاسد هي اداة حصار المناطق التي يستخدمها وسيلةً للضغط في الحرب. ومن وجهة النظر الغربية، فان هذا تقديم المساعدات هو طريقة لدفع حلفاء الاسد الى تحمل المسؤولية عن امتثاله في ما يتعلق بقضية يوجد حولها اجماع دولي هم جزء منه. واذا استطاع حلفاء الاسد المساعدة في ضمان ايصال افضل للمساعدات الانسانية، فان هذا امر جيد في حد ذاته وعلامة على ان مما يستحق الجهد السعي الى امور اخرى يمكن تحقيقها. ثالثا- إضفاء الشرعية على المفاوضات بين السوريين أنفسهم: "من الواضح ان المحادثات بين الاطراف المحلية لن تؤتي ثمارها على عجل، ما لم تتوجه الوفود الى جنيف وبيدها تفويض لاجراء محادثات مفيدة ونتيجة ضعف موقف الائتلاف الوطني السوري بسبب عدم ثبات نفوذه لدى المجموعات المسلحة في ارض المعركة. "على انه يمكن للمحادثات الاولية بين السوريين انفسهم في جنيف، واستمرارها بعد الاجراءات الشكلية لافتتاح المؤتمر، ان تخدم غرضا مهما. فالمحادثات ستضفي الشرعية على فكرة المفاوضات ذاتها، بعد ثلاث سنوات من القتال وللمرة الاولى، بين النظام والمعارضة". ويقول التقرير ان الأسد الذي رفض طويلا الاعتراف بوجود معارضة سيعترف بها ويتفاوض معها. كما ان النظام سيبحث، للمرة الاولى، قضايا الانتقال السياسي، خاصة وان النصير السياسي الرئيسي، وهو روسيا، يرعى مسيرة جنيف. وينبغي على الائتلاف الوطني ان يبدأ في بحث البرنامج السياسي والتمثيل والمسؤولية باساليب ظل يتحاشاها حتى هذا الوقت. ويمكن الافادة من اضفاء الشرعية على المفاوضات بين السوريين انفسهم، لتعزيز جهود الوقف المحلي لاطلاق النار. وقد بدأت خطوات الهدنة المحلية توحي ببشائر حصول تقدم، وهي حيوية بالنسبة الى الوضع الانساني وللسماح بمحاولات تؤدي الى مشاركة غير مركزية للسلطة محليا. غير ان توقع نتائج سريعة من جنيف ليس في محله. وان كانت هناك دلائل مهمة يمكن ان تتولد من المؤتمر رغم الاتهامات المتبادلة. وعلى "جميع الاطراف الخارجية ان تحرص على الالتزام بعدم نسف المحادثات او افشالها". تقرير خبراء "معهد ماسشوستس للتكنولوجيا" قبل اجتماع جنيف 2 بخمسة أيام تلقت الإدارة الأمريكية ضربة مؤلمة ستكون لها أثار سلبية على سياستها سواء تجاه الأزمة السورية أو عدد آخر من الصراعات الدائرة في منطقة الشرق الأوسط الكبير. فقد أصدرت جامعة "معهد ماسشوستس للتكنولوجيا"، الجامعة الأمريكية العلمية الأكثر شهرة في الولاياتالمتحدة، تقريرا من المتوقع أن ينسف إدعاءات الحكومة الأمريكية بأن الجيش السوري النظامي استخدم "الصواريخ لإطلاق أسلحة كيميائية" يوم 21 اغسطس 2013. ويقول التقرير المشترك الذي اعتمد حسابات وسرعة وقوة دفع الصواريخ المستخدمة في الهجوم، ودقق في العينات المستأصلة من الموقع، والذي أعده الدكتور ثيودور بوستول من "معهد ماسشوستس للتكنولوجيا" وخبير ومفتش الأسلحة السابق في الأممالمتحدة ريتشارد لويد أن مدى صواريخ الحاملة لغاز السارين التي استعملت في الغوطة الشرقية بدمشق في الهجوم المذكور أي الأربعاء 21 اغسطس 2013، تدل على أن هذه الذخائر لا يمكن أن تكون قد أطلقت من قبل القوات النظامية السورية. ويشير التقرير الذي جاء تحت عنوان "النتائج الممكنة لخطأ المعلومات الاستخباراتية الأمريكية" الذي صدر الجمعة 17 يناير 2014 ليتزامن مع خطاب الرئيس الأمريكي باراك أوباما حول إعادة ترتيب الأولويات الأستخباراتية التي أثارت الكثير من الجدل أنه