لم أكن أتخيل أن المأساة بهذا الحجم والفظاعة، وتلك الخطورة والاستعصاء، أمر لا يصدقه سامع إلا من رآها، و مأساة يندى لها جبين أي إنسان على وجه هذه البسيطة، و مهما وصفنا في هذه الأسطر فإننا لن ننقل إلا الجزء اليسير و الغير معبر عن ما شاهدناه بأم عيننا في ذلك المكان الذي لا يمكن وصفه إلا بالإسطبل الذي لا يصلح لأي شيء و لا يصلح حتى للحيوان فما بالك بالإنسان الذي أكرمه الله عز وجل، فمهما نقلنا من الكلمات والصور و لاوصاف فإننا نشدد على كل من يطالع هذه الأسطر أن يحذو حذونا ويشاهد بقلبه وعينه هذه الحالة الإنسانية التي تعد افضع من فصول «البؤساء» للكاتب الشهير «فيكتور هيكو»، لعل و عسى أن يوجد أحدا ينقذ هذه العائلة وينقد مرضاها من موت سيكون محققا لا محالة. اكتشافنا لهذه الحالة الإنسانية لم يكن بمحض الصدفة، بل بفضل السيدة فاطمة وضيح فاعلة خير ونورالدين بوطافي رئيس جمعية للمعاقين والأستاذ احمد السلماني الذين ألحوا علينا بالزيارة وأقنعونا بالتنقل إلى دوار البيهات جماعة سيدي حساين بن عبد الرحمان ضواحي احد أولاد فرج بإقليم الجديدة، هناك وقفنا على حجم المأساة، نعم الكل مدعوا للاطلاع بعينيه و جوارحه لان الكلام لا يكفي و لن يكفي لوصف حالة هذه العائلة التي تعيش في ظروف لا ترقى إلى ظروف عيش الحيوان «أكرمكم الله»، فما كان علينا إلا أن ضبطنا موعدا و أخذنا آلة التصوير و اتجهنا على متن السيارة، مباشرة بعد وصولنا نزلنا من السيارة لنلتقط صورة للكوخ الطيني الذي بدا لنا معبرا عن حجم المأساة، لم نكن ندري أن ما وراء هذا الباب أدهى و أمر و ما لا يخطر على بال، وجدنا ربة الأسرة العجوز السيدة فاطمة الزهار التي تخطت الخمسة وسبعون عاما من عمرها برفقة ابنها المعاق ذهنيا اصغر أبنائها عند الباب رحبت بنا ودعتنا الى داخل الكوخ ، تبعناهما الى داخل ذلك»الاسطبل» الذي لا يمكن لأي احد أن يصفه بمنزل، أرضية من التراب و الأحجار والأوساخ والقاذورات و روائح كريهة تنبعث من كل مكان وكل أنواع الحشرات وعلى رأسها الفئران والجردان تتعايش مع هؤلاء المعاقين، فقابلنا باب الغرفة التي تأوي المأساة الإنسانية في صمت، غرفة لا تتجاوز مساحتها الثلاثة أمتار طولا ومترين عرضا حيث يسكنها خمسة معاقين مع والدتهم العجوز، بعد وفاة الأب المعيل الوحيد للأسرة منذ ست سنوات، الأم العجوز أصبحت عاجزة عن التكفل بأبنائها المعاقين بعد سنوات من الرعاية والكفاح والصبر الذي لا يعادله سوى صبر أيوب، اثنان منهم ذووا إعاقة ذهنية والثلاثة الباقون ذوو إعاقتين ذهنية وجسدية، الفتاة العامرية شرف ثلاثون سنة، احمد شرف ثلاثة وأربعون عاما، حسن شرف أربعون عاما، فتحية شرف خمسة وعشرون عاما، والمكي شرف اصغر المعاقين الإخوة ثلاثة وعشرون عاما. إسطبل من طين وأحجار وسقف من الزنك هو كل ما تركه جد المعاقين، و الطعام مرهون بدوي الأريحية الذين لا وجود لهم لا في الدوار ولا في نواحيه، عند دخولنا للإسطبل لم نجد حتى مكانا للجلوس، و بدأنا بتدوين هذه المأساة ،التي صنعها المرض و الإعاقة و