إذا كان الكوجيتو الديكارتي هو أنا أشك إذا أنا أفكر وأنا أفكر إذا أنا موجود، فالبعض من السياسيين المغاربة تصرف في الشك المنهجي الديكارتي الذي كان طريقه لإثبات وجود الله، إلى كوجيتو إنتخابي مفاده أنا أشكك في الإنتخابات إذا أنا موجود، بل ذهب الحماس بأحد الإخوة إلى القول بوضوح تام أن نزاهة الإنتخابات تعني بالضرورة تصدر حزبه للنتائج وأضاف أكثر من ذلك عندما قال بأن حكومة لا يقودها حزبه هو إنتكاسة لإنتظارات الشعب المغربي وعدم إدراك لمطالبه التي خرج يعبر عنها، وكل هذا الكلام مرفوقا بالتهديد بالنزول إلى الشارع والإنخراط في ما يسمى حركة 20 فبراير، وكأن هذه الحركة حافلة تنتظر فقط من يمتطيها ولو تأخر عن موعد السفر، وكما تقول العبارة الشهيرة المكتوبة على بطاقة الحافلات « من لم يحضر وقت السفر، لا تقبل منه شكاية «...بإختصار شديد فهذا المنطق مرفوض سياسيا وأخلاقيا لماذا؟ أولا المغرب يجتاز مرحلة مطبات « سياسية « شديدة الخطورة في محيط إقليمي ودولي متحول، ما يجعل البلاد ككل أشبه ببرميل بارود قابل للإشتعال عند أية شرارة، فما بالك عندما يتم قذف الحمم بلا حسيب؟ ثانيا المواقف السياسية للأطراف المختلفة مما يجري ببلادنا، يجب أن تكون مواقف مبدئية، وليست بطبيعة إنتهازية و بالدارجة المغربية الفصيحة تعمل وفق « شدوني ولا النطيح «، فمن كان يرى في مبادرات 20 فبراير هي المخرج من الوضع الحالي للمغرب بغض النظر عن صدقية التحليل أو لا، فله ذلك، فأنا رغم إختلافي مع العديد من الأشخاص والتيارات السياسية داخل 20 فبراير، فإنني مع ذلك أحترم إختياراتهم حتى ولو كانت ضد قناعاتي، أما أن تتحول هيئة سياسية في كل محطة هي من طبيعتها الثابتة الخلاف والإختلاف، إلى التهديد بالإلتحاق ب 20 فبراير، فإن هذا الأمر يدعو إلى الشفقة، لأنه يكشف عن إنتهازية نضالية غير مقبولة ويوضح أن آخر شيء يمكن توقعه في الواقع السياسي المغربي هو أن تتحرك مختلف الأطراف بناء على مواقفها التي تنتجها وفق تحليلها الخاص للوضع العام والإنحياز الجريئ لقضايا الوطن، ودون تلغيم هذا الإنحياز بمنطق حسابي إنتخابوي، والمصادفة الدالة هو أن الخطاب الملكي ل20 غشت من بين النقط التي توقف عندها بقوة وصراحة، هو بالضبط هذا المنطق الإنتهازي في التعاطي مع المسألة الإنتخابية من زاوية الربح العددي وليس من زاوية المشروع الإجتماعي والتنموي، حيث لا يمكن قبول من يقول أن نزاهة الإنتخابات هي أن يفوز هو بالمرتبة الأولى، هذا منطق تعشش فيه ديكتاتورية مخيفة، فليس هناك سياسي محترم يقول هذا الكلام عن حزبه في أية ديمقراطية في العالم، وهذا الأمر يذكرنا مع الأسف كيف تعاطى بعض الإخوة سنة 2007 مع بعض إستطلاعات الرأي الأمريكية والتي وزعت ساعتها مقاعد مجلس النواب بسخاء على بعض الإخوة، فتحول الأمر من مجرد إستطلاع للرأي يفتقد إلى الكثير من الشروط العملية والتقنية، إلى ما يشبه عند الإخوة إعلانا أوليا عن نتائج الإنتخابات، فما كان من الإخوة سوى أن يزبدوا ويرغدوا بعد خروج النتائج الحقيقية بعيدة عن أحلام اليقظة التي أشعلها الإستطلاع الأمريكي... هل يحق للسياسيين أن يشككوا في الإنتخابات قبل إجرائها؟ شخصيا لا أعتقد بأن أمرا كهذا سيكون إيجابيا بالنسبة للمستقبل، فبكل تأكيد يمكن التشدد حيال العديد من القوانين التي تنظم العملية الإنتخابية، مع العلم أنه ليس هناك إطار قانوني مثالي بالنسبة للإنتخابات في العالم ككل، فكل نظام له مزايا وعيوب وذلك في أعتى الديقراطيات في العالم،ويجب القبول بأن لعبة التوافق تزيد من تشويه بعض القوانين لكن هذا أمر واقع يفرضه السياق أكثر مما تفرضه القناعات...زد على هذا الأمر أن نمط الإقتراع لا يفرز حزبا واحدا مهيمنا، فكل من سيتصدر الإنتخابات المقبلة هو بحاجة إلى تحالف مع أحزاب أخرى ، وهو ما يجعل التشكيك القبلي مرفوضا وخطيرا على تحالفات الغد، فكيف سيرى المشككون والمشترطون أنفسهم غدا سواء إحتلوا مرتبة أولى أو متأخرة، وهم يجرون مفاوضات مع أحزاب تصدرت نتائج الإقتراع؟ اللهم إذا كان الإخوة يرفعون شعارا وحيدا هو « قيادة الحكومة أو الشارع « فهذا منطق إخر يعني إنتحارا تنظيميا مؤسفا لا في توقيته ولا في إخراحه... المغرب بحاجة إلى الحزم في التعاطي مع موضوع النزاهة، وعلى الجميع أن يكون في مقدمة المواجهة ليس بمنطق النزاهة تعني أن أكون في الصدارة، ولكن بمعنى النزاهة التي ترتبط بالمصداقية التي تحتاجها مؤسسات الغد لتفرض إحترامها في الداخل والخارج ويكون بإستطاعتها إبداع الحلول وبحث إمكانيات تطبيقها دون إعتراض عمومي وفي أجواء يطغى عليها الإستقرار..هل ستكون الإنتخابات المقبلة نزيهة؟ هذه نوعية من الأسئلة التي يصعب الجواب عليها بمنطق « نعم « أو « لا «؟ فنزاهة الإنتخابات لها أبعاد سياسية وقانونية وإجتماعية معقدة، ما يهم في هذه المرحلة هو إستنفاد الإمكانيات القانونية والسياسية فيما يتعلق بالنزاهة والرهان على تحولات في السوسيولوجية الإنتخابية تساهم في الإنزياح التدريجي لكل المظاهر التي كانت تسيء للطابع الديمقراطي للإقتراع، وهذه عملية لا أتصور أنها سهلة كتلك التصريحات الباردة التي يقدمها السياسيون في الموضوع...يجب أن لا نوهم أنفسنا ونوهم الرأي العام بأن الانتخابات المقبلة ستكون مثالية، فهذا الأمر لا يتحقق بالأماني فقط والتصريحات الغليظة إنما بعمل جدي ملتصق بالناس على المدى البعيد.