في الهجوم بالغاز في الغوطة الشرقية تم استعمال "ذخائر كيميائية دون إعداد مسبق" وإن مدى القذائف التي وضع غاز السارين في رؤوسها يصل بحسب التقرير إلى "قرابة 2 كلم"، وهو ما يبدد نظرية استخدام الجيش السوري لهذه الصواريخ. وتوصل فريق من خبراء الأمن والأسلحة، خلال اجتماع هذا الأسبوع في واشنطن، الى خلاصات بأن مجموعة الصواريخ التي أطلقت من المكان المزعوم في قاسيون، مركز الحرس الجمهوري، على مكان الهجوم في الغوطة والتي كانت تحمل في رؤوسها غاز "السارين"، كان مداها قصيرا للغاية، ما يدحض تماما ادّعاءات الإدارة الأمريكية بأنها أطلقت من مواقع الجيش السوري. واستنادا إلى خريطة صادرة عن البيت الأبيض، التي تظهر المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش والأخرى الخاضعة لسيطرة المسلحين، استطاع بوستول ولويد تأكيد وجهة نظرهما، حيث خلصا إلى أن جميع نقاط الانطلاق المرجحة هي في المناطق التي يسيطر عليها المسلحون أو المناطق التي كانت محل نزاع. أما المناطق التي يسيطر عليها الجيش السوري فهي على بعد كيلومترات عدة من مناطق الإطلاق الممكنة. لويد، الذي أمضى نصف عام 2013، في دراسة الأسلحة والقدرات في الصراع السوري، نفى نظرية أن المسلحين هم أقل قدرة على صنع الصواريخ من الجيش السوري. وأضاف أن "المسلحين السوريين لديهم بالتأكيد القدرة على تصنيع هذه الأسلحة. أعتقد أن لديهم هذه القدرة أكثر من الحكومة السورية". وأشار الباحثان أيضا، إلى أن إصرار وزير الخارجية الأمريكي جون كيري على أن صور الأقمار الاصطناعية الأمريكية أثبتت وحددت نقاط الهجوم، من غير المرجح أن يكون صحيحا. وقالا إن انفجار السلاح الكيميائي عادة ما يكون صغيرا جدا، ولا يمكن أن يكون مرئيا في صورة الأقمار الصناعية. تكرار لسياسة بوش وأثار التقرير تساؤلات عما إذا كانت إدارة أوباما تسيء استخدام معلومات الاستخبارات بطريقة مماثلة لإدارة بوش، في الفترة التي سبقت غزو العراق. وأصر المسؤولون الأمريكيون حينها على أن الرئيس العراقي الراحل صدام حسين كان يمتلك برنامجا نشطا لتطوير أسلحة الدمار الشامل. وأثبتت عمليات التفتيش اللاحقة أنه لا يوجد مثل هذا البرنامج أو الأسلحة. وهنا يقول بوستول "على ماذا بالضبط، ننفق كل هذه الأموال لمعلومات الاستخبارات؟". الدراسة الجديدة تشير إلى تلاعب في تقييم الاستخبارات الأمريكية لهجوم الغوطة الكيميائي، حيث تقول إن تصميم الصواريخ التي استخدمت في الهجوم، وحمولتها ومساراتها المرجحة، تظهر أنه كان من المستحيل على الصاروخ أن يطلق من داخل المناطق التي تسيطر عليها الحكومة السورية. ويؤكد التقرير أن "التقييم المستقل لمدى هذه الذخائر الكيميائية من قبل الأممالمتحدة تتطابق مع استنتاجاتنا"، مشيرا إلى أن "هذا يعني أن هذه الذخائر لا يمكن أن تكون قد أطلقت من المناطق التي تسيطر عليها الحكومة السورية باتجاه الغوطة الشرقية". ويضيف التقرير المفصل أن المناطق التي كانت تحت سيطرة القوات السورية آنذاك تقع على مسافة أبعد من 2 كلم عن الأحياء التي تعرضت للقصف، مؤكدا أنه "مهما كانت أسباب هذه التقييمات المغلوطة الصارخة" في استنتاجات الإستخبارات الأمريكية ف"انه يتوجب على الإدارة الأمريكية أن تشرح ملابسات ذلك أمام الشعب الأمريكي" خاصة وأن الولاياتالمتحدة كادت أن تخوض حربا جديدة في الشرق الأوسط تحت غطاء إدعاءات استخباراتية خاطئة. ويقول التقرير بشكل لا يدعو