الملك يهنئ محمود عباس ويجدد دعم المغرب لحقوق الشعب الفلسطيني    "التقدم والاشتراكية" يعلن رفضه لمشروع قانون مالية 2026 ويصفه ب"المخيّب للآمال"    نواب "العدالة والتنمية" يطالبون بلجنة تقصّي حقائق في صفقات الدواء وسط اتهامات بتضارب المصالح بين الوزراء    نشرة انذارية تحذر من امطار قوية بالمناطق الشمالية    "ترانسافيا" تطلق أربع رحلات أسبوعياً بين رين وبريست ومراكش على مدار السنة    إطلاق الموسم الفلاحي الجديد مع برنامج بقيمة 12.8 مليار درهم وتوزيع 1.5 مليون قنطار من البذور المختارة    ترامب يلمح لقرار بشأن فنزويلا والجيش الأمريكي يبدأ عملية ضد تجار المخدرات في أمريكا اللاتينية    محام: المحجوزات تتراكم في المحاكم    الركراكي: علينا المحافظة على الثقة في هذه المجموعة ونحن نعرف كيفية تحقيق الفوز    خطاب "العُكار": حين يفضح "أحمر الشفاه" منطق السلطة..تحليل نقدي في دلالات وأبعاد تصريح وزير العدل حول الفساد    طقس ممطر في توقعات اليوم السبت بالمغرب    الجديدة تحتضن المؤتمر العام الإقليمي للاتحاد العام للمقاولات والمهن بحضور شخصيات وازنة    هل تستطيع الجزائر تفكيك سردية العداء لبناء وطنها المُتخيَّل؟ .    مباراة ودية بطنجة .. المنتخب المغربي يفوز على نظيره الموزمبيقي بهدف لصفر    المغرب يهزم الموزمبيق ودياً بهدف أوناحي.. والركراكي: "لدينا اليوم أسلحة متعددة وأساليب مختلفة"    الشرطة تحجز آلاف الأقراص المخدرة    المسرحية المغربية "إكستازيا" تهيمن على جوائز الدورة 30 لمهرجان الأردن المسرحي    ترقية استثنائية لشرطي بآسفي بعد تعرضه لاعتداء خلال تأمين محيط مؤسسة تعليمية    المنتخب المغربي يهزم موزمبيق وديا.. أوناحي يسجل أول هدف في ملعب طنجة بعد تجديده    منظمة الصحة العالمية تعترف بالمغرب بلدًا متحكمًا في التهاب الكبد الفيروسي "ب"    مجلس النواب يصادق على مشروع قانون المالية لسنة 2026    الجزائر.. إجلاء عشرات العائلات جراء حرائق غابات كبيرة غرب العاصمة    تداولات بورصة الدار البيضاء سلبية    المغرب يُنتخب لولاية ثانية داخل اللجنة التنفيذية لهيئة الدستور الغذائي (الكودكس) ممثلاً لإفريقيا    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال24 ساعة الماضية    الطرق السيارة بالمغرب.. افتتاح فرع مفترق سيدي معروف بمعايير هندسية وتقنية دقيقة    أبوظبي.. ثلاثة أعمال أدبية مغربية ضمن القوائم القصيرة لجائزة "سرد الذهب 2025"    ملعب طنجة.. الصحافة الدولية تسميه "ابن بطوطة" ومطالب محلية بتثبيت الاسم رسميًا    إطلاق المرحلة الثالثة من تذاكر "الكان"    أمطار رعدية ورياح قوية بعدة مناطق    مبديع: "أنا ماشي شفار ومنطيحش ريوكي على فلوس الجماعة"    وزارة الصحة تطلق حملة وطنية للكشف والتحسيس بداء السكري    جنوب إفريقيا تحتجز 150 فلسطينيا    بوانوو: بلاغ وزارة الصحة لم يحمل أي معطى حول شبهة تضارب المصالح ولم يشرح التراخيص المؤقتة للأدوية التي يلفها الغموض التام    شَرِيدٌ وَأَعْدُو بِخُفِّ الْغَزَالَةِ فِي شَلَلِي    