المغرب-الصومال : إرادة مشتركة لتعزيز الشراكة بين البلدين    النيابة العامة تلغي أزيد من 70 ألف برقية بحث طالها التقادم        ترحيل جثامين أفراد الأسرة المغربية الأربعة ضحايا حادث اختناق في مالقة    الدار البيضاء .. التساقطات المطرية الأخيرة تنعش آمال الفلاحين    مولودية وجدة يستقبل الجريح رجاء بني ملال لتأكيد الصدارة    السكك الحديدية تتجه لاختتام 2025 بنمو قوي ورقم معاملات يتجاوز 5 مليارات درهم    "أوروبا ليغ".. ليون إلى الصدارة وأستون فيلا يواصل عروضه القوية    كوريا واليابان تدرسان تقديم ملف مشترك لاستضافة كأس آسيا لكرة القدم 2035    طنجة.. توقيف شخصين ظهرا في فيديو وهما يقودان سيارتين بطريقة خطيرة ويعرّضان حياة المارة للخطر    توقعات أحوال الطقس ليوم غد السبت    منظمة الصحة العالمية تدعو لتوفير علاج العقم بتكلفة معقولة ضمن أنظمة الصحة الوطنية    حموشي يجدد دماء إدارته بتعيينات جديدة في خمس مدن    المغرب وإسبانيا يعقدان الدورة ال13 للاجتماع رفيع المستوى في مدريد خلال دجنبر المقبل    جلالة الملك يهنئ رئيس الجمهورية الإسلامية الموريتانية بالعيد الوطني لبلاده    "فيفا" يكشف تفاصيل إجراء قرعة مونديال 2026 والوعاء الذي يضم المغرب    الوداد وأولمبيك آسفي يسعيان لمواصلة البداية القوية في كأس "الكاف"    إيران تقاطع قرعة كأس العالم 2026    بورصة الدارالبيضاء تستهل تداولاتها بأداء سلبي    ارتفاع جديد في أسعار الإنتاج الصناعي بالمغرب يقوده قطاع الكيماويات خلال أكتوبر 2025        أحكام نهائية ثقيلة في قضية "التآمر على أمن الدولة" بتونس    ترامب يفعلها من جديد... إعلان مفاجئ يربك العالم.        أكثر من 1.1 مليار شخص قاموا برحلات دولية خلال الأشهر التسعة الأولى من 2025    منظمة الصحة العالمية تنشر للمرة الأولى توجيهات لمكافحة العقم    انطلاق عملية تصدير أولى توربينات الرياح من معمل "أيون" بالدريوش نحو ألمانيا    128 قتيلا حصيلة حريق بهونغ كونغ    مخرج فيلم "كوميديا إلهية " علي أصغري يقدّم مقاربة مبسطة للواقع في مهرجان الدوحة السينمائي    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الجمعة    13 قتيلاً في قصف على ريف دمشق    مجلس النواب يصادق على قانون الانتخابات ويمرّر شرطاً تعجيزياً يُقصي الشباب من اللوائح المستقلة            إنزال مجموعة من المشردين والمختلين عقليا على مشارف الجديدة    حجز 200 كلغ من اللحوم الحمراء الفاسدة بأحد المحلات بحي الديزة بمرتيل    "العلم" تتوج بجائزة الحسن الثاني للبيئة في دورتها الخامسة عشرة    توشيح حموشي بوسام الأنتربول من الطبقة العليا        سريلانكا: ارتفاع حصيلة ضحايا الفيضانات إلى 40 قتيلا على الأقل    وفاة داني سيجرين .. أول من جسّد شخصية سبايدر مان على التلفزيون    اجتماع رفيع المستوى بالرباط بين أخنوش ومجموعة العمل المالي لمناقشة التزامات المغرب    الرابور "بوز فلو" يغادر سجن صفرو    المغرب .. 400 وفاة و990 إصابة جديدة بالسيدا سنويا    فلسطين.. هل سيقوم المغرب بدور مباشر في عملية السلام إلى جانب الولايات المتحدة؟    