تتجدد بين الفينة والأخرى حالة الاضطراب في العلاقات المغربية الإسبانية التي يمكن وصفها بوجه عام بأنها سهلة العطب. فهي تنذر في كل لحظة بأنها معرضة للانفجار. وذلك بسبب تداخل المصالح وأحيانا بسبب تضارب تلك المصالح. ونظرا لتنوع المآزق التي جربناها في ظرف عقد من الزمان، أصبح متاحا لكل متتبع أن يتوقع حدوث انفراج ضروري عقب كل مأزق. وحينما وقع تقلب أثار أسئلة، كتبت هنا عمودا ورد فيه أننا مقبلون على " بحر هادئ إلى قليل الهيجان ". وقبل ذلك حدث بمجرد نشوب أزمة صخرة " تاورة " أن إذاعة مونطي كارلو كانت قد استفسرتني، فقلت لها إن الأزمة جدية وشديدة، ولكنها لن تفضي إلى ما هو أسوأ. وبعد يومين عادت المحطة، وقد تصاعدت لهجة البيانات في كل من مدريد والرباط ، لتسألني عما إذا كنت متمسكا برأيي، فعقبت بأني أرى أن الجانبين سيبحثان عن سبيل للتهدئة، لأنهما لا يتحملان دوام الاكفهرار. وبالفعل تم إسدال الستار على تلك المواجهة بفضل تدخل كولن باول، الذي لم يفته أن يعبر عن تذمره، من أن الوزيرة الإسبانية أنا بالاثيو كانت قد أيقظته في الفجر، ذات يوم سبت، لتزعجه بشأن " مجرد صخرة ". والواقع أن البلدين نظرا لما بينهما من مصالح مشتركة، وما يسيرانه معا، يوما بيوم، من ملفات حيوية تهم البلدين، ونظرا لأن تطور علاقاتهما يهم أصدقاءهما الأبعدين والأقربين، فهما لا يتحملان أن تطول الأزمات التي تجلبها أحوال الطقس في المضيق، حيث تتعطل الملاحة أحيانا، بسبب سرعة الرياح، ولكن ليس لأكثر من بضعة أيام. ليس معروفا كيف كانت الأمور منذ 250 ألف سنة، حينما كانت سبتة متصلة بقادس، كما ورد في بحث نال به صاحبه الدكتوراه منذ أيام. وحتى لو لم تتكسر أعمدة هرقل، لكانت هناك أسباب أخرى لتوتر الأحوال الجوية. وإني لا أحيد عن الاطمئنان الذي يخامرني بهذا الصدد، مهما كانت حدة المشاكل التي تطل بقرنها، وأنا أستند إلى اعتبارات موضوعية، منها مثلا، أنه كلما ازدادت وتيرة الاندماج الأوربي، وهو ما يحصل منذ سنوات، تضاءلت فرص الاحتكاك المباشر بين المغرب وإسبانيا، والمثال على ذلك مسألة الصيد البحري. لقد عانينا كثيرا من كون الصيادين الإسبان كانوا يؤمنون بكيفية راسخة، بفكرة مجنونة، وهي أن لهم " حقوقا تاريخية " في المياه المغربية. ولكن لما بدأنا نتفاوض في هذا الشأن مع بروكسيل، اختفت حصة الجنون من الحوار بهذا الشأن، وأصبحنا نتوصل بيسر وبحسابات باردة، إلى اتفاقات معقولة. بل إن إيما بونينو اعترفت لنا بأنه من حقنا أن نصون الثروة السمكية، ولا نقبل الاستمرار في إبرام اتفاقات حول الصيد البحري، لأن زمن المسيح قد ولى، كما قالت، ولم يعد في الإمكان اللجوء إلى معجزات للإتيان بالسمك. 9 يناير 2011