بتواضع الفلاسفة الكبار، ورغبة ملحة في اللقاء بالمثقفين والمفكرين المغاربة وعموم الجمهور القارئ لمؤلفاته، تحدث المفكر الفرنسي "إدغار موران" إلى زوار المعرض الدولي للنشر والكتاب، المقام حاليا بالدار البيضاء، عن نظرته لدور المفكر في توجيه الرأي العام والاهتمام بالقضايا الجوهرية التي تشغل باله. ففي المحاضرة، التي كانت مفتتح الدورة ( 17 ) للمعرض (من 11 إلى 20 فبراير الجاري) التي تنعقد تحت شعار "القراءة الهادفة لبناء مجتمع المعرفة"، مساء الجمعة الماضي،عمل المفكر الفرنسي موران على محاورة متتبعيه حول الاهتمام المفترض في المثقف والمفكر بما يطرأ على المجتمع، خاصة والعالم يخضع لأفكار التقنوقراط والخبراء، الذين لا ينظرون إلى الأمور في شموليتها وتعقيداتها، بل ويتطلع دائما إلى ما سيجود به من أفكار ونظريات تخرج عن المألوف لدى العموم، باعتباره الموجه له والقارئ للأحداث من زاوية مغايرة. يقول موران، إن المفكر يمكن أن يكون كاتبا وشاعرا يتحدث في المواضيع والقضايا الراهنة، مثل فلاسفة القرن (19 ) الذين كانوا يطرحون مواضيع تتعلق بالأسئلة الكبرى على الجمهور وعلى الخصوص "اللاعدالة" التي كانت سائدة آنذاك، ولهذا احتل المفكرون في فرنسا مكانة هامة لدى الجمهور نظرا لمناقشتهم القضايا الراهنة، مشيرا، في هذا الصدد، إلى كل من فولتير وروسو وديدرو. واعتبر أنه مثلما أن "المفكرين يمكن أن يخطئوا في تحليلاتهم، فإن دورهم في مجتمعنا، رغم بهوته في زمن التطور الهائل لوسائل الإعلام، لا محيد عنه، لأنهم يقومون بمعالجة المواضيع التي تشغل بال الجميع"، مبرزا أنه ينبغي أن يهتموا بكل ما يحدث في العالم والتطرق إلى كل ما يعتريه من أحداث. من جهة أخرى، أشار موران إلى أن "العولمة" مسلسل بدأ منذ بداية القرن (15 ) تطوره عبر عدة ظواهر، منها الرق والمبادلات التجارية، وطغت عليه ظواهر سلبية أحيانا وإيجابية أحيانا أخرى، وبعد الحرب العالمية الثانية وبعد بوادر تحرير الشعوب، ظهر مفهوم "الكونية" بتطور الاتصالات الحديثة وتوحيد التقنية والاقتصاد. وارتبط مفهوم العولمة، حسب إدغار موران، بوجهي "التغريب" و"التنمية"، مبرزا أنه من الخطأ تطبيق مفهوم "التنمية" على الشعوب دون مراعاة لخصوصياتها الثقافية، ونفس الشيء بالنسبة ل "التغريب" الذي تولد عنه انغلاق بعض الشعوب على نفسها، وهو في هذا الصدد يؤكد أن "كل ثقافة تحمل في ذاتها أخطاء وأوهاما". وبعدما أكد أن المغرب يتميز بغناه الثقافي وتقاليده وبرفعه لشعار "التنمية البشرية" والعمل من أجلها، دعا الفيلسوف الفرنسي إلى الاجتهاد في الاعتماد على التنمية المنبثقة من الداخل (محلية) بمواردها أو بمعنى آخر "أنسنة العولمة". يذكر أن المفكر الفرنسي إدغار موران يشارك في هذا المعرض الذي تتميز دورته الحالية بحضور أسماء فكرية وإبداعية مغربية وعربية ودولية، من بينها فريديريك ميتيران وزير الثقافة الفرنسي، وآلان غريش، وميشال مافيزولي، ومحمد سلماوي، وصلاح فضل، وواسيني الأعرج، وكاظم جهاد، ورشيد بوجدرة، ومحمد بنطلحة. وتعرف دورة هذه السنة، التي تحتفي بإيطاليا كضيف شرف، تنظيم العديد من اللقاءات والندوات في ثلاث قاعات أطلق عليها أسماء الراحلين محمد عابد الجابري ومحمد أركون وإدمون عمران المليح.