مجالا للشك "إن المعلومات التي طرحت أمام الشعب الأمريكي يوم 30 اغسطس 2013 وأمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ يوم 3 سبتمبر 2013 كانت خاطئة ومضللة ولا بد من شرح ذلك أمام الشعب". يشار إلى أن وزير الخارجية الأمريكي جون كيري في مؤتمره الصحافي الذي شاركت فيه يوم الجمعة 23 اغسطس 2013 أكد أن "القوات السورية هي الوحيدة القادرة على إطلاق هذه الصواريخ" وهو ما يرفضه التقرير بشكل قاطع، كما يفند الادعاء الاستخباراتي بأن الجيش السوري وحده هو القادر على تصنيع الذخائر المحشوة بمواد سامة، موضحا أن تصنيع السلاح الكيميائي بشكل يدوي يمكن أن يقوم به "أي شخص يملك ورشة ميكانيكية ذات امكانيات متواضعة". وفي قضية متعلقة، أشارت مجموعة "ماكلاتشي" للنشر التي تصدر عددا من الصحف الأمريكية إلى أن "صواريخ السارين التي تم العثور عليها في الغوطة الشرقية لم تتطابق مع السلاح الكيميائي الموجود لدى الحكومة السورية والذي تم تسليمه لمنظمة حظر السلاح الكيميائي". وكادت الولاياتالمتحدة أن تشن هجمات صاروخية مدمرة على سوريا بسبب الإدعاء بأن القوات السورية "استخدمت الأسلحة الكيميائية وتجاوزت الخط الأحمر" الذي وضعه الرئيس أوباما في شهر اغسطس من عام 2012 ولكنها تراجعت على ما يبدو بعد أن تبين أن روسيا قد ترد عسكريا. واستخدمت إدارة الرئيس الأمريكي جورج السابقة معلومات كاذبة عن امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل لغزو واحتلال العراق في عام 2003، وقد تبين لاحقا أن البيت الأبيض زور المعطيات ليبرر هجومه. يشار أن موسكو أكدت أكثر من مرة منذ صيف سنة 2013 أنها تملك الأدلة على أن المسلحين المناهضين لحكومة دمشق هم من أستخدم السلاح الكيميائي في الغوطة مما تسبب في مقتل أكثر من 1400 مدني، غير أن البيت الأبيض رفض قبول الأدلة الروسية. يشار كذلك إلى أن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أكد خلال لقائه نظيره الأمريكي يوم الاثنين 13 يناير أن المسلحين هم الذين يعرقلون وصول المساعدات الإنسانية إلى المناطق المتضررة من القتال، وأن هؤلاء يحتجزون 32 موظفا تابعا للمنظمات الدولية. وأشار الوزير الروسي إلى أن الحكومة السورية ستؤمن وصول المساعدات الإنسانية إلى مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين، مضيفا "منذ عدة أيام كانت هناك محاولة، لكن المقاتلين أحبطوها واعترضوا طريق المساعدات. الحكومة ستقوم أيضاً بتأمين إيصال المساعدات الإنسانية إلى منطقة أخرى ومستعدة للاتفاق حول عملية للصليب الأحمر الدولي بمساندة الولاياتالمتحدةوروسيا لإيصال المساعدات إلى الغوطة الشرقية وغيرها من بلدات ريف دمشق". وقال سيرغي لافروف أن الحكومة السورية وافقت على فتح ممرات إنسانية جديدة إلى مناطق تسيطر عليها المعارضة بدءا من يوم 13 يناير،. وأضاف في المؤتمر الصحافي المشترك مع نظيره الأمريكي جون كيري والمبعوث ألأممي الأخضر الإبراهيمي، عقب محادثاتهم بباريس أن هذا الاجتماع تناول إمكانية إعلان تهدئة في سوريا، بينما اشار كيري إلى إن المعارضة أبدت استعدادها لتهدئة يمكن أن تبدأ من حلب، إذا قبل النظام بذلك، بالإضافة لصفقة تبادل للأسرى، ما دفع بلافروف إلى الإفصاح عن موقف بلاده بأنه يجب الحيلولة دون توسع نشاط المتطرفين في سوريا و"إننا لا نريد تهدئة تصب في مصلحة المتطرفين في سوريا"، وضرورة العمل على تقليص نفوذهم.