لبؤات الفوتسال إلى ربع نهائي المونديال بعد تخطي بولندا    الأمير مولاي رشيد، رئيس مؤسسة المهرجان الدولي للفيلم بمراكش .. المهرجان رسخ، منذ أولى دوراته، مكانته كمنصة للحوار والاكتشاف    خمسة مغاربة ضمن قائمة حكام مباريات كأس أمم إفريقيا لكرة القدم 2025    موسم حج 1448ه.. تحديد فترة التسجيل الإلكتروني من 8 إلى 19 دجنبر 2025    الأوقاف تكشف عن آجال التسجيل الإلكتروني لموسم الحج 1448ه    موسم حج 1448ه... تحديد فترة التسجيل الإلكتروني من 8 إلى 19 دجنبر 2025    الحسيمة.. وفاة أستاذ بعد تعرضه لنزيف على مستوى الرأس اثناء لقاء تربوي    إدارة مهرجان الدوحة السينمائي 2025: المهرجان يبرز حضور الأصوات السينمائية المهمة في عالمنا اليوم    مرجع لجبايات الجماعات من "ريمالد"    بعد ‬تفشيها ‬في ‬إثيوبيا.. ‬حمى ‬ماربورغ ‬تثير ‬مخاوف ‬المغاربة..‬    علماء يكتشفون طريقة وقائية لإبطاء فقدان البصر المرتبط بالعمر    إصدار جديد من سلسلة تراث فجيج    معمار النص... نص المعمار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أكتب ما أغفله الرسام..
قراءة شعرية في لوحات الفنان التشكيلي «بنيونس عميروش»
نشر في العلم يوم 31 - 12 - 2010

لا أريد أن أكتب الحروف في جميع تشكيلاتها التي استقرت عليها كتابة الإنسان منذ أول اكتشافه لها إلى الآن. لا أريد أن تكون كتابتي من اليمين إلى اليسار أو من اليسار إلى اليمين. أريد أن أكتب بطريقة هي فوق الطول والعرض، فوق العموديّ والأفقيّ. أريد أن أكتب خارج الجهة والظرف والمظروف. أريد أن أكتب بعيداً عن الأبجديّة المتبوعة بحركات الضبط التي تحدد موضع المكتوب من الدلالة والترميز. أريد أن أكتب بالصوت مباشرة دونما حاجة إلى نقله إلى مجال المسموع فقط. ليس هناك من طريقة ناجعة تفضي بي إلى غايتي غير أن أجعل النطق/التذوّق/السمع/الحسّ/اللمس أداةً مطواعة لأن تصبح حدساً. الكتابة بالحدس لا تعبّر عنها الرموز «الكاليغرافية». إنّها كتابتك أيها التشكيليّ، كتابتك التي بلورها معرضك الأخير، كتابتك التي لا تقرأ إلاّ عبر مشاهدة حدسيّة. من حسن حظّي أنّني استعنت عليها بما سبق وأن سمّيته أُجْرُومِيَّةً Grammaire لقراءة حدسيّة/باطنيّة (Esothérique) يمكن تطبيقها على لوحات معرضك الأخير، وتتلخّص في أنّها قراءة ثلاثيّة: أولاها قراءة شكليّة تهتم بالبحث في اللوحة عن تسعة عناصر هي: اللون والضوء والظلّ والمحيط والخط والمساحة والحركة والإيقاع والفاصلة، وثانيّتها قراءة شعريّة تهتمّ بمحاولة ربط الصلة بين هذه العناصر التسعة، وثالثتها شعائريّة Catéchistique تُتَوْئِمُ ما هو محسوس بما هوّ محدوس. أليس أنّ التشكيل التجريديّ كما يمتح من الوعي يمتح من اللاّوعي؟ ولذلك اعتبرت أن مشاهدة لوحاتك لا تفي بالمقصود منها إلاّ عبر هذه التوأمة التي هي خلاصة الاستمتاع الحسيّ/الحدسيّ الناتج عن الوقوف أمامها مدّة من الزمن لاستكناه ميتافيزيقاها، فماذا كانت النتيجة؟
إنّ اللون الخام الذي لم يتخلّص بعد من ماديّته الكيميائيّة الأوّليّة ينسجم تركيبيّاً مع اللون الذي هو خلاصة لمزجه بألوان أخرى بغاية استخلاص تعبير مركّب يساعد الرسّام على إبلاغ ما يريد تبليغه في اللوحة. إنّ هذا اللون الخام هو بمثابة المعنى الحقيقيّ الذي لا ينتقل إلى المعنى المجازيّ إلاّ بالمزج. لذلك، فهوّ يكتسي قوته التعبيريّة وهو محاط بموتيفات ذات شكل أسطوانيّ تتشابك مع موتيفات من أشكال أخرى يشي حضورها في اللوحة بأن ألوانها ممزوجة مزجاً يهدف إلى نقلها من الحقيقة إلى المجاز. أمّا الظلّ فغالباً ما يتمركز خلف اللون وتعكس هذه الموتيفات حضوره وكأنّه في عمق اللوحة.
