فاجأ وزير العدل و الحريات الرأي العام بتصريح قال فيه إن السياح الأجانب يقصدون مراكش التي تعتبر من أفضل المواقع السياحية في المغرب، «ليقضوا في ملاهيها وأرجائها أوقاتا يعصون الله فيها ويبتعدون عنه». تصريح الوزير هذا جاء خلال زيارة له إلى مدرسة قرآنية في مراكش و تناقلته وكالات الأنباء و المواقع الاجتماعية ليسري كالنار في الهشيم. والحال أن المثير في المسألة ليس التصريح بتحول مراكش إلى قبلة للسياحة الجنسية ، فهذا الكلام ليس جديدا، سمعناه مرارا و تعالت أصوات كثيرة للتنديد به، حتى من ساكنة المدينة نفسها، و لكن المثير حقا، هو أن يخرج وزير العدل بهكذا تصريح رغم أن لديه كل إمكانية لمتابعة ما من شأنه.. و ضرب كل يد عابثة بقوة القانون بدل التلويح بمواعظ أخلاقية لا تزيد الطين إلا بلة و توجه الرسائل الغلط إلى وجهات غلط. و في الحقيقة، إنها ليست المرة الأولى التي يحيد فيها وزراء في حكومة السيد بنكيران عن مهامهم ليتحولوا إلى دعاة أو وعاظ أخلاقيين، دون أن تكون لديهم لا القدرة و لا الرغبة في تغيير الواقع الذي منه يقتاتون! فقد سبق أن تناقلت العديد من وسائل الإعلام تهديد وزير الإعلام بالاستقالة من منصبه إذا استمر عرض ما وصفها بإشهارات القمار واللوطو في الإعلام العمومي، هكذا، كأن الوزير الذي يصطدم بما لا يحب و يرضى بمقدوره أن ينسحب مسؤولياته، دون أن يتحلى بقليل من المسؤولية حتى..! لقد كان ديغول، الرئيس الفرنسي الأسبق، كثيرا ما يحب أن يتوجه لوزرائه بالتأنيب إذا هم تبرموا من مهامهم قائلا، الوزير الذي يفتح فمه منتقدا عليه أن يستقيل، إذ ليس من مهام الوزراء أن ينتقدوا، بل أن ينكبوا على معالجة ما يرونه مختلا و أن يعملوا في صمت. طبعا وزراؤنا بعيدون عن كلام ديغول، فأصحابنا ربما لم يألفوا بعد وظائفهم، فهم لا يزالون يمارسون نفس الدور الذي تمرنوا عليه طويلا: المعارضة و لا شيء غيرها. إن تصريح الرميد كان يمكن أن يكون غير ذي بال لو أدلى به مناضل ما في حزب سياسي ، ولكن أن يقوم وزير بهكذا تصريح في بلد يطمح إلى تطوير أداءه السياحي و استقطاب ملايين السياح مع ما يعني ذلك من ضخ ملايير الدراهم في خزينة الدولة، فهذا لعمري قمة العبث، لأننا لا نحارب الظواهر السلبية التي تنخر مجتمعنا بالعنتريات و بالشعارات الجوفاء، بل بإعمال القانون والعمل على القضاء الجذري على الأسباب التي أدت إلى ذلك، أما أن نبعث بالرسائل الغلط لجهات غلط فتلك قمة الشعبوية ، و قطعا لا يمكن للبلاد أن تجني منها سوى اليباب. إن خرجات الوزراء المحسوبين على الحزب الأول باتت ممجوجة ، و لا يمكن لعاقل أن يقبلها في سياق معولم اختار فيه المغرب الانفتاح على العالم، مع ما يعنيه ذلك من أرباح ، و أيضا من خسائر! و هنا، أود أن أهمس في آذان حكومتنا الموقرة: إنكم لستم ملائكة، و تتولون أمر بلد لم يقل أحد أن كل مواطنيه من الملائكة ، فالمغرب كسواه، فيه من الظواهر السلبية ما قد لا يخطر على بال، و لكن بنفس القدر و أكثر، بلادنا لديها ما يكفي من المناعة كي تظل محصنة عما سوف يحرفها عن مسارها الذي ارتضته قرونا، و لا نحتاج الدروس من أحد، نحتاج فقط لمن يخاف الله في عمله ومن يؤدي واجبه في صمت و دون ادعاء مجاني زائف، فرجاء، ارحمونا..