ما جرى يوم الأحد أكرر هذا اليوم بأنه كان يوما عاديا ، وهو في كل الأحوال كان أقل من أيام فاتح ماي وأقل من الاحتجاجات الاجتماعية التي يعرفها المغرب منذ سنوات ..أول أمس قلت أن العبرة ليست بالعدد وأن الرسالة قد وصلت حتى لو لم يتم تسيير مسيرات ووقفات ، وأن المشهد السياسي المغربي تحرك فعلا في اتجاه الوعي بأهمية اللحظة حتى قبل أن يستفيق البعض من سباته العميق في جذريته ، وهنا لابد أن نستحضر كلمات قادة الكتلة بمناسبة تخليد ذكرى تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال يوم 13 يناير الماضي .. وقد كتبت في هذه الزاوية بالمناسبة أن « عباس الفاسي إعتبر أن الكتلة أسست منذ اليوم الأول لخدمة الديمقراطية والتنمية في بلادنا وأنها لم تقم على العداء لجهة معينة وأن من حق بلادنا أن تفخر بما حققته الكتلة الديمقراطية من تعزيز للحريات وبناء للديمقراطية ، وهي مكاسب بدأ اليوم يتسرب إليها نوع من الشك الذي يشبه الصدئ ، محاولا هدم كل ما شيد بتضحيات أبناء شعبنا ، لهذا قال الأمين العام لحزب الاستقلال أن مهام حماية الديمقراطية وتعزيز المكتسبات ،مهمة جسيمة لا تقوم بها سوى الأحزاب التي تملك استقلالية القرار...في زمن عزت فيه هذه الاستقلالية ، وسار البعض يتاجر في الوهم ويحاول نشر اليأس بين الناس في استعادة مفضوحة لتجارب بائسة من الماضي ، فتح الله ولعلو عاد بالجميع إلى لحظة التأسيس والمهام التي تحملت الكتلة القيام بها في سياق وطني ودولي شديد التعقيد مؤكدا أن مهام الكتلة لم تستنفد بعد وأن ما ساهمت في بنائه من واجبها أن تساهم في صيانته وتطويره ، نبيل بنعبد الله نحت تقابلا مريرا لكنه جميل في بلاغته ودقته وشدة وضوحه عندما قال : عندما كنا ننتظر جيلا جديدا من الإصلاحات ..طلع علينا البعض بجيل جديد من الانحرافات « ، هكذا يتضح أن الجميع كان على قناعة بأن بلادنا تمر بمطبات سياسية يجب الانتباه إليها بجدية ، وأن الأحزاب الوطنية الديمقراطية هي التي تتحمل المسؤولية السياسية والمعنوية والأخلاقية لوضع نقطة نظام والتنبيه لمخاطر صم الآذان وفقء العيون برفض رؤية الحقيقة كما هي بدون تهويل ولا تهوين. ما جرى يوم 20 فبراير في السياق العام هو تفاعل مع ما يجري في المحيط الإقليمي لبلادنا ، وهو بكل تأكيد أمر محمود عندما يصدر عن قوى ديمقراطية ووطنية ، وعندما يمتلك من يقوده الشجاعة والجرأة السياسية ، بدل التخفي وراء هويات إلكترونية ملتبسة والعمل على توظيف براءة الأطفال والشباب ، في تمثل سخيف لما عرفته تونس ومصر ، الأحزاب التي يعلم الجميع أنها مجهرية وبلا عمق شعبي ووطني مارست التدليس والتغليط في حق الرأي العام الوطني والدولي ، وحاولت توهيم الناس بأن هذه الدعوات هي لشباب بريء، له أحلام وطموحات هي في نهاية التحليل مشروعة ومقبولة ، حملة التدليس والتغليط والتزييف التي قادتها هذه الأطراف تقاطعت مع نوع من الصحافة يعرف الجميع مصادر تمويلها ، ويعلم الجميع كيف تعيش أحلام اليقظة ، وكيف كانت تمني النفس بأن يشهد المغرب انفلاتات أمنية وحمام دماء وقتلى ، حتى يتاح لها مرور طويل على قناة « الجزيرة « في فضائية قطر، هؤولاء « الصحفجية « لم يدخروا جهدا يوم الأحد على تغليط الرأي العام والصحافة الدولية ، حتى أن بعضهم كان جالسا في مقهى « إيطاليا « قبالة محطة القطار في الرباط ، ويقول للجزيرة أن المسيرة وصلت أمام البرلمان ، بينما كانت الوقفة لازالت في باب الحد لم تتجاوز 1500 شخص ، إننا حقيقة نكون أمام نوع من الصحافة التي تعمل بمنهج العرافة...أو « الشوافة « ..ومع ذلك قلت أول أمس أن المغرب هو الذي انتصر ، واعتقدت شخصيا بكل وطنية وصدق ، أن المناسبة لم تكن فرصة لكي ينتصر أحد وينهزم آخر ، وأن الأرقام ليست مهمة في مثل هذه الظروف ، لكن البعض ممن في قلوبهم مرض أصروا على أن يسيئوا لهذه اللحظة ، حيث طلع علينا أحد قيادي النهج الديمقراطي السيد عبد الحميد أمين يقول بأنه تقرر تأسيس لجنة للتضامن مع « شباب 20 فبراير « وهم في غالبيتهم من أبناء قيادة النهج ، وهنا أسأل التضامن بمناسبة ماذا ؟ هل تعرضوا للقمع ؟ هل تم تقتيلهم من طرف الأمن ؟ أم أن الخطة كانت هكذا وفق سيناريو إفتراضي وضعه النهج ، حتى عندما أحبط هذا المخطط ، فإن قيادته ترفض أن ترى الحقيقة ، وتنهج نهج أوديب ...وهنا لابد أن نستحضر المواقف الموضوعية التي إتخذتها منظمة العفو الدولية وهيومن راتس وتش ، التي نقلت الحقيقة عارية كما هي ...في الواقع من يحتاج للشفقة وليس التضامن هي قيادة النهج بالضبط ، التي تدعو حالتها للرثاء والشفقة ، حيث يعود لهم الفضل في نقل تشغيل الأطفال من التجارة والصناعة ، إلى السياسة ...وهنا لابد من الوقوف عند البيان الذي كتبه النهج الديمقراطي لأبنائه في الفيسبوك ،يتهم فيه المخزن بالوقوف وراء أعمال التخريب التي عرفتها عدد من المدن للإساءة إلى الوقفات والمسيرات السلمية في استنساخ لما قامت به السلطات في تونس ومصر...حقيقة لا يملك المرء سوى أن يقول « الله ينعل اللي مايحشم « ، وأن يهمس في أذن هؤولاء الذين توقفت بهم عقارب الساعة في زمن مضى ، أن المخزن طور ذاته ونفسه وأساليبه ، وأنهم بحاجة إلى مراجعة الدروس والإجتهاد قليلا بما يحترم ذكاء الناس ، الذين كانوا شهودا على أعمال التخريب التي عرفتها كل مدينة على حدا في سياقاتها المحلية المعزولة ، وإذا كان هناك من لوم يوجه للسلطات هو تأخرها في فرض النظام وربما يتصل ذلك بالخوف من وقوع ضحايا يتم توظيفهم في الأطروحات المريضة « للثوار الجبناء « ... أعمال التخريب والعنف ليست مسألة جديدة ، ففي نهاية بعض مقابلات كرة القدم تقوم جماهير الكرة الغاضبة أو المنتشية بأعمال مثل هاته ، كما أن عددا من أعمال التخريب التي وقعت يوم الأحد صادفت نهاية مقابلات في البطولة الوطنية ، ولا حاجة للتذكير بأن مثل هذه الأعمال تقع حتى في أعتى الدول الديمقراطية ، حيث في بريطانيا الهوليغانز يقدمون ملاحم في هذا الموضوع ، و شباب الضواحي في فرنسا وعند أي توتر اجتماعي أو سياسي ، كانوا يبادرون إلى إحراق السيارات والمحلات ، وفي الولاياتالمتحدة تابعنا كيف تحول الأمريكيون إلى لصوص في عز أكبر كارثة طبيعة تضرب أمريكا بمناسبة إعصار كاترينا ، حيث نقلت القنوات العالمية أعمال النهب والسرقة التي عرفتها المحلات التجارية ، وفي الزلازل فإن عددا من المنحرفين واللصوص وحتى مواطنين عاديين يتحولون إلى ممارسات إجرامية لإستغلال الوضع ، ويمكن أن نسأل أهل أكادير كيف سطى البعض على متاجر الذهب والمحلات التجارية بمناسبة الزلال المؤلم الذي ضربها في بداية الستينات من القرن الماضي ، وإذا كانت هذه الأمثلة غير كافية لقلوب عليها أقفالها ، دعونا ننتقل إلى الحقل العلمي والمعرفي من خلال استحضار علم النفس الاجتماعي والأطروحة الرائعة لغوستاف لبون في كتابه القيم « سيكولوجيا الجماهير « وهنا أقدم بعضا من الإضاءات حول نفسية الجماهير لكل غاية مفيدة : 1. إن بساطة عواطف الجماهير وتضخيمها يحميها من عذاب الشكوك وعدم اليقين ، فالجماهير كالنساء تذهب مباشرة نحو التطرف. 2. عنف عواطف الجماهير يزداد مبالغة وتضخيما لدى الجماهير غير المتجانسة بسبب انعدام المسؤولية. 3. غرائز التوحش الهدامة هي عبارة عن بقايا العصور البدائية النائمة في أعماق كل منا ، وسوف يكون من الخطر إرضاؤها أو إشباعها بالنسبة للفرد المعزول ، هذا في حين أن انخراطه في جمهور ما غير مسؤول يجعله قادرا على اتباعها لأنه يعرف بعدم تعرضه للمعاقبة . وأقول للرفاق في النهج الديمقراطي بكل صراحة أن ما وقع ليس هو العنف الثوري المبثوث في النظرية ، وأن الرفاق عليهم أن يمتلكوا قليلا من الشجاعة بدل التخفي وراء شاشة الحاسوب وإنتحال صفات لشباب وأطفال ، وهم يعلمون أن الناس لا تثور لأنها تملك صفحة على الفيسبوك أو تويتر ، وأن الذين خربوا في العرائش ومراكش والحسيمة ، آخر ما يفكرون فيه هو سرعة صبيب الأنترنت... وأوقول لمن تفتقت عبقريتهم بزرع الشوارع بشعار « ما تقيش بلادي « في هذه الظروف ، إرحمونا من سخافاتكم واستفزازاتكم ...فذلك الشعار أصبح موجها لكم . اللهم إني قد بلغت.