حضرات الأخوات والإخوة، مشكور منتدى أصيلة الثقافي على هذه المبادرة القيمة والطيبة التي أثرت في نفسي أكبر تأثير، والتي قادها أخونا الأستاذ محمد بنعيسى بمبادرة وتصميم وتقدير وتوضيب، ومشكور هو الأخ بنعيسى الذي أصر على أن يجعل من هذه المدينة الجميلة الطيبة مدينة الشعر والثقافة والأدب، وجعل من رحابها وحدائقها أسماء لامعة في عالم الفكر والأدب والشعر وجعل من شوارعها مقرات ولوحات فنية لأدباء ومثقفين وشعراء وفنانين رسامين. الشكر له على هذه المبادرة التي كانت تكريما منه للثقافة المغربية في شخصي منه للفكر المغربي الذي سكنه بنفسه وأصبح جزءا من حياته، و الشكر موصول كذلك للأخوين الذين تحملا مشقة إدارة جلستي الصباح والمساء الأستاذ خالد الناصري والأستاذ العزيز والصديق الكبير مولاي امحمد الخليفة الذين قادا هذه الجلسات باقتدار وكفاءة، وأود أن أقول، أن مثل هذه الاجتماعات هي ضرورية للغاية ،لا لتكريم أشخاص عابرين تكريمهم قد لايزيد ولاينقص، ولكنه تكريم للثقافة والفكر والأدب. نحن في بلاد تكاد تعرف بأنها تتنكر لتراثها ولإنتاجها ويكاد آخرون لايعرفون الكثير عنها، ولكن الآن أصبح الجيل الجديد يعترف ويذكر ويتذكر الذاكرة الحية التي هي جزء من حياة الشعوب، وحياة المثقفين فيها ،ولذلك، فأنا أعتز بهذا اليوم التاريخي في حياتي الذي أعتبره كما قلت تكريما للثقافة والأدباء والمثقفين الذين يستحقون أكثر مني هذا التكريم وهذا الإطراء، وأذكر دائما أنني لم أكن وليد نفسي، فأنا ما أعطيت لنفسي مكانتي أو عملي ولكني كنت وليد تربية وتثقيف وتعليم، فمنذ صغري كان الأساتذة مربين قبل أن يكونوا معلمين، وكانوا مثقفين قبل أن يكونوا أساتذة علم، وكان الأستاذ منهم يراعي الأطفال الذين يتعلمون عنده كما يراعي أبنائه ويعلمهم كيف يسيرون في الحياة، يعلمهم الرجولة ويعلمهم كذلك الاستمرار في العمل، ويعلمهم التواضع ويعلمهم الإنطلاق في مسيرة لانهاية لها إلا بالموت، وهذا سر ما تمتع به كثير من العلماء والمثقفين في المغرب الذين كان من حظهم أن يتعلموا وأن يتثقفوا على يد معلمين وأساتذة وطنيين قبل أن يكونوا رجال علم، ولذلك أعتقد أنه منذ الصغر انفتح فكري على كل هذه العوالم لأنني سمعت عنها الكثير، ودهشت لاني سمعت لأول مرة، واكتشفت ما تحدث به الإخوة ،واكتشفت كثيرا مما تحدثوا به، وحاولت أن أرجعه الى مصدره الأول فوجدت أن المعلمين الأوائل كانوا مصدر كل معرفة وكل أدب.. وفي نظري أنا على الأقل لم تعد للأدب القيمة الكبرى أو على الأقل ليس له القيمة الكبرى في بلادنا مثل ماهي لبلاد مستغنية عن كل شيئ، ويبقى الأدب ترفا يحتفل به الأدباء والمثقفون والكتاب المحترفون، لا، إن الأدب والكتابة في الأدب وفي الثقافة مسؤولية ورسالة، فإذا لم تكن تستطيع أن تقول شيئا لبلادك، أن تحمل رسالة لبلادك فلا داعي لأن تكون كاتبا ولاشاعرا ولامؤلفا ولاروائيا، عليك أن تهتم بشيء آخر، أما الأديب في بلاد مثل بلادنا فيجب أن يكون واعيا بالمسؤولية وعاملا لمصلحة الوطن وداعيا ويعيش دائما بالشعب ومع الشعب، لا أن يعيش في برج عاجي يفرض الأراء وينشر الأفكار الوهمية أو الأفكار الهيولية على الناس، لا، الأدب في بلادنا أدب رسالة، والأدباء حاملوا رسالة وثقافة وعمل ،ولذلك أدعوا