عرفت بلادنا «حركية تشريعية» غير مسبوقة بدأت منذ سنة 1996 وتعززت خلال العشرية الأخيرة، وهي حركية كانت لها آثار إيجابية على الأصعدة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. ومن أهم القوانين التي أفرزتها هذه الحركية، مدونة السير التي عرفت تجديدات وتغييرات عميقة بالمقارنة مع قانون السير الذي كان معمولا به في السابق، وعرفت أيضا نقاشا حاداً داخل المجتمع قبل وبعد المصادقة عليها من طرف البرلمان.. إلاّ أن هذه الحركية عرفت انحرافات خطيرة في بعض المحطات سواء داخل قبة البرلمان أو خارجها حيث اسْتُغِلَّت المدونة للعبث بالشأن العام الوطني وبالمكتسبات الديمقراطية التي تحققت حتى الآن بفضل النضال الذي راكمه الشعب المغربي وقواه الحية. وتجلت أبرز مظاهر هذا العبث في الربط الميكانيكي بين تطبيق مدونة السير والارتفاع في أسعار بعض المواد الأساسية، وهو ربط يعكس حالة إفلاس سياسي بَيِّن.. والواقع أنه قبل المصادقة على هذه المدونة من طرف البرلمان، وقبل دخولها حيز التنفيذ، عرفت أسعار بعض المواد الاستهلاكية الأساسية، وفي مقدمتها الخضر والفواكه ارتفاعا كبيرا، وهي الحقيقة التي يعرفها جميع المغاربة الذين لمسوها على الأقل خلال السنتين الأخيرتين. بطبيعة الحال لم يكن الأمر مقبولا على الإطلاق في كثير من الأحيان ، وكانت الضرورة تقتضي تدخل السلطات العمومية المختصة من أجل التصدي له ومواجهته لضمان حماية القدرة الشرائية للمواطنين.. وبالرغم من بعض الملاحظات الصغيرة التي يمكن أن تقدم حول هذه المدونة فإن ذلك لا يقلل أبدا من أهميتها الكبيرة في تنظيم قطاع النقل والسير على الطرقات الذي ظل لسنوات طويلة يعاني مظاهر الفوضى والتسيب على أكثر من صعيد، وباعتبار الأهمية القصوى التي يجب أن تحظى بها السلامة الطرقية بالنسبة لمستعملي الطرق والمحافظة على أرواحهم وصحتهم وممتلكاتهم، وتجنب ضخامة الخسائر التي تخلفها حرب الطرق التي تضاهي في الواقع خسائر الحروب العادية. والواقع أن قوانين أخرى حظيت باهتمام كبير، كما هو الشأن بالنسبة لمدونة الشغل التي استغرق الحوار حولها أكثر من 20 سنة، قبل أن يتم التوافق عليها بين مختلف الأطراف المعنية بعالم الشغل، حيث إن هذا النص القانوني عرف نقاشا حادا وصل إلى حد التناقض، قبل المصادقة عليه من قبل المؤسسة التشريعية، لما فيه خدمة تنظيم علاقات الشغل واستتباب السلم الاجتماعية التي هي أساس كل استقرار سياسي، وعامل حاسم في جلب الاستثمارات والزيادة في الانتاجية والمردودية وبالتالي إنعاش التشغيل وتطوير الاقتصاد الوطني، وكذلك الأمر بالنسبة لمدونة الأسرة التي شهدت حراكا غير مسبوق وصلت تداعياته إلى الشارع. وقد كانت أسباب هذه الحركية معروفة باعتبار أن هذه القوانين تتميز بطابعها الهيكلي ولها آثار مباشرة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، وعلى المستوى الديمقراطي بشكل عام. ولا شك أن الحراك والتنافس بين قوى المجتمع، سواء داخل المؤسسات المنتخبة أو خارجها، أمر مقبول ومحبب في حدود الاجتهاد من أجل خدمة المصلحة العامة للبلاد، وقد عرفته مختلف المجتمعات التي انخرطت في إصلاحات هيكلية كبرى، انتهت عبرها إلى الانتقال نحو مرحلة متطورة بعدما عاشت حالات احتقان وتوتر شديدين.