صادق مجلس النواب الأسبوع الماضي على مشروع القانون رقم 41.10 المتعلق بتح+ديد شروط ومساطر الاستفادة من صندوق التكافل العائلي بحضور وزير العدل الجهاز الوصي، وقد تدخل الأخ الأستاذ عبد الواحد الأنصاري عضو الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية في مناقشة هذا المشروع قائلا لاشك أن المرأة المغربية كانت وهي كذلك اليوم شريك أساسي في تحقيق أهداف التنمية ومساهم فاعل في تطور المجتمع، وتكريسا لهذا النهج فقد وضعت بلادنا استراتيجيات وخطط لدعم النساء وتأهيلهن، وياتي صندوق التكافل في هذا الاطار وفق الخطاب السامي بأكادير ليوم الأربعاء 29 يناير 2003 الذي جاء فيه: « ولهذه الغاية وبدلا من إحداث صندوق للنفقة قد يفهم منه التشجيع غير المقصود على أبغض الحلال عند الله وتشتيت شمل الأسرة فإننا نصدر توجيهاتنا إلى حكومتنا قصد الدراسة المتأنية لإيجاد صندوق للتكافل العائلي يعتمد في جزء من موارده على طوابع ذات قيمة رمزية توضع على الوثائق المرتبطة بالحياة الشخصية والعائلية وترصد نفقاته على أساس معايير مدققة مستهدفين من ذلك ضمان حقوق الأم المعوزة وحماية الأطفال من التشرد الناتج عن الطلاق». وإن هذه التعليمات السامية كانت نبراسا أساسيا لما ورد بهذا الخصوص في التصريح الحكومي للسيد الوزير الأول الأستاذ عباس الفاسي الذي أكد صراحة ما يلي: «ولمسايرة ما تم تحقيقه بفضل مدونة الأسرة ستنكب الحكومة على دراسة أنجع السبل لتفعيل صندوق التكافل الأسري لفائدة النساء المطلقات و أطفالهن». واضاف عبد الواحد الانصاري بجانب هذه المرجعيات الأساسية للنص، فإننا نجد للمشروع مرتكزات أخرى ذات طابع وطني ودولي استمد منها مراميه ومقاصده النبيلة، وعلى رأسها أحكام الشريعة الإسلامية السمحة التي تصون كرامة المرأة والأبناء؛ - الدستور المغربي وما تضمنه من مبادئ ومقتضيات تؤكد تشبث المملكة المغربية بمفهوم حقوق الإنسان وفق ما هو متعارف عليه دوليا؛ - الإعلان العالمي لحقوق الإنسان؛ - الاتفاقيات الدولية الخاصة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية؛ - الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الطفل؛ - الاتفاقية الدولية للقضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة؛ - مدونة الأسرة وما تنبني عليه من مبادئ المساواة بين الجنسين، وغيرها من المواثيق والتشريعات. الى ذلك ثمن معالجة المشرع لبعض الثغرات الملاحظة على أرض الواقع، حيث تدخل المشرع مجددا في السنة التشريعية المنصرمة لتعديل الفصل 16 من مدونة الأسرة كذلك لمنح المواطنين أجلا إضافيا قصد توثيق عقود الزواج ومصاحبة ذلك بحملة إعلامية واسعة لضمان الانخراط في هذه العملية. وابرز عبد الواحد الانصاري في هذا الخصوص إننا كفريق استقلالي بمجلس النواب مع استقرار الأوضاع الأسرية التي عالجت مدونة الأسرة العديد من جوانبها، وقد جعلنا ذلك من ابرز اهتماماتنا وبصورة خاصة وضعية الأم المطلقة ومصير الأبناء في حالة عوز الأب أو غيابه، لما لهذا الموضوع من علاقة مباشرة بالتفكك الأسري وعواقبه الاجتماعية غير المقبولة، التي قد تؤثر على سلوك الأطفال في مرحلة المراهقة المحتاجين إلى الدعم المادي والمعنوي الكافيين. إن حزب الاستقلال يؤمن بكون الأسرة هي النواة الصلبة في المجتمع، ومن الواجب المحافظة عليها كوحدة متماسكة قائمة على التضامن والتآلف في مواجهة كافة الأسباب والمظاهر المشجعة على التفكك والانحلال، وهي الأفكار التي ميزت أدبياتنا الفكرية والأخلاقية التي لا زالت كتب ومقالات العديد من مؤسسي ورواد حزبنا شاهدة على ذلك منذ فترة الحماية إلى وقتنا الراهن. لقد كان لتشكيل اللجنة المكلفة بمراجعة مدونة الأسرة بأمر من جلالة الملك محمد