الإخوة الذين يهتمون بالنوادي الثقافية ومنها نادي منتدى أصيلة، أن يحملوا هذه الرسالة وان يجعلوا من الثقافة ومن الأدب رسالة للرقي بالشعب والعمل من أجل الشعب، هكذا أفكر وهكذا أعمل. أرجو أن أكون قد وفقت في بعض ما كتبت، وكتبت الكثير، ربما فيه الغث وفيه السمين، ولكن مع ذلك ما قصدت إلا الخير، ما قصدت إلا الخير والعمل من أجل بلادي، فقد ربطت طيلة مساري بين المثقف والوطني، بين الحبس والبرلمان، ربطت بين الكاتب والمناضل من أجل البلاد والوطن ، هكذا تعلمت ، وهكذا سرت في حياتي، إذا قرأت آخر ما كتبت أو أول ما كتبت ستجد أن هناك خيطا يصل بين أول ما كتبت وآخر ما كتبت، وهذا الخيط هو هذه الروح الوطنية الصغيرة التي تنفث روحها في القلم وفي الكلمة في القطعة في المقالة وهكذا، في القصة وفي الرواية في البحث وفي الكتاب. أشكركم أيها الإخوة والأخوات على هذا الوقت الذي سعدت به بينكم، والذي كان حقيقة من أسعد أيام حياتي، وأعود فأشكر كذلك منتدى الثقافة الأصيلي. وأشكر الأخ بنعيسى على الفرصة التي أتاحها لي في هذا اليوم السعيد، وأعدكم بأني سأسير على الدرب مابقي من حياتي إلى أن ألقى الله وشكرا. كلمة الأستاذ محمد بنعيسى أمين عام منتدى أصيلة الثقافي غلاب «مثقف شامل» يصعب حصره في خانة دون أخرى حضرات السيدات والسادة الحضور الكريم أشعر بسعادة غامرة، إذ أفتتح هذه الندوة المقامة تكريما واحتفاء بأحد أعلام الوطنية والأدب والفكر في بلادنا مَنْ أثرى مشهدنا الثقافي على مدى أكثر من نصف قرن، فأمتع وأفاد أجيالا ووجهها نحو قيم الحرية ومكارم الأخلاق. أرحب أصدق الترحيب بالإخوة والأصدقاء من داخل المغرب وخارجه، الذين لبوا دعوتنا ليقاسمونا متعة هذه اللحظة الرائقة الدافقة بأنبل العواطف وأرق المشاعر، تتيح لنا جميعا نحن أصدقاء الأستاذ غلاب ومحبيه وقراءه، التعبير له عن كبير التقدير وجميل الامتنان والعرفان، على ما أسداه لوطنه وللفكر من عطاءات غزيرة ومميزة، ستظل شاهدة على غنى وعمق شخصيته الفذة التي تحضر معنا اليوم. أعبر عن الشكر الخالص للأساتذة الباحثين والنقاد والإعلاميين، الذين سيدلون بشهاداتهم وقراءاتهم في هذه الجلسة عن بعض المتون الأدبية والفكرية لأستاذنا غلاب. وأنوه بالمناسبة بجهود المشاركين في الكتاب المعنون: «عبد الكريم غلاب: الأديب والإنسان» الذي يُسعد مؤسسة منتدى أصيلة أن تنشره بتزامن مع إقامة هذا التكريم، كمساهمة ضمن أخرى في إضاءة العوالم الرحبة والخصبة التي شيدها هذا الأديب الفاضل بصبره ودأبه وتفانيه. الحضور الكريم لقد كرم الأستاذ عبد الكريم غلاب من قبل هيئات ومؤسسات ثقافية داخل بلادنا وخارجها، ونال عدة جوائز تقديرية. وأظنكم تشاركونني الرأي والقول، في أن ما قيل وكتب وأنجز عن الأستاذ غلاب من أبحاث، وهو ليس بالقليل، لم ينصفه تمام الإنصاف، ولم يُحط الإحاطة الشاملة والمطلوبة بكل ما تحفل به آثاره وهي التي لامست أبرز وأصعب فنون القول الإبداعي في فترة خاصة، من رواية وقصة قصيرة وسيرة ذاتية وتدوين رحلات. السيد عبد الكريم ليس منتجا عاديا لتلك الأجناس الأدبية، ولكنه مؤصلها ومطورها ومجددها، أدخلها إلى صفحات السجل الثقافي المغربي. واستحق على كل ذلك بجدارة صفة «مؤسس الرواية المغربية الحديثة». فعمله السردي