نواصل الحديث عن موضوع شائك قديم وحديث بدأناه قبل اندلاع الأحداث الأخيرة في العالم العربي إذ صدرت أول حلقة منه يوم الجمعة 26 نونبر 2010 . وهو موضوع أزمة القيادة في المجتمعات الإسلامية وما كدنا نعيد تحيين ما سبق نشره في سنة 1970 حتى طفا على السطح ما سمي بفضيحة (ويكيليكس) التي نال منها القيادات في المجتمعات الإسلامية أوفى نصيب ثم جاءت بعد (ويكيليكس) رياح التغيير التي هبت على تونس ومصر وذهبت بطاغيتي البلدين وعنصرين من عناصر أزمة القيادة بين الشعوب والمسؤولين في المجتمعات الإسلامية.. وتحدثنا عن غياب الفكر باعتباره مظهرا من مظاهر الأزمة كما تحدثنا عن الحرية باعتبارها مظهرا من مظاهر أزمة الحكم في المجتمعات الإسلامية وذلك على مستويين المستوى الأول: تأصيل مفهوم الحرية، والمستوى الثاني وضعية الحرية في المجتمعات الإسلامية. وتحدثنا عن الأوضاع الاجتماعية والدينية والسياسية التي أفضت بالعالم الإسلامي إلى الوقوع في يد الاستعمار والصليبية الغربية في القرون الثلاثة الأخيرة: 18 – 19 – 20 الميلادية. وفي الحلقة العشرون نواصل تحليل الأوضاع في العالم الإسلامي في نفس الفترة دون إغفال الإشارة ولو عرضا لما يحصل حاليا بين الشعوب والقيادات في العالم الإسلامي، نظرا للترابط الحاصل بين ما يحدث الآن في العالم الإسلامي أو في أجزاء كثيرة منه وبين الواقع في فترة بداية النهضة التي تحدثنا عنها. وإذا كنا تحدثنا في القسم الأول و الثاني من الحلقة السابعة عن المسألة الدستورية في المغرب. فإننا في هذه الحلقة سنواصل الكلام عن الشرعية باعتبار أن ما تعانيه الشعوب في المجتمع الإسلامي من أزمة القيادة هو جزء من إشكالية الشرعية في المجتمع الإسلامي مخصصين هذه الحلقة للتساؤل عن استمرار البيعة الأولى والإشكالات التي طرحت بعد وفاة الرسول عليه السلام. السؤال المفتاح إذا كانت الشرعية في المجتمع الإسلامي تستمد جذورها كما أسلفنا في الحديث الأخير من بيعة العقبة ومن وثيقة المدينة ورضا وقبول المسلمين وغيرهم بذلك والتأكيد القرآني على هذا الرضى «ان الذين يبايعونك إنما يبايعون الله» ودرج المسلمون على التسليم والقبول من غير تأفف أو نزاع، فهل هذه الشرعية استمرت في المجتمع الإسلامي بعد وفاة الرسول؟ إن هذا السؤال لا يزال الجواب عنه متواصلا منذ وفاة الرسول عليه السلام إلى اليوم بأساليب مختلفة، بل ان الجواب عنه أثرى الحياة الفكرية والسياسية في المجتمع الإسلامي، بل انه السؤال الذي نشأ عن الجواب عنه عدد لا يحصى من الفرق الإسلامية ومن المذاهب والتوجهات الفكرية، مع تتسم به هذه المذاهب والتوجهات من عنف أحيانا ومن مسالمة ومقارنة الحجة بالحجة أحيانا، وهي على أي حال تطبع الحياة الإسلامية في بعض الأحيان وفي مختلف العصور بميسم التطرف والغلو، كما أنها في حالات معينة تخلق نوعا من التحلل من الواجبات والقيود، وفي كل الأحوال أن حيوية الفكر الإسلامي لا يمكن الحديث عنها دون ذكر ما لبعض هذه المبالغات هنا وهناك من أثر. البيعة والمغامَرة وعلى أي حال فإن الفقه السياسي في الإسلام ليس وحده فقط الذي نما وترعرع حول الإجابة عن السؤال أعلاه، ولكن علم الكلام أيضا بكل عمقه وأبعاده، وبقية فروع الفقه والأجوبة عن الأسئلة