السادس والتي أنعم بشرف رئاستها للأمين العام السابق لحزبنا الأستاذ امحمد بوستة محطة أساسية في سبيل معالجة كافة الثغرات التي شابت مدونة الأحوال الشخصية، وأكدنا حينها كحزب وفريق برلماني على ضرورة الحفاظ على الحد الأدنى من حقوق الأمهات المطلقات وأبنائهن، واقترحنا في إطار النقاش مع المهتمين السياسيين والاجتماعيين وفعاليات المجتمع المدني مسألة البحث عن الآليات الكفيلة بتحقيق هذا الغرض، ليتم الاهتداء في الأخير إلى فكرة صندوق التكافل العائلي، والذي يمثل إخراجه إلى حيز الوجود أكثر من مغزى ودلالة، إذ أنه في بادئ الأمر تكريس لفضيلة مغربية أصيلة تجعل من التضامن أبرز معاني التعاضد والتراحم كلما دعت الحاجة والضرورة، وهو كذلك تعبير عن تعبئة المجتمع بكافة مكوناته لمواجهة كل ما من شأنه المساس بتماسكه، وإن تقديم المشروع في هذا الوقت بالذات كمبادرة حكومية ترمي إلى الوفاء بإحدى الالتزامات المتعاقد بشأنها بين الحكومة والبرلمان ومن خلاله الشعب المغربي بمناسبة المصادقة على تصريح السيد الوزير الأول أمام مجلسنا الموقر، وهو يحيلنا إلى استحضار ما يعرفه العالم المعاصر من تراجع للعديد من الحكومات تجاه مقاربة الملفات الاجتماعية كإحدى النتائج المباشرة للأزمة الاقتصادية العالمية، التي واجهتها بلادنا بإصرار الحكومة على مواصلة نهج مقاربة سياسة اجتماعية متوازنة رغم ضغط الاكراهات المذكورة. وقال لابد من الإشارة إلى الصعوبات العملية التي واكبت فكرة إخراج هذه الصندوق إلى حيز الوجود منذ 2003، والتي تميزت بالإعلان يوم الاثنين 14 فبراير 2005 بمناسبة مرور سنة على صدور مدونة الأسرة عن وضع مشروع القانون الخاص بصندوق التكافل العائلي وكذا عن كونه أخذ مساره عبر قنوات التشريع. واضاف لابد أن ننوه في هذا الصدد بالخطوات الحكيمة للسيد الوزير الأول في تعامله مع هذا الملف من خلال تكليفه لخلية وزارية بتعميق التفكير والنقاش حول الموضوع من كافة جوانبه، بالبحث عن سبل التمويل وتحديد المؤسسات المالية التي يمكن أن تدير الصندوق، بما يكفل إيجاد الصيغ المناسبة للاستفادة من خدماته بصفة مستمرة ومن تغطيته لجميع المناطق القضائية، وقد بلغ إلى علمنا أنها أجرت قبل اليوم بل وحتى قبل اقرار ما جاءت به المادة 16 من قانون المالية لسنة 2010 دراسات علمية حول جميع الإمكانيات المتاحة للتمويل لاسيما اللجوء إلى الرسوم التي تفرض على بعض الخدمات المتعلقة بالأحوال الشخصية والعائلية (عقود الزواج، عقود الطلاق وعقود الازدياد) كدخل إضافي لتمويل الصندوق، وذلك بالإضافة إلى العمل على تدقيق نطاق تطبيق النص قصد دفع النفقة للام وأطفالها بعد انحلال روابط الزوجية، ومن حيث العوامل المعتبرة من طرف القاضي عند البت فيما إذا كان ينبغي منح النفقة من عدمها، وحالات تدخل الصندوق تلافيا لكل انحراف في التطبيق أو استعمال لموارده في غير ما أعدت له. ونود أن نشير كذلك إلى أننا في الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية نؤكد بأن المشروع على حالته لا يفي بالحاجات التي نطمح إليها، وأن المصادقة عليه بهذه الصيغة باعتباره قانونا مصاحبا للقانون المالي يخضع في مناقشته والمصادقة عليه لقيود مسطرية تتعلق بالبرمجة وما تتيحه المساحة الزمنية، فان ذلك لا يثنينا عن القول بأن المبالغ المرصودة في إطار مشروع القانون المالي لسنة 2011 للقيام بهذه الخدمات غير كافية وتحتاج إلى المزيد من الدعم. وفي الواقع، فان استقراء مضمون النص يظهر وجود ترابط بين العديد من أهدافه ومقاصده مع مرامي المبادرة الوطنية للتنمية البشرية التي أعلن عنها جلالة الملك محمد السادس في الخطاب الملكي السامي ل 18 ماي 2005، والتي تمثل رؤية شمولية للمشروع المجتمعي