متابعة "ديجي فان" في حالة سراح    إحباط محاولة لاغتيال أحد كبار المسؤولين الروس    بطولة اسكتلندا.. شكوك حول مستقبل المدرب أونيل مع سلتيك    دراسة: ضعف الذكاء يحد من القدرة على تمييز الكلام وسط الضوضاء    الملك يهنئ خالد العناني بعد انتخابه مديرا عاما لليونسكو    موقع عبري: الجالية اليهودية في المغرب تفكر في استخراج جثمان أسيدون ونقله إلى مكان آخر بسبب دعمه ل"حماس"    شركة الإذاعة والتلفزة تسلط الضوء على تجربة القناة الرابعة في دعم المواهب الموسيقية    تصفيات مونديال 2026.. مدرب إيرلندا بعد طرد رونالدو "لا علاقة لي بالبطاقة الحمراء"    رشق الرئيس السابق لاتحاد الكرة الإسباني بالبيض في حفل إطلاق كتابه    بوعلام صنصال بعد الإفراج: "أنا قوي"    استطلاع: 15% من الأسر المغربية تفضل تعليم الأولاد على الفتيات.. و30% من الأزواج يمنعون النساء من العمل    مجلس النواب يصادق على الجزء الأول من مشروع قانون المالية لسنة 2026    مدير المخابرات الفرنسية: المغرب شريك لا غنى عنه في مواجهة الإرهاب    المركز الثقافي الصيني بالرباط يُنظّم حفل "TEA FOR HARMONY – Yaji Cultural Salon"...    تحطم مقاتلة يصرع طيارين في روسيا    المسلم والإسلامي..    ثَلَاثَةُ أَطْيَافٍ مِنْ آسِفِي: إِدْمُون، سَلُومُون، أَسِيدُون    دراسة: لا صلة بين تناول الباراسيتامول خلال الحمل وإصابة الطفل بالتوحد    مرض السل تسبب بوفاة أزيد من مليون شخص العام الماضي وفقا لمنظمة الصحة العالمية    وفاة زغلول النجار الباحث المصري في الإعجاز العلمي بالقرآن عن عمر 92 عاما    بينهم مغاربة.. منصة "نسك" تخدم 40 مليون مستخدم ومبادرة "طريق مكة" تسهّل رحلة أكثر من 300 ألف من الحجاج    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشرعية في المجتمع الإسلامي بين بيعة الأنصار و(صحيفة) المدينة..؟
أزمة القيادة في المجتمعات الإسلامية الحديثة ) 20(
نشر في العلم يوم 13 - 05 - 2011

نواصل الحديث عن موضوع شائك قديم وحديث بدأناه قبل اندلاع الأحداث الأخيرة في العالم العربي إذ صدرت أول حلقة منه يوم الجمعة 26 نونبر 2010.
وهو موضوع أزمة القيادة في المجتمعات الإسلامية وما كدنا نعيد تحيين ما سبق نشره في سنة 1970 حتى طفا على السطح ما سمي بفضيحة (ويكيليكس) التي نال منها القيادات في المجتمعات الإسلامية أوفى نصيب ثم جاءت بعد (ويكيليكس) رياح التغيير التي هبت على تونس ومصر وذهبت بطاغيتي البلدين وعنصرين من عناصر أزمة القيادة بين الشعوب والمسؤولين في المجتمعات الإسلامية..
وتحدثنا عن غياب الفكر باعتباره مظهرا من مظاهر الأزمة كما تحدثنا عن الحرية باعتبارها مظهرا من مظاهر أزمة الحكم في المجتمعات الإسلامية وذلك على مستويين المستوى الأول: تأصيل مفهوم الحرية، والمستوى الثاني وضعية الحرية في المجتمعات الإسلامية.
وتحدثنا عن الأوضاع الاجتماعية والدينية والسياسية التي أفضت بالعالم الإسلامي إلى الوقوع في يد الاستعمار والصليبية الغربية في القرون الثلاثة الأخيرة: 18 _ 19 _ 20 الميلادية.
