التطور التكنولوجي الذي عرفه القطاع السمعي البصري خلال السنوات القليلة الماضية و الذي يسير بسرعة مهولة، زعزع الميدان التربوي و التعليمي، و أحدث فيه زلزالا قويا في علاقة المدرس بالمتعلم و في علاقة المربي بالمتربي ، وأصبح من الحتمي التأقلم و التكيف مع هذه التطورات و المستجدات و مواكبتها، و من الضروري التخلص من الوسائل التقليدية و المتجاوزة في العملية التربوية أو التعليمية حتى لا يصبح المدرس أو المربي في وضعية المتخلف المستهزء به. و يشكل إحداث مراكز لمهن التربية و التكوين لمختلف أسلاك التعليم التي أعلن عنها وزير التربية الوطنية السيد محمد الوفا يوم الثلاثاء الماضي، فرصة مواتية للتأكيد على ضرورة توظيف و إدراج حصص تكوينية نظرية و تطبيقية في مقررات التكوين ، تتعلق بالتربية بالصورة و التربية للصورة عبر استعمال الفيلم و مختلف الوسائل السمعية البصرية في عملية تكوين الخريجين، حتى يكونوا مؤهلين لدمج الوسائل السمعية البصرية الحديثة في عملية التعليم و الرفع من المستوى التعليمي، من خلال تعويض السبورة بالصورة في تلقين المعارف بطريقة مشوقة و حديثة و مواكبة للتطورات التكنولوجية. الوعي بأهمية الصورة في التربية و التكوين (التربية بالصورة) عبر استعمال مختلف الوسائط السمعية البصرية (السينما، التلفزيون، الفيديو، الديفيدي، الحاسوب، الأنترنيت و غيرها....)، و كذلك الوعي بخطورتها في حالة عدم معرفة قراءتها و الوعي بسلبياتها (التربية للصورة)، دفع العديد من الجمعيات و المؤسسات ، خلال السنوات القليلة الماضية، إلى تنظيم لقاءات و ندوات و موائد مستديرة بين النقاد السينمائيين و المهتمين بالميدان التربوي و الفاعلين فيه والمتخصصين في الميدان السمعي البصري حول هذا الموضوع ، و تجدر الإشارة في هذا الإطار إلى تظاهرتين حديثتين إحداهما شهدتها مدينة الرباط خلال يومي 9 و 10 ماي الجاري، من خلال تنطيم ندوة دولية و مهمة حول علاقة الصورة و التلفزيون بالتربية و التعليم ، افتتحها السيد «محمد الوفا» وزير التربية الوطنية بحضور وزير الاتصال و وزير الصناعة و التجارة و التكنولوجيات الحديثة، و أشار فيها إلى أن إدخال وسائط الاتصال في مجال التربية سيساهم في التغلب على النقائص الموجودة في هذا المجال. قامت بتنظيم هذه الندوة مؤسسة «معرفة» بدعم من سفارة فرنسا ببلادنا وبالاشتراك مع وزارة التربية الوطنية للمملكة المغربية و التلفزيون الفرنسي و اتحاد إذاعات الدول العربية، و تمحورت أنشطة هذه الندوة حول «التحولات الرقمية و التلفزيون: تحديات جديدة في المجال التربوي»، و تضمنت عدة مداخلات من بينها مداخلة حول الصورة كوسيلة تعليمية، و أربع ورشات إحداها حول التربية الإعلامية داخل المناهج الدراسية. التظاهرة الحديثة الثانية ذات الصلة بالموضوع تتعلق بالمهرجان الوطني للفيلم الوطني التربوي الذي اختضنت مدينة فاس دورته الحادية عشرة ما بين 11 و 13 ماي الجاري، و هو مهرجان مهم و ناجح و متميز يتمحور موضوعه حول المشاكل و القضايا التعليمية و التربوية الراهنة المعاشة في مختلف