أمّا الضوء فليس بهرجة به تلفت اللوحة الأنظار إليها، ولكنّه هو والتعتيم الخفيف مقصودان من أجل خلق تشابك عيّانيّ يفضي إلى تنامي معنىً رمزيّ. وعلى حين أنّ الإيقاع يهدف إلى إحداث انسجام بين تقنية الإلصاق (أشكال هندسية أو غير هندسية) وتعبيريّة الأشكال اللاتشكيليّة التي تستدعيها الذاكرة، فهو بمثابة وسيلة ساعدت الرسام على إدماج الغريب عن الكتابة التشكيليّة، مما قرّب بعض اللوحات من نماذج «سالفادور دالي». أمّا ما بقيّ من العناصر الأخرى، فيكاد يسير على النمط المألوف لدى غالبيّة مشاهير الرسّامين التجريديّين مع لمسة ظاهرة تدلّ على الانتماء إلى الحلم المغربيّ في التخيّل وفي إنجاز هذا التخيّل.
بعد هذه القراءة الشكليّة التي حدّدت مكامن العناصر التسعة في اللوحات المعروضة، تقوم القراءة الشعريّة - وهي الخطوة الثانيّة - بمهمّة الربط بين هذه العناصر ربطاً يمتح قليلاً أو كثيراً من مصطلحات لغة الكتابة بالحرف وإغداقها على المرسوم باللون. هنا يتدخّل المخيال ورهافة الحواس والقدرة على فكّ ألغاز الرموز. ذلك أن لوحات المعرض تقترح شيئاً واحداً هو دمج التجريديّ بالسورياليّ والفتوغرافيّ بالتأثيث الفسيفسائيّ والتخطيطات الأرابيسكيّة بالوجوه الآدميّة والأبجديّة اللاّتينيّة بإلصاقات غريبة تثري عملية الترميز. تنتهي هذه القراءة الثلاثيّة بقراءة شعائريّة تتغيّى الوصول إلى شيئين اثنين: أوّلهما اقتناص مكامن المتعة في اللوحة، وتتجلّى هذه المكامن أوّلاً في وضع اليد على مناحي توأمة الحسّيّ بالحدسيّ، وثانيهما الاستمتاع بما يثيره هذا الاقتناص من الارتعاشة التي يحسّها المشاهد قي بواطنه ارتعاشة محبّ في حضرة محبوب. لذلك، فهذه القراءة الشعائريّة يصعب تحديدها بسبب من أنّّها تخضع لطبيعة المشاهد ولمدى قدرته على دفع تذوّقه إلى أبعد مدى، وفي هذا يختلف مشاهد عن آخر. وفيما يخصّني فهذه القراءة الشعائريّة تهبني نوعاً من الإنصات الباطنيّ إلى رعشات أحسها في دواخلي وأنا أكتشف العناصر التسعة واحدا بعد الآخر تتزاحم وتلتئم إلى أن تكوّن كتلة تشكيليّة. بعد هذا الإنصات الباطنيّ أجدني مدفوعا إلى اعتبار قراءتي هذه وكأنها تتمّة لما بدا لي أن الرسام أغفله فيها ساعة إنجازها. هيّ تتمّة وليست نقداً لأنّها دعوة حاسمة إلى الانكباب على كتابة قصيدة عبرها أتنفّس الهواء الوارد عليّ من الأعلى. ومهرولاً أهرع إلى الكتابة، ومأخوذاً بها تختلج فيّ الرغبة في الإبداع.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.