الرائد «دفنا الماضي» يعد بإجماع من درسوه، أول رواية مغربية حديثة، مكتملة الشروط الفنية. وهي المعتبرة أيضا بمثابة وثيقة وصفت بمهارة فنية عالية، أطوار الصراع والانتقال في مجتمع، هو المغرب، يحاول أن يتخلص من أغلال الماضي وقيوده التي استحقت الدفن، لينخرط في الزمن الحاضر بمشاكله وتعقيداته وليعانق المستقبل بآماله وتطلعاته. إلى جانب هذه القامة السامقة في دنيا الأدب، تُبهرنا في سيدي عبد الكريم غلاب قدرته الاستثنائية على الجمع والتوفيق بين متاعب العمل السياسي ومحنه، باعتباره أحد أبرز قادة حزب الاستقلال، وبين الانشغال بهموم الفكر وكأنه منقطع لها، وكذلك التأليف في عدد من الحقول المعرفية، توزعت بين النقد الأدبي والتاريخ والسياسة والاجتماع، وغيرها من القضايا التي أثارت الجدل في فترة من تاريخنا الحديث مثل المسألة اللغوية والدستورية والإصلاح القروي والسياسي ودور النخب في الحراك العربي، حيث كان المدافع بقوة الحجة والإقناع عن الرأي الصائب. ونحن إذا ما ألقينا نظرة أولى على جرد مؤلفاته المطبوعة والمنشورة، فلابد أن يمتلكنا شعور بالإعجاب بتلك الموسوعية وبالقدرات الفائقة، التي تنم عن إخلاص يندر أن يوجد مثيل له بين عموم الكتاب. نحن نغبطه على تلك النعمة وعلى رحابة الفكر وسعة الخيال وعمق الوجدان ورشاقة القلم وسلاسة الأسلوب وخفة الروح ورقة المزاج. فلتهنأ أستاذنا الكريم بما وهبك الله من سجايا. ال++سيدات والسادة، أود أن أصارحكم، بأن فكرة تكريم أستاذنا سيدي عبد الكريم غلاب خامرتني كثيراِ ومنذ مدة. لا تنسوا أنني شاطرته في فترة مهنة الصحافة. كما شاركت الأستاذ غلاب هموم الإعلام والثقافة كأعضاء في لجنة ثقافة الإعلام في البرلمان المغربي من 1977 إلى 1981، حيث قدمنا استقالتنا من مكتب اللجنة احتجاجا على عدد من التلاعبات التي طالت رئاسة اللجنة. كنت أبحث عن الصيغة الملائمة والجديرة بتكريم مفكر في حجمه، تعددت إسهاماته ومواهبه. تساءلت عن الجانب الذي يستحق الأولوية والإبراز أكثر من غيره: الإعلامي، المؤرخ، الأكاديمي، المبدع... لأخلص إلى نتيجة أننا حقا في حضرة «مثقف شامل» يصعب حصره في خانة دون أخرى. ومن هنا، فإني أسارع إلى التنويه أنه يجب النظر إلى هذا التكريم، على أنه أولا وأخيرا مجرد تحية تقدير وعربون مودة من مدينة أصيلة، التي له فيها قراء ومقدرون لفضله وعلمه، ومن مؤسسة منتدى أصيلة التي دأبت، قدر إمكانياتها، على الالتفاتة إلى رموز داكرتنا الثقافية والوطنية، من ساهموا في إثراء الرصيد الرمزي والمعنوي لبلادنا، فعرف المغرب بفضلهم بين الأوطان الأخرى . سيدي عبد الكريم أحييك تحية مشفوعة بأجمل التمنيات بأن يمتعك الله بالصحة والعافية، وصفاء الذهن ويقظة الوجدان، حتى تواصل عبء الرسالة التي حملتها منذ أن تغربت عن وطنك وأهلك وأنت فتى يافع، لتعود إلينا حاملا مشعل المعرفة والوطنية. أجدد ترحيبي بك وبحرمك المصون التي نحييها تحية إكبار واحترام وتقدير كمناضلة بالصبر والعطف والحنان ورفيقة حياة مليئة بعظام الأحداث والمفاجآت وأم حنون رعت برقيق عطفها ودماثة خلقها أسرتها الكريمة أطال الله عمرهم جميعا. مرحباً بك في مدينتك وبين أهلك وأصدقائك ومتذوقي أدبك. أشكركم على حسن إنصاتكم والسلام عليكم ورحمة الله.