شهدت الممارسة المسرحية في العقود الأخيرة تغييرات عميقة على مستوى بنيات إنتاجها بسبب مجموعة من العوامل؛ ولعل أبرزها تفاعل المسرحيين مع الفنون الأخرى المجاورة مثل فن الأداء performance art والفرجة الخاصة بالمواقعsite specific performance ، بالإضافة إلى اعتماد وسائل إعلام وتقنيات رقمية جديدة أثناء صناعة الفرجة. فأصبحت تتحكم في إنتاج وتلقي العديد من العروض المسرحية المعاصرة، دراماتورجيا بصرية ومؤثرات رقمية قلّما يمكن إخضاعها للنّص الدرامي، تضع السيرورة الوسائطية اللغات الواصفة موضع تساؤل، كما تستلزم الدفع بالجمهور إلى اختبار إشكالية التمثيل باستحضار وسيط معين ضمن وسيط آخر. ورغم أن التراتبيات والاختلافات بين الحضور الحي والنسخة المسجلة (كالإحداثيات المكانية والزمنية، الفرق بين الأصل والنسخة) متداخلة فيما بينها، فإنها تزحزح الافتراضات المسبقة حول الحضور والتمثيل؛1 وتعمل على تغيير إدراك المتلقي. وهذا التحول في الإدراك لا يقلل من جودة الفرجة الحية، وإنما يؤكد - كما ترى الباحثة الألمانية إريكا فيشر ليشت- أن الأداء الحي والأداء الوسائطي لا يختلفان كثيرا عن بعضهما البعض.