الرباط : العلم تغير المناخ ليس قضية اقتصادية أو اجتماعية فحسب، أو قضية كأي قضية اقتصادية واجتماعية أخرى، بل إنها واحدة من أعقد ما يواجه سكان العالم في أسباب عيشهم واستمرار حياتهم، ومن هنا كل هذا الاهتمام المشوب بالقلق الذي باتت تحظى به من قبل المجتمع الدولي، خاصة وأن الكثيرين يجدون فيها سببا من الأسباب التي ساهمت في ارتفاع أسعار المواد الغذائية خلال السنتين الأخيرتين. ولأجل مواجهتها عقدت أكمثر من مؤسسة دولية لقاءات للنظر في التداعيات السيئة لهذه الظاهرة على المدى البعيد، وفي حجم آثارها على مستقبل الناس، في ما يتعلق بغذائهم وبنصيبهم من الماء الشروب، وعلى كل مناحي حياتهم. وقد كشفت منظمة الأممالمتحدة للأغذية والزراعة أخيرا أن أرصدة الثروات السمكية وتربية الأحياء المائية ستتأثر بشكل عميق بالتبدّلات الناجمة عن تغير المناخ ، وأشارت في بيان يوم 10 يوليوز الجارى بأن ذلك سينعكس سلبا على أوضاع الأمن الغذائي لبعض الفئات السكانية في العالم. ويأتي هذا التحذير على هامش حلقةٍ دراسية علمية حول تغيُّر المناخ والثروات السمكية البحرية احتضنتها روما من 8 إلى 11 من يوليوز الجاري، وضمت أزيد من 200 خبير ومسؤول من صنّاع السياسات حول العالم، وهدفت إلى رسم صورة أكثر اكتمالاً لمدى تحديّات تغيّر المناخ الماثلة على الثروات السمكية البحرية وأنشطة الصيد، ومعها ملايينٌ من السكان المعتمدين عليها كموردٍ للغذاء والدخل. وأشارت المنظمة إلى أن لهذه التبدلات في المناخ تأثير على الأحياء البحرية في ما يتعلق بنموها وتوالدها وبالتالي على وتيرة إنتاجها. وأضافت الفاو أنه مع الاختلافات الإقليمية الكبيرة هذه من المحتمل أن يشهد العالم تبدُّلات ذات دلالة في إنتاج الثروات السمكية على امتداد البحار والمحيطات. وبالنسبة للمجتمعات المحلية التي تعتمد بشدّة على الثروات السمكية ، فإن أيّ تناقص في الإمدادات المحليّة أو هبوط نوعية الأسماك المتاحة للغذاء، أو حدوث زيادة في عدم استقرار موارد معيشة سكانها، سوف ينعكس في أسوأ أشكاله علي هيئة مشكلات ذات آثار خطيرة على الأمن الغذائي. ولاحظت المنظمة أن الآثار المادية والبيولوجية المرتبطة بتغيّر المناخ فيما يخص مصايد الأسماك والمجتمعات المحلية المعتمدة عليها، من تأثيرات مادية وبيولوجية، ستتفاوت بقدر تبايُّن التغيّرات ذاتها. فمن المحتمل أن تأتي سلبيةً أو إيجابية، بحسب الظروف المحليّة السائدة ومدى الضَعف أو القُدرة التكيفيّة للمجتمعات المشمولة بالظاهرة. وأكدت أنه سواء على المستويات المحليّة أو العالمية تقدّم مصايد الأسماك وتربية الأحياء المائية مساهمةً مهمّة في توفير الغذاء وتوليد الدخل. وثمة نحو 42 مليون شخص يعملون مباشرةً في القطاع، وغالبيتهم العظمى لدى الدول النامية. وبإضافة أولئك الذين يعملون في عمليات التجهيز المرتبطة بالقطاع، من تسويقٍ وتصنيعٍ وتوزيع، تتضح مدى أهمية القطاع كسنَدٍ لمئات الملايين من موارد الدخل وسبل المعيشة. وتساهم الأغذية المائية بنحو 20 بالمائة أو أكثر من كميات البروتين الحيواني، المُستحصَلة كمتوسط للفرد الواحد لأكثر من 2.8 مليار نسمة علي الأكثر من سكان البلدان النامية أيضاً. وترى المنظمة أن الأسماك تصنف كأكثر المواد الغذائية المتبَادلة تجارياً، وبذا توفِّر مورداً رئيسياً في ميزان الصادرات لا سيما في حالة البلدان النامية وعلى الأخص الدول الجُزرية الصغرى. وعلى ضوء هذه الحقائق توجّه المنظمة اهتمامها على نحوٍ متزايد، إلى دراسة كيفيّات التأثير المنتظر لتغيّر المناخ على أنشطة مصايد الأسماك وتربية الأحياء المائية. وكانت المنظمة قد عقدت في أبريل الماضي ورشةً للخبراء لبحث نتائج تغيّر المناخ على مصايد الأسماك وتربية الأحياء المائية، أي في موعدٍ سابق لمؤتمر القمّة المعني بالأمن الغذائي الذي عقِد في يونيو لبحث آثار التغيّرات المناخية والوقود الحيوي بشكل خاص، تمخض عنها إصدار وثيقةً شاملة تنظر في القضايا والأخطار التي تحتوي عليها هذه التطورات، وعرضت على الحكومات وصنّاع السياسات خطوطاً عاماً بشأن الردود والاستجابات الممكنة للبدء بعمليات التكيُّف والمواءمة فضلاً عن إلقاء الأضواء على مسؤوليات القطاع قياساً إلى دوره الممكن في الحد من آثار «البَصمة الكربونية» الملوِّثة.