منذ قرون والإنسان يحلم بالطيران , وكان عالم الفلك والرياضيات والفيزياء المسلم الأمازيغي الأندلسي عباس بن فرناس أول إنسان في العالم يحاول تجسيد هذا الحلم سنة 852 م و875 م حيث حلق من فوق مسجد قرطبة في محاولته الأولى ومن فوق ثلة في محاولته الثانية ويذكر بأنه إستطاع التحليق لعشر دقائق ,وإنتظر العالم إلى حدود 1292 ليضع الفيلسوف والعالم روجر بايكون ليكتب أول وصف تقني للطيران , و في ما بعد سيضع الفنان الشهير صاحب الجوكندا ليونارد دافنتشي أول تصميم لطائرة شراعية , وإنتظر العالم سنوات بعد ذلك ليحلق الإنسان في رحلة جوية بين القارتين أمريكا وأوربا , ثم ستتلاحق تطورات الطيران بوصول الإنسان إلى القمر ثم إلى المريخ عبر مركبات فضائية. لقد إنطلقت الفكرة من الأندلس في زمن كانت فيه رمزا للحضارة والرقي , وتخلينا كأمة عن هذا الحلم , ووهنت إرادتنا وفضلنا أن نستهلك فقط , من تركيبة الهومبرغر إلى ألعاب البلايستيشن , أمة مستهلكة فقط إذا ما حاصرنا العالم في يوم ما فإن معظمنا لن يستطيع إشعال النار... مناسبة هذا القول ما تدوالته جرائد أول أمس حول الشاب محمد نحمد ( 22سنة ) المقيم في أحد الدواوير التابعة لبرشيد , الذي إستطاع أن يصنع في ورشة للحدادة طائرة خفيفة تتسع لراكب واحد وتعمل بمحركين بقوة 6 أحصنة لكل واحد منهما ويعملان بالديزل , السياب محمد إنقطع عن الدراسة في الأولى باكلوريا شعبة العلوم التجريبية , يقال أنه جرب إختراعه والبعض يقول بأنه مستعد لتجريبه , المهم أن الطائرة التي صنعها تقف بشموخ بجوار المنزل الصفيحي الذي يقطنه , السلطات الإدارية والأمنية والإستخباراتية تم إستنفارها مؤخرا حيث حجت إلى منزل محمد نحمد كل الأجهزة لمعرفة خبايا هذه الإختراع وأهدافه ومن يقف وراءه , وهو عمل مقبول من طرف هذه الأجهزة التي يحق لها أن تملك نظرة أمنية حول الموضوع , لكن كان بودي أن نسمع بأن رئيس جامعة سطات قد إنتقل إلى بيت المخترع بمعية أساتذة جامعيين , أيضا كان بودي أن أسمع أن كبار رجال الأعمال المغاربة قد قطعوا عطلتهم السنوية لإكتشاف هذا الشاب وتبني إختراعه ودعم مشروعه العلمي , لكن لاشيء من ذلك حصل , وكثرة الأجهزة الأمنية التي إستفاقت متأخرة قد تصيب الشاب المخترع بسكتة علمية إذا ما أغرقت نفسها في ما هو أمني فقط وهذه واحدة من مصائبنا. حكاية محمد نحمد قد لا تكون الوحيدة فهناك الكثير من الموهوبين يسكنون في تفاصيل المجتمع , لكننا لا نملك الذكاء الكافي لإحتضانهم وإبراز مواهبهم , ومحمد نحمد يعبر في واحدة من صور إبداعه , أن النظام التعليمي المغربي ربما ليس على درجة الفشل التي نتداولها منذ مدة , فتلميذ منقطع عن الدراسة يتطيع إختراع طائرة! تأملوا هذه الصورة بعيدا عن جانبها الكاريكاتوري , لكي يتبين أن الهدر المدرسي ليس مكلفا فقط من الناحية المادية , بل أيضا من الناحية الحضارية...قد لا يكون هذا الإختراع في النهاية ذا قحرة تنفيذية وعملية , لكنه يؤكد مواهب كبيرة لهذا الشاب , وأقل ما يمكن أن يكافئ به هو منحه فرصة لمتابعة تحصيله العلمي وإحتضانه ماديا لتحقيق هذا الهدف.