الفقر و البؤس، كوخ طيني بدائي يعبق بروائح التبول و النجاسة، و سقفه من زنك تعتريه بعض من الثقوب مما يسمح بتسرب مياه الأمطار و جدران غير مبلطة، أما الأثاث فمن السهل جردها في سطر واحد لان كل ما يوجد هناك يقتصر على «بوطة» صغيرة وأواني متسخة يعلوها الصدأ و بعض الملاعق يغمرها الذباب و القذارة المنتشرة في كل مكان، أما الافرشة فلا وجود لها وكل ما هناك غطاءا رثا ومتسخ على الأرض يعوض الفراش و لا وجود للأغطية و كرسي متحرك، وجدنا المعاقين نائمين على الأرض دون فراش ، الفتاة العامرية دون حراك و الذباب يملا فمها حيث تسبب وضعها الصحي خاصة في غياب العناية والرعاية اللازمة،في ظهور تقيحات على مستوى الفخذين، وتتطلب حالتها تدخلا طبيا عاجلا، حيث أدى التقيح إلى ظهور ديدان في فخذيها التي تفوح منها رائحة نتنة، الأم العجوز أكدت أنها وأولادها قضت ليالي لم تشم فيها رائحة الطعام، وان النوم بدون طعام أصبح شيئا مألوفا لديهم، معاقون بدون أكل ولا فراش ولا أدوية ولا أي شئ، و مرضى لا يزورون الطبيب و بيئة خطيرة جدا، فالمحسنون المطلعون على هذه المأساة بالدوار تعبوا و منهم جار العائلة الذي هو أخ أم المعاقين ساهم لسنوات في بقائهم على قيد الحياة بعدما توفي المعيل، وقالت الأم العجوز أن أبنائها لا تستطيع عرضهم على الطبيب نظرا للفقر و العوز و البؤس، واستحالة نقلهم من الدوار الى المشفى بالرغم من تكرار إصاباتهم بالأمراض بسبب الأوساخ و الميكروبات و نقص الطعام خاصة في فصل الشتاء، وأضافت باستثناء قفة رمضان لا طعام للأفواه التي تعيش في الإسطبل و أن الكوخ يتحول الى برك وأوحال في الشتاء بسبب السقف الهش و الجدران، هكذا كانت تتحدث إلينا راعية «الإسطبل» بقلب يمزقه الحزن والأسى هذه الأم العجوز الصابرة و المرابطة وسط خمسة معاقين وهي تنش الذباب الذي يقاسمهم المعيشة عن أجسادهم وأفواههم. الى هنا سنعتبر الأمر عاديا وحتى طبيعيا إن شئتم و إن كان الأمر يتعلق بمأساة، لكن وجه الغرابة والحيرة اللذان صنعا دهشتنا وآلمنا جيدا ولم نعد نصدق أنفسنا في هذا العالم المليء بالغرائب والعجائب، أن الابن المعاق ذهنيا حسن شرف والبالغ من العمر أربعون عاما حسب الأم العجوز المكلومة وحسب شهادة خال الضحية كان يتعرض للاغتصاب باستمرار وهو ما أضيف إلى إعاقته الذهنية إعاقة نفسية جعلته يعيش حالة نفسية متدهورة، حيث يدخل في نوبات نفسية ليلا، يستيقظ على حين غرة وينخرط في نوبة صياح وبكاء تزيد من اضطراباته الذهنية، وأضافوا أن المتهم كان يختلي به في العراء بعيدا عن أعين الناس ويمارس عليه شدوده لشهور عديدة . رئيس جمعية المعاقين نور الدن بوطافي و الأخت فاطمة وضيح فاعلة خير والاستاذ احمد السلماني يناشدان عبر هذا المنبر السلطات و ذوي البر و الإحسان وذوي الأريحية من أجل انتشال هذه الأسرة من الجوع والمرض الذي تعيش فيه منذ سنوات، وتأمين الرعاية الصحية لهم على وجه السرعة، لوضع حد لهذه المأساة الإنسانية، وإخراجهم من وضعيتهم المأساوية للعيش على غرار كل البشر على وجه هذه الأرض.