مجلس المنافسة يفتح تحقيقا مع خمسة فاعلين في قطاع الدواجن    السعودية أولى المتأهلين لربع النهائي في كأس العرب للمنتخبات 2025    "الاتحاد الأوروبي" يقلص عقوبة دياز    إلغاء صفقة دراسية حول الفساد في الصحة.. بعد كشف تضارب المصالح.    قرعة مونديال 2026 تضع المغرب في مجموعة نارية.    كأس العالم 2026: القرعة تضع المنتخب المغربي في المجموعة الثالثة إلى جانب البرازيل    الكلاب الضالة تهدد المواطنين .. أكثر من 100 ألف إصابة و33 وفاة بالسعار    النيابة العامة تلتمس إدانة مبديع ومصادرة عائدات الصفقات المشبوهة        افتتاح المعهد العالي للعلوم الأمنية بمدينة إفران    جهة طنجة-تطوان-الحسيمة: المصادقة على إحداث "شركة المنشآت الرياضية لطنجة"    إسبانيا تشيد بالمصادقة على القرار 2797، الذي يؤكد أن حكماً ذاتياً حقيقياً تحت السيادة المغربية هو الحل الأكثر قابلية للتطبيق    كأس العرب -قطر 2025- (الجولة 2 المجموعة 2).. المنتخب المغربي يتعادل أمام نظيره العماني (0-0)    قبل انطلاق كان 2025 .. الصحة تعتمد آلية وطنية لتعزيز التغطية الصحية        "الفيلسوف ابن ساعته"    رعب في الطائرة    أيُّ ديمقراطية نُؤسِّسُ..؟    مراجعة مدونة الأسرة..    هولندا تدعم سيادة المغرب على صحرائه: الحكم الذاتي هو الحل الأكثر واقعية    مؤسسة محمد الخامس للتضامن تنظم حملة طبية – جراحية كبرى بالسمارة    اعتصام جزئي داخل مستشفى محمد السادس بأجدير للاسبوع الرابع    توقعات أحوال الطقس ليوم غد السبت    هولندا.. محاكمة مغربي متهم بقتل شخص طعنا : انا مختل عقليا ولست ارهابيا    لفتيت ينفي تدخل الإدارة في انتخابات 2021 ويدعو إلى تخليق الحياة السياسية    هذا هو أصغر لاعب شطرنج مدرج في تصنيف الاتحاد الدولي للعبة    محكمة الاستئناف بمراكش تُنصف كاتب وملحن أغنية "إنتي باغية واحد"    "ورشات الأطلس" بمهرجان مراكش تعلن عن متوجي الدورة السابعة    مدير "يوروفيجن" يتوقع مقاطعة خمس دول للمسابقة بسبب مشاركة إسرائيل    بورصة البيضاء تنهي الأسبوع بارتفاع    تعيين أربعة مدراء جدد على رأس مطارات مراكش وطنجة وفاس وأكادير    الاجتماع رفيع المستوى المغرب–إسبانيا.. تجسيد جديد لمتانة الشراكة الثنائية (منتدى)    اسم وهوية جديدان لمدرسة خليل جبران    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    نتفلكس تقترب من أكبر صفقة لشراء استوديوهات وارنر وخدمة "HBO Max"    الحكومة تمدد وقف استيفاء رسوم استيراد الأبقار والجمال لضبط الأسعار    ميسي يثير الغموض مجددا بشأن مشاركته في كأس العالم 2026    "أمريكا أولا"… ترامب يعلن استراتيجية تركز على تعزيز الهيمنة في أمريكا اللاتينية وتحول عن التركيز عن آسيا    ماكرون يصف الحكم على صحافي فرنسي في الجزائر بأنه "ظالم"    الغلوسي: مسؤولون فاسدون استغلوا مواقع القرار للسطو على أموال برنامج "مراكش الحاضرة المتجددة"    خلال 20 عاما.. واشنطن تحذر من خطر "محو" الحضارة الأوروبية    الرسالة الملكية توحّد العلماء الأفارقة حول احتفاء تاريخي بميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم    سعر النحاس يقفز لمستوى قياسي وسط تفاؤل التوقعات ومخاوف الإمدادات    تقرير: واحد من كل ثلاثة فرنسيين مسلمين يقول إنه يعاني من التمييز    قصيدةٌ لِتاوْنات المعْشوقة.. على إيقاع الطّقْطُوقة!        أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الجمعة    مونديال 2026.. أنظار العالم تتجه نحو واشنطن لمتابعة عملية سحب القرعة    كيوسك الجمعة | 72% من المغاربة يتصدقون بأموالهم لفائدة الجمعيات أو للأشخاص المحتاجين    استقرار أسعار الذهب مع ترقب بيانات التضخم الأمريكية    "المثمر" يواكب الزيتون بمكناس .. والمنصات التطبيقية تزيد مردودية الجَني    لمياء الزايدي .. الصوت الذي يأسر القلوب ويخطف الأنفاس    مبادرة "Be Proactive" تعزّز الوقاية من حساسية الأسنان في عيادات المغرب    دراسة: الرياضة تخفف أعراض اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه    تحديد فترة التسجيل الإلكتروني لموسم حج 1448ه    الأوقاف تكشف عن آجال التسجيل الإلكتروني لموسم الحج 1448ه    موسم حج 1448ه.. تحديد فترة التسجيل الإلكتروني من 8 إلى 19 دجنبر 2025    موسم حج 1448ه... تحديد فترة التسجيل الإلكتروني من 8 إلى 19 دجنبر 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عن مدى بداهة مفهوم الإيقاع 2-4
2 - الإيقاع والمجتمع
نشر في العلم يوم 12 - 11 - 2010

تم تعريفُ الإيقاع (rythme ) في الحلقة السابقة بأنه عَوْد وُقوعِ الوقع المحسوس المعين بشكل دوري يكون على محور الزمن فيدرك الذهن بنيته عبر السمع، أو يكون على رقعة المكان فيدرك الذهن بنيته التشكيلية عبر البصر، أو يكون في تركيب زماني- مكاني، فيدرك الذهن بنيته الكوريغرافية عبر السمع والبصر. وأُنهيَتْ تلك الحلقة بالقول إن بهذا المفهوم، وبه فقط ، يمكن مثلا فهم قول الفلسفة الفيتاغورية "الوجود عدد وإيقاع".
ويتعدى الإيقاع تنظيم المدركات الحسية في الذهن (من مسموعات ومرئيات ثابة أو متحركة)، وتنظيم المتصوّرات في التصور (مقادير وأعداد وهيئات)، إلى تنظيم وضبط العمل والسلوك لدى الفرد وفي حظيرة الجماعة. فكل الأعمال الفردية التقليدية لا تحصل فيها المهارة إلا بعد إدراج الحركات اللازمة لإنجازها في إيقاعات دورية معينة، يلاحظها الملاحظ لحركات العامل والصانع الماهرين. ولم يعمل التصنيع الآلي سوى أن بلغ بتنسيق تناوب تلك الإيقاعات أقصى الغايات. فما على الملاحظ إلا أن ينصت إلى طابعة أو ناسجة آلية أو أي نظام تصنيعي آلي آخر ويلاحظ حركات أجزائها، ليدرك الإيقاعَ المسموع لأصواتها، والإيقاعَ الراقص المرئي لحركات أجزائها. أما العمل الجماعي بدوره، فلا يستقيم إلا حسب إيقاع معين. وقد أدرك ذلك الإنسان منذ القدم، خصوصا في الأشغال الجماعية التي تتطلب تنسيق لحظات الجهد العضلي الجماعي، فابتدع لذلك أهازيج يضبط على إيقاعها حركات أفراد الجماعة (حركات الجدافين في الملاحة، حركات الرفع الجماعي للأثقال، الخ) لضمان تزامن دفعاتها (synchronisation)، لأنه بدون تلك المزامنة تتشتت الجهود الفردية ويلاشي بعضها بعضا، فلا يكون هناك مفعول كتلوي لها.