وفي الحلقة العشرون نواصل تحليل الأوضاع في العالم الإسلامي في نفس الفترة دون إغفال الإشارة ولو عرضا لما يحصل حاليا بين الشعوب والقيادات في العالم الإسلامي، نظرا للترابط الحاصل بين ما يحدث الآن في العالم الإسلامي أو في أجزاء كثيرة منه وبين الواقع في فترة بداية النهضة التي تحدثنا عنها.
وإذا كنا تحدثنا في القسم الأول و الثاني من الحلقة السابعة عن المسألة الدستورية في المغرب.
فإننا في هذه الحلقة سنواصل الكلام عن الشرعية باعتبار أن ما تعانيه الشعوب في المجتمع الإسلامي من أزمة القيادة هو جزء من إشكالية الشرعية في المجتمع الإسلامي.
إذا كانت الشرعية هي الأساس الذي تعتمده الهيأة الحاكمة أو الحاكم في ممارسته للسلطة، والحكومات يجب ان تكون في مقدمة هذه الممارسة المبنية على الشرعية وإنما تحظي الحكومات بالحق في طاعة المحكومين بفضل الشرعية فما هي الشرعية التي تُعْتَمَدُ في المجتمع الإسلامي؟ وهل هذه الشرعية موجودة بالفعل وقائمة بين الحاكمين والمحكومين؟
الشرعية الثورية إلى أين؟
لقد عملنا في الحديث الماضي على إبراز معنى الشرعية واعتمدنا على معاجم ثلاثة:
وهي معاجم علمية بعيدة عن الانحياز الايديلوجي أو الفكري ولكنها مختصة ومعنية فقط بوضع التعاريف وتحديد المصطلحات والكلمات كما هي عند أرباب كل فن، وقد أوضحت هذه المعاجم وبعضها كما في غيرها ان الناس عددوا أشكال وأنواع الشرعية، وذلك حسب ما تريد كل مجموعة ان يبرروا به تصرفاتهم في الحكم وأن يجعلوها ذات شرعية ومصداقية فصارت هناك شرعية ثورية بل في وقت من الأوقات هذه الشرعية تحظى بالاعتبار أكثر، ويا ما ارتكب من مظالم باسم هذه الشرعية التي استباح بها الكثير من الظلمة والطغيان حرمات الشعوب وأموالها وأعراضها، ولعل ما يعانيه الكثير من الشعوب والأمم في مختلف الدول والقارات حاليا من ظلم أكثره اعتمد الشرعية الثورية والعالم الإسلامي عرف من آثار هذه الشرعية الثورية بدءا من ثورة مصطفى كمال أتاتورك على الخلافة العثمانية إلى آخر ما عرفته المجتمعات الإسلامية من ثورات، ونحن اليوم على مفترق الطرق في الأحداث والثورات التي تعم بعض المجتمعات الإسلامية هل تأتي بجديد في مجال انتهاء أزمة القيادة في هذه المجتمعات أو أن الأمر لا يعدو أن يكون تجديد الأسلوب القديم وإضفاء بعض التوابل عليه باسم الحرية والعدالة؟
ان الحكم على ما يجري حاليا ربما كان سابقا لأوانه ولكنه على أي حال رمى بأحجار كبرى في بركة الاستبداد الآسنة، وذكر الطغاة باسم الشرعية الثورية ان هذه الشرعية يجب ان تزاح لصالح شرعية ثورية حقيقية هذا ما يتردد والإنسان لا يمكنه إلا أن يتفاءل ويتمنى النجاح لصالح الشعوب في الحرية والعدالة والكرامة.
وهناك من أخذ الحكم باسم الشرعية التاريخية إلى آخر ما هنالك من أنواع الشرعيات والسؤال الذي يطرح بصفة إجمالية هو حول الشرعية الأساس في المجتمعات الإسلامية.
