نشرنا في عدد أمس الجزء الأول من التغطية الصحافية لأشغال الندوة الرابعة لمؤسسة علال الفاسي والتي تمحورت حول النظام التربوي والتعليمي بالمغرب خلال قرن من الزمن نظرة تاريخية الرهانات والتحديات. وننشر اليوم الجزء الثاني من هذه الندوة والمتعلق بجلسة المساء التي تمحورت حول تطور المجال الاسلامي بالمغرب خلال قرن وشارك فيها الاستاذ محمد بلبشير عضو اللجنة الثقافية لمؤسسة علال الفاسي في موضوع مخططات الاستعمار ضد العروبة والاسلام والجهود المبذولة لمقاومتها الاستاذ محمد السوسي عضو اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال في موضوع علال الفاسي ودوره في الاجتهاد وتجديد الدين، الاستاذ مصطفى الخلفي رئيس مركز الدراسات والبحوث المعاصرة رئيس تحرير جريدة التجديد في موضوع الموازنة بين الرهانات والتحديات القائمة حاليا في مجال الدين والتدين والاستاذ أحمد السنوني استاذ بدار الحديث الحسنية في موضوع ضرورة اهتمام العلماء بفقه الواقع بحكم حاجيات المواطنين ومستجدات الحياة الأستاذ محمد بلبشير الحسني عضو اللجنة الثقافية لمؤسسة علال الفاسي مخططات الاستعمار ضد العربية والاسلام والجهوذ المبذولة لمقاومتها أكد الأستاذ محمد بلبشير أن المملكة المغربية، وكان الشعب المغربي في شبه غفلة عما يحاك ضده، منغلقا على نفسه يكاد لايعير اهتماما لما يجري خارج بلاده، اللهم إلا عن بعض الرياح الخافتة التي تهب عليه من المشرق العربي عن طريق الحج والرحلات أو بعض الصحف التي تصل إلى البلاد أو من بعض البلاد الأوربية، عن طريق التجار المغاربة والأجانب يقول محب الدين الخطيب في إحدى افتتاحية صحيفة «الفتح» التي كان يديرها. وهو يفضح النوايا الفرنسية في تقرير الظهير البربري، «لقد كان المغرب الاقصى في حاجة إلى من يوقظه ويوجه نظره إلى جهة الخطر، فكان إيقاظه بأيدي الذين تعجلوا الكيد له واستعجلوا نصب الكمين لاختطاف حياته الدينية ولكن من حيث الدفاع عن البلاد عسكريا فكأنه الأسد الراقد سرعان ما سيضطر الجيش الاستعماري الفرنسي إلى ملاحقة المجاهدين المغاربة في الجبال حتى سنة 1934، فضلا عن الثورة الريفية في شمال المملكة وما ستكبّده للجيش الاسباني المهاجم. أما التربية والتعليم فكانت مركزة في جامعة القرويين وفي المساجد والزوايا المنتشرة في مختلف جهات المملكة كالزاوية الدلائية والحنصالية والناصرية والقادرية وغيرها، وفي الكتاتيب القرآنية التي لاتخلو منها مدينة أو قرية، على أن العلوم التي تدرس فيها كانت تقتصر على العلوم الشرعية والأدبية وتُلقّن بأساليب تقليدية عتيقة. (2) ولكن لابدّ من الاشارة هنا إلى الدور الرئيسي الذي كان يتحمله العلماء ورؤساء الزوايا في توعية الأمة وتوجيهها بل في دعم سلطة ملك البلاد سياسيا بالبيعة والتوجيه الدستوري، ويكفي دليلا على ذلك محاولة علماء العاصمة آنذاك ومقر جامعة القرويين، اقتراح مشروع دستور على مولاي حفيظ سنة 1908، في محاولة لإبعاد شبح الاستعمار، والذي تنصّ بعض بنوده على جعل اللغة العربية شرطا أساسيا في ولوج سلك الموظفين وفي عضوية مجلس الامة (1) 1) التحضير للظهير البربري من لمدن سلطات الحماية: بمجرّد ما شرع في تطبيق معاهدة الحماية، بدأت تبدو جليا مقاصد ونوايا سلطات الحماية، مؤازرين بالسلطات المسيحية، وخاصة من لدن بعض الغلاة من الصليبيين والمنظرين العنصريين. وتجدر الإشارة إلى أن جهابذة الاستعمار والتنصير يدّعون أن البربر كانوا مسيحيين وأن اسلامهم مجرّد إسلام سطحي، ويمكن بسهولة استدراجهم من جديد إلى المسيحية، ومن أجل ذلك يجب إبعادهم عن كلّ ما له صلة بالعربية والاسلام، وتلقينهم البربرية والفرنسية والاحتفاظ لهم مؤقتا بتقاليد الجماعة حتى ولو تنصروا. ويلاحظ الأستاذ غلاب في كتابه (المرجع السابق) أن الظهير البربري كانت فيه نعمة للبلاد، حيث يقول: «ولكنها (أي فرنسا) لم تكن تدرك أن القضية البربرية كانت فصلا فريدا في تاريخ المغرب الحديث.. عاد معنى الأمة الواحدة والشعب المواعد ليحتل تفكير الطبقة المتحركة في البلاد من مثقفين وطلبة وتجار وصناع، ولأول مرة في التاريخ بعد الدعوة الاسلامية، - توجد حركة وطنية فكرية الأمة، وتبعث الوحدة الوطنية لا بالقوة والسيف، كما كان شعار الحكم الذي يواجه القبائل الثائرة، ولكن بالفكرة الوطنية، وبذلك حل الوطن مكان القبيلة وحلت الوطنية مكان العرق» (ص 63). 