وبالإضافة إلى ذلك، يضبط الإنسان نشاطه الاجتماعي القصير الأمد على أبرز إيقاعات الطبيعة الأرضية، أي التمحور اليومي (rotation) للأرض حول محورها التقديري أمام الشمس، وهو ما كان ذهن الإنسان يدركه كدورانٍ للشمس حول الأرض، وما تولت الساعةُ الآلية ضبطَه في استقلال عن أحوال الطقس (صحو، سحب). فعلى أساس ذلك الإيقاع الأصغر، الذي يتعاقب بمقتضاه الليل والنهار يضبط الإنسان الدورة الصغرى لسعيه وتقوّته وسُباته. ثم إن المجتمع ككل، يضبط كذلك فترات أنشطته الاقتصادية الكبرى من إنتاج (جَني، صيد، رعي، حرث، حصاد) وتبادل (بيع، شراء، أسواق، مواسم، زكوات، ضرائب، الخ) وأنماط استهلاك (استهلاك الدورة اليومية، في مقابل الاستهلاكات الطقوسية والاحتفالية)، حسب إيقاع من نفس القبيل من الإيقاع الدوري، ولكنه أوسع منه وأشمل؛ إنه إيقاع دوران الأرض (gravitation) في فلكها حول الشمس، ذلك الدوران الذي كان يتصوره ذهنُ الفلكيين كدوران سنوي لقرص الشمس عبر أبراج ما كان يتراءى لهم على شكل "كرة فلكية" sphère céleste.
وفي اتصال متكامل بنشاطه الاقتصادي، بمختلف أوجهه، ضَبط الإنسان كافة أنشطته الروحية والثقافية الانثروبولوجية على وتيرة نفس القبيل من الإيقاع. فصلواته وصياماته، ومُزارات حجه، واحتفالاته، وطقوسه، وأعياده، مقرونة دائما إما بإيقاع تمحور الأرض حول محور قطبيها أمام الشمس، مما يولد الليل والنهار (الصلوات والتحيات)، وإما بإيقاع دورانها السنوي حول الشمس على شكل تعاقب الأشهر الشمسية، والفصول الطبيعية، وتمام الحَول، وعودة الدورة، وإما بإيقاع لولبية القمر حول الأرض أمام الشمس (الأشهر القمرية)، وإما بتراكب إيقاعي (polyrythmie) معين لتلك الإيقاعات مجتمعة كما سيأتي تفصيل ذلك بالنسبة للأعياد والمواسم حسب الحضارات.
وتجدر الإشارة هنا، على سبيل الاستطراد اللغوي المفيد، إلى أن تسمية الاحتفال السنوي في العربية ب"العيد" تسميةٌ تترجم، لفظا ومعنى، مفهومَ "العَوْدُ"، وتعكس بذلك الطابعَ الإيقاعي الدوري لذلك القبيل من الاحتفال. فكلمة "عِيد" هي اسمُ مصدرٍ نوعي، وهي بصيغة "فِعْل" من "عادَ يعودُ عودا"، وتقديرها /عِوْد/، على غرار كون كلمة "صِيت" مثلا مصدراً نوعيا لفعلِ "صاتَ يصوت صوتا"، أي ذاع صوته أو صيته، وتقديرها /صِوتٌ/، فقلبت الواو لانكسار ما قبلها كما في كلمة "مِيزان" من وزن"، إذ تقديرُها /مِوزان/، وعلى غرار اشتقاق كلمة "القيل" مثلا من "قال يقول قولا"، إذ هي اسم مصدر نوعي تقديره /القِوْل/. ولذلك قال الشاعر الأندلسي: "بأية حال عُدت يا عيد" أي "يا عِودُ". ومن قبيل نفس ذلك الاشتقاق كلمة "عادة"؛ فهي مشتقة من "عاد يعود عودا"، على غرار كون كلمتي "القال"، في قولنا "القيل والقال"، مشتقة بدورها من "قال يقول قولا". وذلك أن العيد، من حيث هو عَودٌ دوريٌ، وجهٌ من أوجه العادة.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.