الشرعية في المجتمع الإسلامي
وعلى أي حال فإن المعاجم التي أشرنا إليها يوجد من ببينها معجم شرعي بالمعنى الإسلامي والذي يحدد الشرعية باعتبارها تستمد أساسها من الشرع الذي يعني الكتاب والسنة، ولذلك لاحظنا في تعريف الراغب لهذا المعنى حيث أنها تعتمد ما سخر الله له الناس وفق أحكام الشريعة لعمارة الأرض وخدمة مصالح العباد، أما الجزء الثاني فهو تحديد ما اتفقت عليه جميع الديانات مما هو مشار إليه في قوله تعالى »شرع لكم من الدين«. الآية
وعلى هذا الأساس فالناس في المجتمع الإسلامي منقسمون حول الشرعية وأين الجهة التي يتم على أسسها إعطاء حق الطاعة والامتثال للسلطة وهل السلطة التي لا تتخذ هذا المنهاج في تحديد أصول الشرعية يجب طاعتها أولا تجب الطاعة؟ وهذا السؤال في الواقع عليه تدور أكثر النزاعات والصراعات في العالم الإسلامي منذ أمد بعيد والى اليوم.
وعلى أي حال فإن الرابط الذي كان يربط المسلم والحاكم خلال التاريخ القديم كان هو البيعة والشرعية أساسا كانت تستمد من هذه البيعة التي نجد أثرها كثيرا في الفقه السياسي الإسلامي وقد اعتنى بها الكثيرون ووضعوا حولها كثير من الدراسات والأبحاث.
البيعة والشرعية
وفي سياق تحديد أثر البيعة في الشرعية السياسية وأثرها في تقوية الصلات بين الحاكمين والمحكومين عقدت في السنوات الأخيرة في العالم الإسلامي ندوات متعددة حول البيعة وعلاقتها بإمارة المؤمنين وسلطة الرؤساء والحكومات، وليس موضوع بحثنا اليوم دراسة شرعية نظام معين في المجتمع الإسلامي، لأن البيعة إذا كانت تربط رأس النظام _ملك- رئيس- أمير فما هي العلاقة بين ذلك وبين وجود حكومة تمارس حكما وسلطة معينة؟ وهذه جزئيات في الواقع لا ندخل في صلبها في هذه الأحاديث التي لا تخص موضوع قيادة الأنظمة فقط وان كانت تهتم بها أكثر من غيرها، وإنما تهتم بموضوع القيادة بالمعنى الواسع للكلمة، فالناس اليوم يتحدثون عن الأحزاب وعن المجتمع المدني وعن غير ذلك من المنظمات والهيآت الجماهيرية ومدى صلة الشرعية بين هذه المنظمات أو الهيآت وقيادتها وأي شرعية تربط بين الاثنين؟ وهذا نجد صداه في الحديث عن الديمقراطية الداخلية في هذه المنظمات.
التاريخ والشرعية في المجتمع الإسلامي
فالموضوع معقد ومركب في نفس الوقت ولذلك فإننا سنبقى في الواقع في سياق المنهج الذي درجنا عليه وهو الحديث عن أزمة القيادة التي عانت وتعاني منها المجتمعات الإسلامية وبالأخص في مجال الشرعية التي كانت ولا تزال مجال الاعتراض والانتقاد.
والمجتمعات الإسلامية كما أسلفنا ليست وليدة العصر الحديث او الحاضر ولكنها عريقة في الوجود وفي ممارسة الالتزام بالشرعية منذ اليوم الأول لتأسيس الدولة الإسلامية في المدينة المنورة
لقد كان الرسول عليه السلام يعاني من مشركي مكة منذ البداية وهذا ما جعله يلتجئ إلى مختلف القبائل يعرض عليها نفسه لعله يجد من بينها مناصرا ومدافعا عن دعوته، وكان يغتنم فرصة موسم الحج لذلك وكان من بين من يفد لموسم المدينة الأوس والخزرج الذين عرض عليهم الرسول عليه السلام أمر مساندة دعوته ودعمه تجاه ما يلقى من أدى من المشركين ولاشك أن التذكير بالبيعة التي تلقاها من هؤلاء والتي كانت أساس التحضير للهجرة وكانت كذلك أساس البيعة التي عرفها المجتمع الإسلامي بعد ذلك إذ هذه البيعة أفضت إلى ما جاء بعد ذلك في دستور المدينة ولذلك فإن هذين الأساسين شخص كل واحد منهما بكلمة باعتبار دور كل منها في تأسيس الدولة الإسلامية الوليدة في المدينة المنورة.
