ثانيا: مكانة الثقافة الأمازيغية ضمن اهتمامات الجماعات المحلية كما سبقت الإشارة، فقد أصبحت الأمازيغية عنصرا هاما في التوجه الثقافي للدولة المغربية، في إطار المشروع المجتمعي الديمقراطي الحداثي الذي ينخرط فيه المغرب. وإذا كانت الأمازيغية مكونا أساسيا للهوية الثقافية للمغاربة، بناء على مقومات تاريخية وحضارية مشتركة، فإن مظاهر هذه الثقافة تنجلي بشكل أكبر على المستوى المحلي كخصوصية ثقافية متميزة. وفي هذا الإطار، تبرز أهمية دور الجماعات المحلية في تنمية الثقافة الأمازيغية، باعتبارها المؤسسة الأقرب لانتظارات الساكنة المحلية. ويمكن تسجيل بعض النماذج من المجالس الجماعية التي بادرت إلى القيام بأعمال من شأنها المساهمة في تنمية الثقافة الأمازيغية، وخصوصا في المناطق التي توجد بها ساكنة ناطقة باللغة الأمازيغية. فنجد المجلس الجماعي لأكادير مثلا، قد قام بأعمال مهمة تتوخى تنمية الثقافة الأمازيغية والتراث المحلي، من خلال إنشاء متحف بلدي للثقافة الأمازيغية بمدينة أكادير، والاحتفال برأس السنة الأمازيغية ذات البعد الوطني، وكذلك المساهمة في الأنشطة الثقافية الأمازيغية التي تنظمها الجمعيات، كما أن رمز الهوية البصرية لبلدية أكادير كتب عليه بالحرف الأمازيغي «تيفيناغ» بجانب الحرف الآرامي والحرف اللاتيني. لكن تدخل الجماعات المحلية في النهوض بالثقافة الأمازيغية، لا ينبغي أن ينحصر في الجماعات التي يوجد بها السكان الناطقون بالأمازيغية فقط، بل على المجالس الجماعية أن تأخذ بعين الاعتبار مكانة الأمازيغية ضمن برامجها الثقافية باعتبارها ثقافية وطنية لجميع المغاربة. والملاحظ أن معظم برامج الأحزاب السياسية خلال الحملات الانتخابية، تتم كتابتها باللغة الأمازيغية إلى جانب العربية، لكننا لا نجد امتدادا لهذا الاهتمام خلال العمل الجماعي للمنتخب. هذا الاهتمام الذي ينحصر في بعض المبادرات الشخصية لبعض المنتخبين، وخصوصا في الجماعات الموجودة بالمناطق الناطقة بالأمازيغية. ولهذا ينبغي على الجماعات المحلية الحضرية منها والقروية أن تلعب دورها كاملا في النهوض بالثقافة الأمازيغية، سواء كخصوصية محلية أو كمكون أساسي للثقافة الوطنية، على المستوى المعنوي من جهة، من خلال إطلاق أسماء الرموز المحلية على المرافق والأماكن العامة، واستعمال الحرف الأمازيغي «تيفيناغ» في الفضاءات العامة لضمان إشعاعه، وهو الذي تمت المصادقة عليه رسميا في 10 فبراير 2003، ونال الاعتراف الدولي من طرف المنظمة الدولية للمعيرة في 25 يونيو من نفس السنة. ومن جهة أخرى، من خلال تنظيم أنشطة مرتبطة بمختلف جوانب الثقافة الأمازيغية من مسرح وسينما وأدب وفنون، سواء بمبادرة من المجالس الجماعية ومجالس المقاطعات نفسها، أو بشراكة مع المؤسسات المعنية، وعلى رأسها المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، من خلال استشارتها أو الاستفادة من خدمات أطر هذه المؤسسة فيما يتعلق بتكوين المنتخبين المحليين وأطر الجماعات حول أهمية الثقافة الأمازيغية. وكذلك بتعاون وشراكة مع جمعيات المجتمع المدني المهتمة بالثقافة الأمازيغية، عبر دعم أنشطتها الثقافية، واستشارة مع الفاعلين فيها لبلورة المشاريع الثقافية المحلية، وذلك من خلال تفعيل الآلية القانونية الجديدة التي حملتها التعديلات الجديدة إلى الميثاق الجماعي، والمتعلقة بإحداث لجنة استشارية بجانب رئيس المجلس الجماعي تتألف من الفاعلين الجمعويين المحليين. عموما، ورغم بعض النماذج القليلة من الجماعات المحلية الناجحة في بلورة برامج واضحة المعالم لتنمية الثقافة الأمازيغية، فإن الاهتمام الثقافي عموما يظل محدودا على مستوى المجالس الجماعية، الأمر الذي يستدعي تضافر الجهود لتجاوز هذا الواقع، وخصوصا من خلال توعية المنتخبين المحليين بأهمية الثقافة في تحقيق الانسجام والتماسك الاجتماعي، وكذلك في مساهمتها وانعكاسها الإيجابي على الجوانب الأخرى الاقتصادية والاجتماعية للتنمية المحلية.