المؤسسات التعليمية بالحواضر و القرى القريبة و النائية، و يقوم بتحفيز المدرسين المخرجين الهواة من مختلف الأكاديميات الجهوية للتربية و التكوين التربوي ببلادنا على إنجاز أفلام تربوية و اختيار أجودها للمشاركة في مسابقته و الاستفادة من ورشاته و ندواته المؤطرة من طرف السينمائيين المحترفين. تأسس هذا المهرجان سنة 2001 من طرف جمعية فضاء الإبداع للسينما والمسرح برئاسة الفنان «محمد فرح العوان» قبل أن يصبح تنظيمه مشتركا مع الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين بجهة فاس بولمان بمديرها السابق السيد حسن أمزيل و مديرها الحالي السيد محمد ولد دادة و الأستاذ و الشاعر عبد السلام المساوي الذي كان يديره فنيا،و غاب عن هذه الدورة التي كرم في حفل اختتامها في أجواء مؤثرة ابن فاس الناقد السينمائي الأستاذ «أحمد سجلماسي»، الذي انخرط في الأندية السينمائية بالمغرب منذ أواخر الستينيات ، وشارك في العديد من اللجن السينمائية و قام بتنشيط العديد من التظاهرات و كتب العديد من المقالات في منابر مختلفة، و أصدر في سنة 1999 كتابا يحمل عنوان « المغرب السينمائي: معطيات وتساؤلات». كما تم في نفس هذا الحفل تكريم الفنان عز العرب الكغاط، ابن فاس هو أيضا، الذي يتميز كممثل بحضور بارز في كل أعماله المسرحية و التلفزيونية و السينمائية المختلفة. بعد ذلك قدمت لجنة التحكيم نتائجها حيث نوهت بفيلم «محفظة النجا» للمخرج محمد تسكمين من ثانوية الصداقة التأهيلية كلميم و أكاديمية كلميمالسمارة ، و منحت الجائزة الكبرى لفيلم « الطابق السابع « من ثانوية علال بن عبد الله بالعين و أكاديمية العيون الساقية الحمراء لمخرجه عبد الاله العلوي، و جائزة الإخراج لفيلم «أخطاء متعمدة « للمخرج عبد الإله زيرات من ثانوية ابن خلدون نيابة بن سليمان و أكاديمية الشاوية ورديغة، و جائزة السيناريو فيلم «رد البال» للمخرجة سعاد اولاد الطاهر من مدرسة سيدي ادريس و أكاديمية طنجة تطوان، و جائزة أحسن تشخيص إناث لسارة حميداش في فيلم «زهرة» من مدرسة حي الشهداء و أكاديمية فاس بولمان ، و جائزة أحسن دور ذكوري للطفل الموهوب «ماجد الكتبي» بطل فيلم «وضعية مشكلة» من مجموعة مدارس تلوين نيابة ورزازات و أكاديمية سوس ماسة درعة، و قد ضمت لجنة التحكيم التي ترأسها المخرج داوود أولاد السيد الممثلة أمال التمار، والممثل ربيع قاطي، والممثلة سهام أسيف، والناقد السينمائي حمادي كيروم. تضمن البرنامج أيضا مائدة مستديرة حول «كيفية تسيير مناقشة الأفلام» نشطها كاتب هذه السطور ومحمد فرح العوان، و درسا في السينما حول «السينما و التربية» بمشاركة الناقد السينمائي حمادي كيروم والمخرج داوود أولاد السيد والمخرج الفرنسي جوليان ارسين و سيرها أيضا كاتب هذه السطور، و ورشتين إحداهما في الإخراج لعبد الاله زيرات و الثانية في السيناريو لعبد القادر المنصوري.شهدت هذه الدورة حضور ضيوف فنانين آخرين من بينهم عبد الكبير الركاكنة و المنتج و المخرج جمال السويسي الذي تم تقديم فيلمه القصير «مركب من ورق» في حفل الافتتاح.