أولا: بيعة الأنصار
إن هذه البيعة تحدثت عنها كتب السير والتاريخ بإسهاب وتفصيل وبروايات مختلفة وفيما يلي جزء من محضر هذه البيعة كما جاءت في كتب السير
قال كعب بن مالك: فلما اجتمعنا في الشعب ننتظر رسول الله ص حتى جاءنا ومعه العباس بن عبد المطلب وهو يومئذ على دين قومه إلا انه أحب أن يحضر أمر ابن أخيه ويتوثق له، فلما جلس كان أول متكلم العباس بن عبد المطلب فقال: يا معشر الخزرج قال وكانت العرب إنما يسمون هذا الحي من الأنصار الخزرج خزرجها وأوسها إن محمدا منا حيث قد علمتم، وقد منعناه من قومنا ممن هو على مثل رأينا فيه، فهو في عزة من قومه، ومنعة في بلده، وإنه قد أبى إلا الانحياز إليكم واللحوق بكم، فإن كنتم ترون أنكم وافون له بما دعوتموه إليه ومانعوه ممن خالفه فأنتم وما تحملتم من ذلك، وإن كنتم ترون أنكم مسلمون وخاذلوه بعد الخروج إليكم فمن الآن فدعوه فانه في عزة ومنعة من قومه وبلده. قال فقلنا له قد سمعنا ما قلت فتكلم يا رسول الله فخذ لنفسك ولربك ما أحببت، قال فتكلم رسول الله ص فتلا القران ودعا إلى الله ورغب في الإسلام. قال: ( أبايعكم على أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم) قال فأخذ البراء بن معرور بيده وقال نعم ! فوالذي بعثك بالحق نبيا لنمنعنك مما نمنع منه أزرنا فبايعنا يا رسول الله فنحن والله أبناء الحروب وأهل الحلقة ورثناها كابرا عن كابر. قال فاعترض القول والبراء يكلم رسول الله ص أبو الهيثم بن التيهان فقال: يا رسول الله إن بيننا وبين الرجال حبالا وأنا قاطعوها يعني اليهود فهل عسيت ان فعلنا ذلك ثم أظهرك الله أن ترجع إلى قومك وتدعنا؟ قال فتبسم رسول الله ص ثم قال: (بل الدم الدم، والهدم الهدم، أنا منكم وأنتم مني، أحارب من حاربتم وأسالم من سالمتم) قال كعب وقد قال رسول الله ص (اخرجوا إلى منكم اثني عشر نقيبا يكونون على قومهم بما فيهم ) فاخرجوا منهم اثني عشر نقيبا، تسعة من الخزرج وثلاثة من الأوس.
ثانيا: دستور المدينة
بعدما هاجر الرسول عليه السلام لم يكن أمامه في المدينة الأنصار الذين بايعوه قبل الهجرة وحدهم ولكن كان هناك غيرهم ولذلك فإن الرسول صلى الله عليه وسلم وضع عندما وصل إلى المدينة مهاجرا وثيقة دستورية ربما كانت الأولى من نوعها في التاريخ هذه الوثيقة التي حددت معالم العلاقات بين أهل المدينة، وبين الرسول عليه السلام وكيف سيتم التعامل بينهم على أسس واضحة المعالم ومحددة بدقة كاملة.
إن هذه الوثيقة التي أسست للشرعية في ولادة الدولة الإسلامية كتابة والتي خرجت من الشفوي إلى المكتوب لأول مرة لم تقم على تصورات غيبية ولا على سلطة كهنوتية، ولكنها قامت على أساس معاملة الواقع الذي وجده الرسول في المدينة عندما وصل إليها، وبقطع النظر عن الزمان واللحظات التي وضعه فيها الرسول هذه الوثيقة هل بمجرد الوصول أو حتى تمت غزوة بدر حيث المؤرخون والباحثون منقسمون في هذا الموضوع، فإن الذي يعنينا في الموضوع هو الوثيقة نفسها لأنها تضع الأسس والمبادئ التي تقوم عليها الدولة الوليدة في المدينة المنورة كما اشرنا.
