صدر للشاعرة المغربية القديرة نجاة الزباير ديوانها الرابع «فاتن الليل» عن منشورات أفروديت بمطبعة وليلي في حلة إخراجية آسرة. فهي من الشواعر اللائي لهنَّ دورٌ فاعلٌ في تبنِّي الجديد الشعري وفق رؤية متقدمة، وحساسية لغوية تتنفس لوناً جديدا من التعبير الشعري، يتجه صوب زمن سوف يجيء إن لم يكن قد جاء، زمنٍ لا ينتهك فيه الشعرُ أَثَالَة اللغة، وبالمقابل لا تنتهك فيه اللغةُ جماليات الشعر بمُعْجَميَّتِها المفرطة، لكونه تعبيرا إنسانيا عميقاً عن عالم جديد يستحضر أكثرَ الألفاظ قدرةً على الإثارة والإيحاء. فقصائدها معجونة بماء الواقع والخيال، ووهج اللغة، وبذلك انتمت إلى قوة الشعر الحقيقي... تلك القوة التي كان كُونْفُوشْيُوسْ قد قال عنها:» إنها تُقوِّمُ الخطأ، وتحرِّك السماء والأرضَ». فهي (=القصائد) تمتلك قوة وجدانية وفلسفية وخيالية خارقة، تنطوي على مزيد من الإحساس بالمفارقة، ونعتقد أن قراءتها بوعي ستحفِّز على الابتعاد عن الأسلاف قصدَ إعادة القراءة، بقدر ما تثمِّن إنتاج الأسلاف قصد إعادة إنتاجاتهم بصورة أجد وأحدث، وذلك لأن إعادة القراءة تُعلي في الوقت نفسه من قيمة الاختلاف والانحراف، لا التطابق أو التشابُه. فالشبيه في الشعر ظلٌّ لا يقفز إلا على سراب ذاته، ومن هنا فإن المعوَّل عليه هو تفاعلُ الأشكال الفنية معاً وتجادُلها مع واقع الذائقة الجمالية، وواقع التلقي اللذين هما مُحصلة تجادُلٍ جديدٍ يحاول أن يستقرَّ، ومستقرٍّ يعادُ ترتيبُه وتجدُّدُ قراءته. هكذا تبقى شاعرتنا صوتا شعريا يتحصن بالذات وبمحلوم الآتي، ففضاؤها الشعري منفتح ومفتوح على احتمالات تعِدُ بالكثير والاستثنائي من الكتابة الشعرية، حيث تمتلك نصوصها مخزونا استراتيجيا من الخيال، والاستعارة، والإشراق اللغوي، والجذب الإيقاعي الهامس، ومن الإدراك السري للوجود. نقرأ من الديوان: أَفْرَغْتُ اُلْعُمْرَ فِي فِنْجَانِهِ وَبَيْنِي وَبَيْنِي مَشَيْنَا خُفَّانَا عِشْقٌ ظَمَأُنَا رِوَايَةٌ عَنْتَرِيَّةٌ وَلَمَّا تَعِبْنَا جَلَسْنَا بَيْنَ اُلْأَطْلَالِ نُرَدِّدُ « قِفَا نَبْكِ مِنْ ذِكْرَى حَبِيبٍ وَمنْزِلِ» فَهَلْ عُدْنَا غَرِيبَيْنِ يَصْطَادُنَا حُزْنُ اُلْخَرِيفْ أَمْ ضَائِعَيْنِ يَسْتَقْبِلُنَا أَلَمُ اُلنَّزِيفْ ؟!!