المطروحة في شكل الفتوى أو المطارحات والسجالات الفقهية تمت بصلة إلى الجواب عن هذا السؤال من قريب أو بعيد. ولا غرابة أن نجد كتب الفرق والمذاهب القديمة تفتح الكلام عن الفرق والمذاهب الفكرية بالحديث عن أصل نشأة الخلاف والنزاع بين المسلمين فتجد أنها تنطلق من بيعة السقيفة «سقيفة بني ساعدة» هذه البيعة التي بادر بها عمر بن الخطاب رضي الله عنه غيره من الحاضرين فبايع أبا بكر، ولكنه كان يقول بعد ذلك أنها بيعة وقى الله المسلمين شرها، وهذه القولة نفسها تجد الناس يؤولونها على أنها كانت متسرعة وكان يمكن ان يترتب عنها شيء كما تجد من يعتبر أنها لو لم تكن المبادرة بالبيعة لكان الأمر قد ينال من وحدة الصف وجمع الكلمة تطور إلى خلاف بين المسلمين قد يترتب عنه أمر خطير وجثمان الرسول صلى الله عليه وسلم لو يور التراب بعد فهي على أي حال بيعة أكاد أقول كان فيها عمر رضي الله عنه مغامرا سياسيا. مبادرة حققت الوحدة وعلى أي حال فهي عملية بشرية أملتها الظروف التي وجد فيها المسلمون أنفسهم بعد وفاة الرسول دون أن يكون قد ترك وصية شفوية او مكتوبة من شأنها أن تحسم في الأمر حسما لا خلاف فيه، إذ كان الكل قد فوجئ بما حصل حينما التحق الرسول بالرفيق الأعلى، فهذا عمر نفسه صاحب المبادرة بالبيعة لم يقتنع في البداية بوفاة الرسول، ولكنه عندما رد إلى رشده وعاد إلى نفسه بتذكير من أبي بكر تحرك حتى لا يحدث عقب الوفاة ما يضر بالمسلمين ولاشك أن عمر «رض» قد أخذ العبرة من نفسه ومن رد الفعل الذي كان لديه عندما سمع بوفاة الرسول فبادر حسما للجدال والخلاف. التحدي والجواب ان السؤال حول البيعة الأولى ونقلها للشرعية شكل تحديا في الحياة السياسية في الإسلام فيما بعد ذلك، والجواب عن هذا التحدي أثرى -كما قلنا- الحياة الفكرية والسياسية، ولكنه في نفس الوقت شكل نقطة ارتكاز لدى بعض الناس الذين كانوا يتربصون بالإسلام ودعوته، وليس بالضرورة بين المومنين الأولين من الصحابة وغيرهم، ولكنه من جماعة المنافقين والذين في قلوبهم مرض من الناس الذين اعتبروا الإسلام قطع الطريق على أحلامهم في السيطرة والاحتكار الديني، من أهل الكتاب الذين لم يرضهم أصلا ما جاء به محمد وما لاقته دعوته من نجاح من لدن العرب وغيرهم من الناس الذين تجاوبوا مع الدعوة وكسروا بذلك ما كان لدى بعض أهل الكتاب من احتكار كلمة السماء ومن أمل في استمرار هذا الاحتكار. ومع كل ما حصل من أفعال وردود أفعال عقب بيعة السقيفة فإن الوحدة سرعان ما سادت المجتمع الإسلامي في المدينة، وزال بعض الأثر الذي كان لدى البعض والذي لم يكن ناتجا عن مواخذة في حق الشخص المبايع ولا في حق المجتمعين في السقيفة واتخذوا القرار ولكن في الشكل كما يقال أكثر من غيره.. التدبير الإنساني وعلى أي حال فإن الحياة السياسية الإسلامية أخذت مجراها منذ ذلك اليوم على أساس التدبير الإنساني والاجتهاد البشري، لأن الوحي لم يعد قائما وإنما بقي الاعتماد على النصوص الكلية والقواعد العامة التي جاء بها الوحي والتي كانت ولا تزال حاضرة دائما في كل الظروف والأحوال. إن القرآن الكريم الذي يعتبر في الواقع دستور الإسلام والمسلمين هو كتاب توجيه وإرشاد وكتاب تشريع كذلك ولكنه لم يقيد المسلمين تقييدا لا يمكنهم من الاجتهاد والعمل الخلاق باستعمال ما وهبهم الله من عقل وفكر وإذا نظرنا نظرة تأمل إلى مسار انتقال الشرعية في الدولة الإسلامية الأولى نجد أنها تعتمد أساسا على الاجتهاد البشري الإنساني أكثر مما تعتمد على النص كان كتابا أو سنة فالنقاش في السقيفة اعتمد على منطق الواقع السياسي والقبلي أكثر من اعتماده على نص محدد من كتاب أو سنة تعم ورد استعمال الحديث «الأئمة من قريش» ولكن كيف؟ ومتى؟ على أي حال فإن المرجح كان هو الصفات والمؤهلات الشخصية والإيمانية والجهادية للخليفة الأول أكثر من أي شيء آخر، ولو كان الأمر يعتمد نصا معينا لأبرزه من كان يرى ضرورة وجود مبايع آخر. الاجتهاد مستمر ويؤكد هذا الأمر ما درج عليه عمر بعد ذلك في اختيار هيأة شورية وعهد إليها باختيار الخليفة وهذا أسلوب مغاير للأسلوب الذي اعتمد في بيعة عمر حيث كان باقتراح من الخليفة قبله واجازه المسلمون. ولكنه مع ذلك فان الإجماع حول الشرعية لحقه ما لحقه في آخر خلافة عثمان وخلافة علي رضي الله عنهما. والذي أريد أن أقوله في هذا الموضوع هو أن الأمر ليس دينيا صرفا نعم يعتمد الشرعية الدينية باعتبار الأمر العام بوجود ولي الأمر من المسلمين يتولى شؤونهم ويرجعون إليه في تصريف الأمور وحماية المسلمين ومصالحهم، ولذلك فإن الاستمرارية هي التي برزت عندما تولى أبو بكر شؤون المسلمين فعمل على أن تتوجه الجيوش التي قرر الرسول إيفادها للقيام بالدعوة ولم يغير من أمرها شيئا إلا حالة واحدة بعد أخذ رأي المسلمين فيها فإذا كان وجود الخليفة أمرا لازما فالطريقة والأسلوب لاختياره ليس أمرا محتما ولا لازما والا دعاء بوجود نص مفصل في الموضوع هو ادعاء لا يبرره واقع النصوص الموجودة ولا الأحداث التي تلت بعد ذلك إذ لو كان هناك نص لأبرزه الصحابة فيما بعد ذلك وبالأخص عندما نازع معاوية في شرعية بيعة علي (رضي الله عنهما) عندها. القرآن والقيم الأساس والحقيقة كما يؤكدها الكثير من الباحثين في الموضوع أن القرآن وضح القيم الأساسية وكذلك السنة والجوهرية للنظام السياسي الإسلامي سواء بالنسبة «للأمة» -أفرادا وجماعة- أو ما اصطلح على تسميته «بالمحكوم» أو المحكومين، أو بالنسبة «لرئيس الدولة» أو الحاكم الأعلى «الإمام». فأوضحت عقيدة الإسلام وشريعته حقوق «الإنسان» في الدولة الإسلامية وواجباته/ وبينت حرياته الأساسية المتعلقة بكيانه البدني المادي وكيانه الفكري المعنوي.. كما أوضح كتاب الإسلام وسنة رسوله عليه صلوات الله إليه الحاجة الأساسية لقيام «حكومة» منظِّمة (بكسر الظاء) للمسلمين تكون هي في ذاتها منظَّمة (بفتح الظاء)، وبينا القيم الأساسية للسلطة الحاكمة في الدولة الإسلامية وعلى رأسها صلتها الوثيقة بالأمة المسلمة وانبثاقها عنها واستنادها إليها دائما والتزامها بشريعة العدل الإلهي التي أتى بها الإسلام، ويتجلى هذا كله في الآيتين القرآنيتين الجليلتين الزاخرتين بالمعاني الرائعتين في التوجيه والبيان، وقد أسماهما بحق الإمام ابن تيمية آية الأمراء: «إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها، وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل، إن الله نعما يعظكم به، إن الله كان سميعا