بين الدولة المدنية والدينية؟
ان كثيرا من الناس لأسباب خاصة أو مذهبية أو إيديولوجية يتناولون الدولة الإسلامية الجديدة ويضفون عليها أوصافا حسب القناعات السابقة على دراسة أو تناول الصحيفة أو الدولة في المدينة، ونحن لن ندخل هنا في متاهات هذه النقاشات التي كيفما كان نوع التوجيه الذي يعطي لها فإن معطى الوثيقة باعتبارها وثيقة دستورية سياسية لن يتغير، فلكل ان يرى فيها ما يسند وجهة نظره ولكنها هي في حد ذاتها ستبقى لها نفس القيمة التاريخية والسياسية مهما كان المحلل أو الدارس أو كانت وجهته التي يختارها ويريد أن يجد لها حجة أو مبررا في الصحيفة أو الوثيقة هذه حقيقة لا يمكن جحدها أو نكرانها.
ان الرسول عليه السلام في عمله هذا التأسيسي لم يقل هذا وحي وأمر لا يمكن تجاوزه ولكن قال »هذا كتاب من محمد النبي (رسول الله) بين المؤمنين والمسلمين من قريش وأهل يثرب ومن تبعهم فلحق وجاهد معهم«.
إنهم امة واحدة من دون الناس«.
وهكذا تمضي الصحيفة في تعداد الأطراف ومالهم وما عليهم ولم يحدد الرسول لأحد من الناس أو لقبيلة مسؤولية معينة بالاعتبار الديني، فالدولة تضم مسلمين ويهود وغيرهم من أفراد القبائل ومن هنا كانت بالفعل أساس الشرعية التي فرضت على ساكنة يثرب ومن لحق بهم من الناس مهاجرا طاعة محمد عليه السلام وتنفيذ بنود الصحيفة التي صادق عليها الناس ووافقوا عليها.
ولا بأس أن نشرك القارئ في مناقشة منهج وضع الصحيفة ونحن نعيش مخاض وضع الدساتير الجديدة في بعض المجتمعات الإسلامية ولكن قبل ذلك لابد أن نسأل:
المقارنة والموضوعية؟
هل من المنهج العلمي المنصف والموضوعي أن تحاكم الصحيفة أو الوثيقة بمقايس أحدثت بعد وضعها بما يزيد عن عشرة قرون وأحدثت هذه الأساليب من لدن حضارة أخرى ووفق حياة سياسية واقتصادية وظروف اجتماعية مغايرة تماما، ان هذا الأسلوب في الواقع في المقارنة لا ينال من مضمون الصحيفة ولا من الأسلوب الذي وضعت به، بل انه يزري في الواقع وينال من ثلاثة عشر قرنا من التقدم والكفاح الإنساني في سبيل الديمقراطية وتحقيق حكم شورى عادل بين الناس، ومع ذلك فإن الصحيفة أخضعت لهذه المقاييس والمعايير الحديثة، واستطاعت أن تكون فريدة ليس في مضمونها وما جاءت به من فتح وخير في مجال الحرية وحقوق الإنسان والاعتراف بالآخر ووضع أسس للتعددية ليس الدينية فقط ولكنها للجوانب الأخرى التي يختلف فيها الناس عرقيا كانت أو قبلية أو عشائرية حيث كل العناصر المتناسكة في المدينة وجدت فيها نفسها، وهو الجانب الذي لم تهتم به أي وثيقة سابقة في هذا الموضوع، لأن حتى التشريعات التي اعتبرت أساس الديمقراطية الحديثة لم تكن من حيث رعاية حق الإنسان في الاختلاف أو التعددية في مستوى ما جاءت به الوثيقة ومع هذا وذاك فإن الباحثين الذين تصدروا لدراسة هذه الوثيقة ومضامينها وأهدافها وغاياتها درسوها كذلك من جانبين:
الجانب الأول: السند وأخضعت للمنهجية الدقيقة التي وضعها علماء الحديث وروايته لنمط الصحة ودرجاتها وانتهوا إلى صحتها وثبوت سندها.
