بقدر الحرص الإسرائيلي الرسمي على تجنب الحديث علنا عما يجري في مصر حاليا، فإن حالة الذعر التي تنتاب إسرائيل، جعلتها تترقب وتتابع عن قرب ما يجري هناك. ومع دخول «الثورة الشعبية» غير المسبوقة في مصر يومها السادس، كسر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الصمت الذي ألزم به نفسه وحكومته، قائلا «نتابع بيقظة الأحداث في مصر وفي المنطقة ، ويتعين علينا في هذا الوقت أن نظهر المسؤولية وضبط النفس»، مضيفا أنه يأمل أن تستمر العلاقات السلمية مع مصر. ويعد تصريح نتنياهو أول تعليق رسمي إسرائيلي على ما يجري في مصر، بعد أن سبق وأعطى تعليمات واضحة للوزراء والمتحدثين الرسميين في حكومته بعدم الإدلاء بتصريحات علنية. كما تجنبت الحكومة الإسرائيلية التعليق على الإعلان عن تعييين رئيس الاستخبارات المصرية، اللواء عمر سليمان، نائبا للرئيس، على الرغم من أن اختياره تحديدا يتضمن تهدئة للأعصاب في إسرائيل ، حيث يقوم سليمان بزيارات متكررة إلى تل أبيب، وله علاقات عمل جيدة مع نظرائه الإسرائيليين. ولعل القصد من التحفظ والصمت الإسرائيليين تجاه ما يحدث هناك للمداراة على حالة الذعر في إسرائيل ومحاولة إخفاء التحركات، والاتصالات مع الإدارة الأميركية للاطمئنان لما سيحدث بعد اندلاع تلك الثورة وبهذا الحجم الذي فاجأ الجميع بما فيها أجهزة الاستخبارات الأميركية، والإسرائيلية وحتى المصرية نفسها. وحسب وسائل الإعلام الإسرائيلية ، فإن وزير الحرب الإسرائيلي، إيهود باراك، عقد مشاورات أمنية خاصة بمشاركة جميع رؤساء الأجهزة الأمنية والأذرع الاستخبارية. مدفوعا في ذلك بالمخاوف من إسرائيل أن اتفاق السلام مع مصر في خطر. وفي الوقت نفسه، تجري وزارة الخارجية الإسرائيلية بسفارتها في القاهرة، مشاورات مكثفة بشأن التطورات في مصر، وفي انعكاس واضح لتلك المخاوف، أجلت إسرائيل عائلات دبلوماسييها في القاهرة إلى جانب أربعين إسرائيليا كان قد قيل إنهم يقومون بأعمال تجارية خاصة في مصر. وحثت الحكومة الإسرائيليين على تجنب السفر إلى مصر. ويبدو أن الموقف الغربي والأميركي تجاه ثورة مصر، لا يرضي إسرائيل؛ واستغرب مسؤولون سياسيون وأمنيون إسرائيليون دعوات الإدارة الأميركية ودول أوروبية النظام المصري إلى عدم قمع المظاهرات، وعبروا عن معارضتهم لها. ويعتبر هؤلاء السياسيون أن هذه الانتفاضة الشعبية من شأنها أن توصل« الإخوان المسلمين» إلى الحكم، فيما سيضطر الجيش الإسرائيلي في حال سقوط النظام إلى إعادة تنظيم نفسه. وقال رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، الأسبق أهارون زئيفي فركاش، للإذاعة «إنني لا أفهم تصرف الولاياتالمتحدة ودول أوروبا ومطالبتهم بالديمقراطية في مصر». وذكرت صحيفة «هآرتس» أن الشكوك الإسرائيلية حيال سياسة الإدارة الأميركية تجاه الشرق الأوسط -التي بدأت بخطاب الرئيس باراك أوباما قبل عام ونصف العام في جامعة القاهرة- استبدلت الآن بالذهول على ضوء الرسائل المتلعثمة الصادرة من واشنطن خلال اليومين الماضيين. وأقرت الصحيفة بأن أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية لم تتوقع أبدا حدوث انتفاضة شعبية في مصر حتى أن رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، أفيف كوهافي، قال -أمام لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست الأسبوع الماضي- إن النظام المصري مستقر. وقالت الصحيفة إنه في حال إسقاط نظام مبارك، فإنه سيتعين على الجيش الإسرائيلي إعادة تنظيم نفسه، لأنه منذ ثلاثين عاما لم يستعد الجيش الإسرائيلي لاحتمال مواجهة تهديد مصري، إضافة إلى أن السلام مع القاهرة خلال العقود الأخيرة ، جعل الجيش الإسرائيلي يخفض عدد قواته بصورة تدريجية ، وخفض سن الإعفاء من الخدمة العسكرية الاحتياطية ، وتحويل موارد كبيرة إلى أهداف اقتصادية واجتماعية. وأضافت الصحيفة أن التدريبات والمناورات التي يجريها الجيش الإسرائيلي، منذ انتهاء حرب لبنان الثانية، ركزت حتى الآن على محاربة «حزب الله» اللبناني، و «حركة المقاومة الإسلامية» (حماس) وحاكت هذه التدريبات في أقصى حد احتمال حرب مع سوريا ، لكن لا أحد، مثلا، تخيل احتمال دخول فيلق عسكري مصري إلى سيناء. وقدر المسؤولون الإسرائيليون أن الجيش المصري يسعى إلى تنظيم عملية تنحي مبارك عن الحكم، لكن في حال اشتداد الضغط الشعبي، فإن الجنرالات سيضطرون إلى تنحية مبارك مبكرا. من جهة أخرى، أشار المسؤولون الإسرائيليون إلى تعلق مصر بالمساعدات الاقتصادية الأميركية ، وقالوا إن أي حكم في مصر بالمستقبل ستكون لديه مصلحة بالحفاظ على العلاقات القوية مع الغرب. وأبدى مسؤولون إسرائيليون رفضوا ذكر أسمائهم- قلقا عميقا تجاه ضعف قبضة مبارك على السلطة، وقال البعض إنهم يخشون من أن العنف قد يمتد إلى الأردن المجاورة -الدولة العربية الوحيدة الأخرى التي لديها اتفاق سلام مع إسرائيل- أو إلى الأراضي الفلسطينية. وقال مسؤول إسرائيلي لوكالة أسوشيتد برس «إذا كان هناك تغيير النظام ، فسيتعين على إسرائيل أن تعيد تقييم إستراتيجيتها لحماية حدودها من واحد من الجيوش الحديثة في المنطقة».