بصيرا. يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم، فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر، ذلك خير وأحسن تأويلا». فتحي عثمان (من اصول الفكر السياسي) ص:11 . التنظير السياسي والمسلمون لم يتركوا أمر التقعيد والتنظير للدولة في الإسلام وما يجب ان تبنى عليه نظمها السياسية والإدارية بل ان فقهاء الأمة وقادة الرأي فيها عملوا على إثراء العمل السياسي والإداري في الدولة الإسلامية، وكان اعتمادهم في هذا العمل الجبار على مصادر الفقه الإسلامي المعتمدة في أصول الفقه وقواعد استنباط الأحكام. ولاشك ان هناك أربعة أصول معتمدة في هذا الباب وهي الكتاب والسنة والإجماع والقياس هذه الأصول تكاد تكون موضوع إجماع عند الفقهاء والأصوليين مع اعتبار بعض الملاحظات أو الشروط التي يأخذ بها البعض في الإجماع أو القياس أو حديث خبر الواحد. وهذه أمور تناقش في مكانها من كتب الأصول اما بقية المصادر من الاستحسان والمصالح وسد الذرائع وغيرها فكل مذهب يأخذ بها بطريقته الخاصة، إلا أنه في مجال الاجتهاد في الفقه السياسي هناك أصل معترف به ويأخذ به الجميع وهو ما يعبر عنه بالسياسة الشرعية وقد كتب فيه العلماء من مختلف المذاهب الإسلامية وهي تختص بأمر يكون النص من كتاب أو سنة لم يرد فيه وتقتضي مصلحة المسلمين أن يكون فيه رأي أو عمل معين. السياسة ومقاصد الشرع وعلى أي حال فإن مجال الاجتهاد في السياسة الشرعية يعتمد أساسا على مقاصد الشريعة التي جاء الشرع الإلهي والأديان السماوية لحمايتها وتنميتها وتلقاها دووا الفطرة السليمة بالقبول وحددوها في الحاجيات والضروريات والتكميليات. وإذا كان بعض الناس في القرن الماضي قد حاولوا التنكر لكل هذا فإن الواقع التاريخي والسياسي والفقهي ضد توجههم بالأساس ولأن رفض هيمنة الفقهاء أو رجال الدين الذين لا أصل لوجودهم في الإسلام لا يمكن أن يكون مبررا للتنكر لكون الإسلام جاء لتنظيم الحياة الإنسانية في المعاش والمعاد دينا ودنيا. ومع ان الحياة الإسلامية عرفت الحيوية السياسية والصراعات الفكرية، فإن بعض الباحثين والدراسات للفكر السياسي في الإسلام يتجرأون ويقولون أن الحياة الإسلامية لم تعرف الفقه السياسي أو الدستوري والواقع يكذب هذا الادعاء فالعلماء المسلون انبروا لهذا الموضوع يؤصلون فيه ويدرسون كما في غيره وفي هذا يقول فتحي عثمان: العلماء يؤصلون «ثم شرع علماء الإسلام يؤصلون هذه التجارب التنظيمية السياسية ويقتنونها بعد زمن طويل من التطبيقات المبكرة... فتناول «الإمامة» علماء العقيدة على اعتبار أنها مبحث من مباحثها، مثلما فعل القاضي أبو بكر محمد بن الباقلاني (المتوفى عام 403 ه) في كتابه «التمهيد في الردّ على الملحدة المعطلة والرافضة والخوارج والمعتزلة»، وأبو منصور عبد القاهر البغدادي (المتوفى عام 429ه) في «كتاب أصول الدين»، وإمام الحرمين عبد الملك الجويني (المتوفى عام 478 ه) في كتابه «الإرشاد إلى قواطع الأدلة في أصول الاعتقاد»، وأبو حامد الغزالي (المتوفى عام 505ه) الملقب بحجة الإسلام في كتابيه «فصائح الباطنية» و «الاقتصاد في الاعتقاد» وغيرهما. كما كتب الفقهاء كتبا مفردة تعالج نظم الدولة الإسلامية على أساس فقهي ومنها «الأحكام السلطانية» للقاضي الشافعي أبي الحسن على المارودي (المتوفى