الجانب الثاني: وهو تاريخ وضعها وأسلوب وضعها بالنسبة للتطور الحاصل في أسلوب ومنهاج وضع الدساتير، وعن هذا الجانب رأيت من المناسب كالعادة إشراك القارئ في خلاصة مقارنة قام بها أحد الباحثين في الموضوع ولعله :
ولعله آخر بحث ودراسة واقية في موضوع الصحيفة إذ يقع في حوالي أربعمائة صفحة من القطع الكبير من تأليف د. (برهان زريق) وهو يقوم بعرض صيغ وضع الدساتير، ينتهي الى القول حول تعدد أساليب وضع الدساتير أنها في الأعم الأغلب يتم الأخذ بالأسلوبين الآتيين:
أولا: صدور الدستور بواسطة جمعية نيابية تأسيسية: assemble constituante
ويرى أنه كان لأفكار الفقيه الفرنسي »سييز« أثرها البالغ إبان الثورة الفرنسية في الدعوة لهذا الأسلوب ، فقد أبان هذا الفقيه عدم جواز أن يكون الدستور من صنع سلطة منشأة أو تابعة ، وإنما من صنع سلطة خالقة هي الأمة .
وبسبب استحالة جمع أفراد الأمة على صعيد واحد، فإنه يلزم انتخاب هيئة خاصة بواسطة الشعب تكون مهمتها وضع الدستور نيابية عنه.
ثانيا: أسلوب الاستفتاء الدستوري أو التأسيسي: le refrendum constituante
ويبرز هنا أن الفقه الدستوري يتساءل لماذا لا يقوم صاحب السيادة بممارسة سلطاته ووضع دستوره بنفسه، ألا يوفر عليه هذا الأسلوب، ويحميه من تحكم السلطة التأسيسية في مصير البلاد، وإمكانية تجاوزها على صلاحيات السلطتين التنفيذية والقضائية.
وهكذا فقد ظهرت طريقة جديدة مقتضاها أن يوضع مشروع الدستور بواسطة جمعية منتخبة أو لجنة حكومية، إنما لا يكون هذا المشروع نافذا إلا بعد عرضه على الشعب في استفتاء عام.
ولا شك أن هذا الأسلوب يعتبر أحد تطبيقات الديمقراطية المباشرة » نظام الديمقراطية المباشرة«.
أهمية الأسلوب الأخير
ويشير الباحث إلى أهمية هذا الأسلوب في تحقيق نوع من الديمقراطية المباشرة ويقول:
وهذا الأسلوب يرفع من قيمة المواطن، ويشعره بمدى أهميته ودوره في الجماعة، وبثقل المسؤولية العامة التي يضطلع بها، وإن كان يؤخذ عليه أنه يضع المواطن العادي في مواجهة مسائل على مستوى عال من الاختصاص الفني، كما أنه لا يتاح له الفرصة الكافية للاطلاع على المناقشات التي تدور في اللجنة حول هذه المسائل الفنية.
الأسلوب الدستوري لوضع الصحيفة:
»لقيمة الديمقراطية للصحيفة ومسألة دور الطبقة الوسطى في وضع الدساتير«.
ما هو الأسلوب السياسي لوضع الصحيفة، هل تم وضعها بالأسلوب الديمقراطي، أم بالأساليب الأخرى، وما هي تلك الأساليب.
لاشك أن الصحيفة لم توضع بأسلوب المنحة، ذلك الأسلوب الذي يصدر عن إرادة ملك مسيطر متجبر يتنازل فيقيد أرادته، ويحدد امتيازاته تحت ضغط القوى المتنامية للجماهير.
وبالمقابل فإننا ننفي نشوءها بالأسلوب العقدي، لأن ذلك يفترض قيام التعارض في الأهداف بين السلطة الحاكمة والشعب، ثم قيام الطرفين بتحديد نقطة الالتقاء والتوازن، أو ما يسمونها نقطة التقاء المصالح Parie - Parti
فالتشاد والتنازع والاختلاف الذي ينتهي بالاتفاق هو جوهر الرابطة العقدية، والأمر على خلافه بالنسبة للوثيقة النبوية، فلسنا هنا أمام تعارض بين السلطة متمثلة بالرسول وبين الرعية.