المرتكز أساسا على «مبادئ الديمقراطية السياسية والفعالية الاقتصادية، والتماسك الاجتماعي والعمل والاجتهاد، وتمكين كل مواطن من الاستثمار الأمثل لمؤهلاته وقدراته»، وقد سهر جلالته منذ اعتلائه للعرش على إعطاء أولوية خاصة للجانب الاجتماعي عن طريق الوقوف ميدانيا على أحوال المواطنين عموما وذوي الحاجات على وجه الخصوص. ويتضح هذا الترابط بصورة أكبر في المرتكزات الأساسية للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية التي لا تعتبر مشروعا مرحليا ولا برنامجا ظرفيا عابرا بقدر ما هي مشروع مفتوح باستمرار يقوم على أربع مرتكزات تتمثل في: - الاستناد على المعطيات الموضوعية للإشكالية الاجتماعية في المغرب؛ - الاعتماد على سياسيات عمومية مندمجة ضمن عملية متماسكة وتعبئة شاملة وقوية متعددة الجبهات؛ - تعبئة كل المغاربة وانخراطهم الفاعل في عمل جماعي تشاركي؛ - استخلاص العبر والدروس من التجارب التنموية السابقة ومن النماذج الموفقة لبعض البلدان. وابرز انه للوقوف أيضا على مكانة المشروع في هرم القوانين الرامية إلى حفظ كرامة الأمهات وأبنائهن، لا بد من الاستدلال بالمقتضيات المنظمة للنفقة في مدونة الأسرة التي عالجتها في القسم الثالث من الكتاب الثالث في المواد من 187 إلى 205، وقد تناولت الأحكام العامة للنفقة وبينت مشمولاتها وعناصرها وأسباب وجوبها والملزمين بأدائها، وكذا المستحقين لها مع إبراز المعايير الموضوعية التي تراعى في تحديدها والوسائل الكفيلة بتنفيذ الأحكام الصادرة بشأنها ومسطرة مراجعتها. وتطرقت كذلك إلى مشمولات النفقة التي تمس كل الحاجيات الملحة لحياة مستحقيها، لذلك عملت المدونة على إبرازها بشكل صريح بهدف حماية الزوجة والأطفال عند امتناع الزوج عن الإنفاق، وأوجب المشرع عند تحديدها مراعاة التوسط ودخل الملزم بها وحال مستحقيها ومستوى الأسعار والأعراف والعادات السائدة. واوضح انه بجانب الحماية القانونية التي عملت مدونة الأسرة على تكريسها، فان للموضوع جوانب أخرى تستدعي التدخل على المستوى القريب لتخصيص التدابير المناسبة لحل مجموعة من الاشكالات المرتبطة، وفي هذا الصدد نرى في فريقنا ضرورة ملحة إلى الانكباب على ما يلي: - تقييم تطبيق مدونة الأسرة على أرض الواقع، والعمل على تجاوز الثغرات والنواقص المسجلة؛ - مراجعة القانون الجنائي فيما يتعلق بتجريم تشرد الأطفال وتشديد العقوبات الزجرية لردع كافة الجرائم التي تمس الطفل؛ - محاربة ظاهرة استغلال المعاقين في التسول؛ - خلق مراكز إدماج أطفال الشوارع؛ - تكريس مجانية العلاج في المستشفيات العمومية بالنسبة الأطفال والنساء بحكم احتياجاتهن الخاصة في مجال الصحة الإنجابية؛ - توفير الخدمات والأجهزة الملائمة للنساء ذوات الحاجيات الخاصة؛ - حماية النساء والأطفال من العنف والتعسف والتمييز بمختلف أنواعه؛ - بذل المزيد من الجهود في مجالات محاربة الفقر ومحاربة الهدر المدرسي والقضاء على الأمية... وختم بالقول إن مضمون هذا المشروع الرامي إلى مسايرة المنطق التضامني المجتمعي، والمساهم في ترسيخ العديد من المبادرات الوطنية التي يشرف عليها جلالة الملك، في تناسق مع مجموعة من البرامج والسياسات الحكومية المرتبطة بالمجال الاجتماعي، الهادفة إلى الحفاظ على كرامة الإنسان المغربي بكافة شرائحه [ذكورا وإناثا شيبا وشبابا]، تدعو بإلحاح إلى المصادقة عليه في أفق تحسين مضامينه وتحسين جودة الخدمات التي يروم تقديمها للأمهات المعوزات وأبنائهن مستقبلا. لهذه الأسباب وغيرها من مبادئ التكافل والتضامن المنسجمة مع مفاهيم التعادلية، فإننا في الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية نؤكد بأنه ما ضاع حق وراء طالب، وسنصوت بالإيجاب على هذا المشروع.