سنة 450ه)، وكتاب آخر بنفس الاسم للقاضي الحنبلي أبي يعلى محمد بن الفراء (المتوفى عام 408ه). وأعقب ذلك في زمن لاحق كتاب الإمام تقي الدين أحمد بن تيمية (المتوفى سنة 728ه) »السياسة الشرعية»، الذي تظاهره كتابات متعددة أخرى تتصل مباحثها بالدولة والحكم ومنها «الحسبة» و «الجهاد» وغيرهما. كذلك غنى بعض المؤرخين بتتبع تطور نظم الدولة الإسلامية على ارض الواقع التاريخي، مثل الجهشياري (ت 448 ه) في كتابه «الوزراء والكتاب»، والصابى (ت 448 ه) في كتابه «تاريخ الوزراء»، والكندي (ت 350ه) في «كتاب الولاة وكتاب القضاة»، (وابن طباطبا) المعروف بابن القفطي (ت709ه) في كتابه الفخري هذا بجانب الى ما تفرق في كتب التاريخ والتراجم» ص:13. تقدم الدراسة في مصادر الفكر السياسي إن هذه النبذة التي يذكرها الكاتب رغم أهميتها فإنها مع (البيبلوغرافيا) التي يتم نشرها في هذه السنوات الأخيرة ومع ما تم تحقيقه ونشره من كتب في هذا الباب أصبح معه ما يقوله البعض غير ذي موضوع ولعله من المقيد هنا أن نشير إلى دراسة قيمة كتبها احد الباحثين (نصر محمد عارف) بعنوان: «في مصادر التراث السياسي الإسلامي» وعنوان فرعي (دراسة في إشكالية التعميم قبل الاستقراء والتأصيل) ونشرها المعهد العالمي للفكر الإسلامي... عام 1994 هذه الدراسة التي تعتبر في نظر الباحث والواقع أولية فهو يقر أن دراسته لم تصل إلى كل مظان المادة العلمية المبتغاة والمتمثلة في مصادر التراث السياسي الإسلامي، وهذا يعني أنه قد يكون هناك مصادر أخرى لم استطع الوصول إليها، أو أن ما اعتبرته غير موجود الآن في المكتبات التي اطلعت على فهارسها قد يكون موجودا في مكتبات لم اطلع على فهارسها وهي أكثر بكثير مما وصلت إليه ولهذا فإن هذا البحث محدود بعدة قيود منهجية تحكم تعليماته ونتائجه وهي: بحث ونتائجه / إن هذا البحث وصل إلى النتائج التي توصل إليها اعتمادا على الوسائل التي سبقت الإشارة اليها، ومن ثم فإن أي زيادة في هذه المصادر تعني أن هنا ك احتمالا للوصول إلى مصادر جديدة، او تحقيق وجود مصادر غير موجودة. 2/ إن هذا البحث يركز على الأبعاد الداخلية للسياسة وليس العلاقات الدولية إذ إن لها حقلها الخاص ومصادرها الخاصة، مع ملاحظة أن بعض الكتب التي اعتبرتها مصادر داخلية توجد بها أجزاء تتعلق بالعلاقات الدولية، ولكن هذا لا ينفي الاختلاف. 3/ إن هذا البحث محكوم بحدود اللغة العربية، إذ لم أحصر ما تم إنتاجه باللغات الإسلامية التاريخية والمعاصرة الأخرى وهي عديدة ومتنوعة. كذلك لم أطلع على فهارس مخطوطات ألفت لغات غير العربية وهي كثيرة جدا. 4/ إن ما قمت بالاطلاع المباشر عليه من مصادر التراث هو فقط ما وجد في مصر، أما الباقي فقد أخذت نبذة عنه من فهارس المخطوطات التي اودته. هذه أهم الحدود المنهجية لهذا البحث والتي يجب أن يقرأ في إطارها، حتى يتم ضبط الأسس العلمية لأبحاثنا، وحتى يكون كل بحث مقروء في ضوء خطواته المنهجية وحدوده الزمانية والمكانية ومصادره مما يجعل إمكانية الزيادة وإرادة ومطلوبة في الوقت نفسه.