فالرسول هو ضمير المسلمين المبعوث فيهم، المطاع منهم الذي بعثه الله هدى ورحمة ورسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة، فكيف إذن نقيس ذلك بمقياس الملك الجبار الحريص على امتيازاته ومصالحه، وهل لنا نقيس الأمر إلا بمقياس النبوة؟
وفي نظرنا أن تلك الوثيقة نشأت بالأسلوب الديمقراطي التمثيلي، ودليلنا على ذلك ما يلي:
1/ مادامت الدولة تقوم على فكرة المشروع، والمؤسسة، فهذا المشروع لا يمكن أن يتحدد بعناصر تعاقدية، وإنما رضائية، إذ العقد يتميز أساسا بالتبادل ويتلاقي المواقف والإرادات، في حين أننا في تكوين الجهاز الجماعي لسنا حيال تلاقي الإرادات ذات المضمون المختلف.
وكما يتضح من قول الإمام أحمد : حدثنا عفان حماد ثنا حماد بن سلمة ثنا عاصم الأحول عن أنس بن مالك، قال: »حالف رسول الله بين المهاجرين والأنصار في دار أنس بن مالك« وقد رواه الإمام أحمد والبخاري ومسلم وأبو داوود في طرق متعددة.
فحدوث التحالف في دار أنس يعني أن ذلك لم يتم بالأسلوب الشعبوي التلقائي »الديمقراطية المباشرة«، وإنما بالأسلوب التمثيلي الشبيه بالجمعية التأسيسية، حيث أن دار أنس لا تتسع لكافة المهاجرين والأنصار، ولاسيما أن الصحيفة ذات تكوين قانوني متقدم، ولا بد من صياغتها ومناقشتها من قبل أفراد متميزين بتكوينهم العلمي والثقافي.
الخصوصية الدستورية لصحيفة المدينة
2/ وبعد ان يناقش الباحث وجهة نظر احد الفقهاء الدستوريين (هوريو) ينتهي إلى القول:
والسؤال المطروح بشدة، هو ما إذا كانت الحركة الدستورية التي اقترنت بصدور الوثيقة النبوية، هذه الحركة وليدة ارتقاء الطبقة الوسطى؟.
في الحقيقة لا ننكر مصداقية أكثر النقاط السابقة التي أيدها الفقيه »هوريو« كسمات عامة للحركة الدستورية، وإن كنا نقرر للحركة الدستورية في المدينة المنورة بعض السمات الخاصة باعتبارها تعبيرا عن سياق تاريخي واجتماعي معينين، وهذه الخصائص المميزة هي:
1/لا يمكن تفسير هذه الحركة في إطار ديالكتيك : سلطة حرية، أو ديالكتيك: سلطان معارضة، بل بالعكس، فالرسول ممثل السلطة هو الذي قدم هذا البرنامج الإصلاحي، وهذا ما يتضح من قول الصحيفة: » من محمد بين المؤمنين من قريش ويثرب«.
2/ إذا كان المهاجرون قد مارسوا التجارة، وتزودوا بخبرات عالية وواعية خلافا للأنصار المرتبطين بالحياة الزراعية فهؤلاء انسلخوا عن وطنهم ومصالحهم وتجارتهم، والتحقوا بوطن جديد، ومن أسفل الهرم الاجتماعي »من الناحية الاقتصادية«، وعلى هذا وكما قلنا سابقا، فالحركة الإسلامية، وتعبيرها القانوني الحركة الدستورية، لابد لها من جهاز عصبي يستجمع قواها، ويضبط توجهاتها.
قوة الصحيفة سندا و منهجا ومضمونا
وفضلا عن ذلك، فهذا المعطى السوسيولوجي والتاريخي يفهم على ضوء الفكر الإسلامي العام الذي جاءت به الحركة الدستورية تعبيرا عنه وتحقيقا له«.
وهكذا ومن خلال دراسة فقهية دستورية متأنية يصل الباحث إلى صحة الوثيقة متنا وسندا كغيره من الباحثين، والى أنها حتى بمقاييس وضع الدساتير في العصر الحديث من الوجهة الديمقراطية، فالوثيقة كذلك وضعت بأسلوب ديمقراطي رفيع.
ولنا عودة لإتمام الكلام عن الشرعية في المجتمع الإسلامي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.