(ص53-54) المصادر المتوفرة وبجانب عملية الإحصاء والتتبع للفهارس والمؤلفات المعنية بإحصاء الكتب والمؤلفين فإن الباحث اهتم كذلك بمراجعة مجموعة مهمة من الكتب التي تناولت الفقه السياسي خلال القرن العشرين وقارن بين عدد المصادر المتوفرة والعدد الذي رجع إليه كل باحث أو كاتب وفي هذا يقول: هذا المبحث يتناول بالحصر كم المصادر التراثية التي اعتمدها الباحثون المعاصرون في بناء نتائجهم وتعميماتهم، وتحديد نسبتها إلى مجمل ما استطعت الوصول إليه من هذه المصادر. والتي قد يكون هناك منها ما لم استطع الوصول إليه. فقد توصلت إلى 307 ثلاثمائة وسبعة مصادر تراثية مباشرة في علم السياسة كما عرفه المسلمون منها 105 مئة وخمسة كتب مطبوعة بنسبة 34.5% و127 كتابا مخطوطا محدد المكان بنسبة 41.5% و 75 مصدرا لم أستطع الوصول الى تحديد أماكنها بعد إثبات وجودها التاريخي، وذلك لأنني لم أقم إلا بحصة ما يقل عن 5% من فهارس المخطوطات الموجودة في العالم والتي صنفت بجميع اللغات، وقليل منها كتب بالعربية وهو الجزء الذي رجعت إليه. علي عبد الرازق وخلف الله والجهل بالتراث وبعد أن اطلعت على 74 كتابا معاصرا تتناول الفكر السياسي الإسلامي أو أحد ظواهر لتحديد موقع المصادر التراثية من هذه الكتابات خرجت بالنتائج التالي: أولا : إن أكثر الكتب التي لعبت دورا محوريا في حياتنا الثقافية المعاصرة وأثرت على تصورات الكثيرين ومواقفهم من الفكر السياسي الإسلامي، وأثارت أسئلة عديدة لم يكن لها من موضع في العقل المسلم مثل هل هناك سياسة في الإسلام أم أنه تماما مثل المسيحية الأوربية؟ وهل عرف الفكر الإسلامي إنتاجا فكريا سياسيا؟... إلخ. أكثر هذه الكتب لم يستقرئ شيئا من مصادر التراث السياسي الإسلامي. فكتاب الشيخ علي عبد الرزاق «الإسلام وأوصل الحكم» الذي اعتبر علامة بارزة يستند إليها الكثيرون في تعاملهم مع الإسلام وعلاقته بالفكر السياسي والسياسة لم يرجع إلا لمصدرين فقط هما «مقدمة ابن خلدون » و«العقد الفريد» لابن عبد ربه. كذلك د.محمد أحمد خلف الله الذي ملأ الدنيا ضجيجا حول الإسلام والسياسة بصورة تنفي تماما أن يكون هناك سياسة في الإسلام لم يرجع إلى أي مصدر تراثي في علم السياسة، أو أنه لا يريد ذلك رغم علمه به. ونفس الأمر ينطبق على الدكتور محمد حسين هيكل الذي لم يرجع إلى أي مصدر تراثي على الرغم من أهمية كتابه وخطورة دوره في تشكيل العقل العربي المعاصر. وهذه الدلالات تعطي قناعة بمدى خلو الساحة العربية من أسس الممارسة البحثية الأكاديمية الحقة وتقاليدها التي تتبع منهجا علميا وتلتزم بأسس موضوعية تجعل النتيجة أقرب ما يكون إلى الواقع وليست انعكاسا لرغبات الذات وطمسا للواقع أو تجاهلا له مع الادعاء في الوقت نفسه أن ذلك هو الواقع الإسلامي التاريخي والمعاصر وليس غير. وبالنسبة للمرحوم محمد عابد الجابري في كتابه (العقل السياسي العربي محدداته وتجلياته) فإن الباحث يذكر أن الجابري رجع في كتابه إلى تسعة عشر مصدرا من خلال المصادر التي ذكرها في بحثه وهي تشكل نسبة ستة ونصف في المائة (6.5) وهكذا نرى أن الباحثين الذين يصدرون أحكاما على التراث السياسي ومصادره وحتى يتحدثون عن الإجماع في كثير من القضايا لم يطلعوا إلا على نزر يسير أو ربما حتى لم يطلعوا كما هو الشأن في علي عبد الرازق وخلف الله وما هذا وذاك فإن الناس يعتمدون على هذه الأحكام البعيدة عن المنهج العلمي و الاطلاع الضروري لإصدار الأحكام.