2) عمليات تنفيذ الخطة الاستعمارية وإصدار الظهير البربري (16 ماي 1930 يمكن تلخيص ما جاء فيه مايلي: ا - إحياء اللغة البربرية وكتابتها بالحروف اللتينية ب - إنشاء مدارس فرنسية بربرية لا عربية فيها ج - حيث كان للبربر، قبل الاسلام، وبالرغم من مسيحيتهم، عادات بسيطة تجري مجرى القوانين لم توفق المسيحية لتغييرها، وتتعلق أساسا بأحوالهم الشخصية وحياتهم العائلية، أما فيما يرجع إلى الأمور الجنائية، فسيخضعون للمحاكم الفرنسية الخاصة، ومعلوم ما في هذا النص من مخالفات لمعاهدة وكثرت المظاهرات والاحتجاجات في الحواضر والبوادي، وتواصلت قراء اللطيف في المساجد بهذه الصيغة: «اللهم يا لطيف نسألك اللطف فيما جرت به المقادر، ولا تفرق بيننا وبين إخواننا البرابر»، كما استمرت مقاطعة البضائع الفرنسية وانتشرت شعارات وطنية. وقامت تطوان بدورها فقدمت احتجاجا صارخا إلى السلطان والمقيم العام ووزارة الخارجية الفرنسية، بعد أن زارتها وفود الكثير من القبائل البربرية الريفية وآزرت المغرب العديد من الفعاليات العربية والاسلامية، فقامت بعض الصحف في العالم العربي وخاصة صحيفة «الفتح» في مصر التي تجندت لنشر الأخبار التي تصلها بالتوالي من المغرب أو من ممثليها في فرنسا أو من المجاهد الاسلامي شكيب أرسلان من سويسرا، مخبرة بالثورة الفكرية التي يقوم بها المغاربة وكفاحهم المتواصل رغم السجون والمنافي والتعذيب، وذاكرة بأن العديد من القبائل البربرية بدأت تلجأ إلى المقاومة المسلحة، فضلا عن الوفود العديدة التي تصل إلى الرباط للاحتجاج والتي تعترضها السلطات الفرنسية وتسجن العديد منها. وقد حاولت سلطات الحماية الاستنجاد بطوائف من العلماء والأحباب لتهدئة الوضع، فكان موقفهم موقفا مناصرا لرغبات الأمة، كما رأينا مع الشيخ شعيب . ووجه العلماء ورجال الحركة الوطنية رسالة للسلطان طالبين استقبالهم ليقدموا له مطالب الشعب المغربي في القضية البربرية، وممن أمضى الرسالة العلامة عبر الهادي بلمواز والعلامة عبد الواحد الفاسي وابنه علال الفاسي ومحمد بلحسن الوزاني وعمر بن عبد الجليل ومحمد الديوري ومحمد بن عبد السلام لحلو عضو الغرفة التجارية والمجلس البلدي، وقد سجنتهم سلطات الحماية على يد الباشا ابن البغدادي. 4) ارتباك السياسة الاستعمارية ولما ضاقت السياسة الفرنسية ذرعا بمقاومة المغاربة وأصبحت تصلها الأنباء من سفاراتنا بالعالم الإسلامي، أعلنت عن عزمها على تعديل سياستها التنصيرية، معلنة ذلك على لسان ممثليها في الخارج وعن طريق بعض صحفها. ولكن الدعم السياسي والصحفي للمغرب ضد فرنسا، فكان قد انتشر في سائر البلاد الإسلامية، حتى الهند وأندونيسيا، ولكنه تركز في مصر وفلسطين عن طريق الجمعيات والصحافة، وذلك برفع الاحتجاجات للمفوضيات الفرنسية في هذه البلدان، بل وإلى عصبة الأمم، على ظلم فرنسا بإجبار مسلمي البربر على اعتناق الدين الإسلامي. ومن أهم الأحداث التي كان لها صدى كبير، انعقاد المؤتمر الإسلامي العام بالقدس، تحت رئاسة محمد أمين الحسيني، ورئيس اللجنة التنفيذية للمؤتمر بتاريخ 17 شتنبر 1931 والذي وجه رسالة احتجاج لعصبة الأمم يقول فيها «قابل المؤتمر ذلك السياسة البربرية الفرنسية) بأشد الاستنكار ورأى فيه عدوانا صارخا على الحرية الدينية وكرامة الدين الإسلامي وأحكامه، مما لا يجيزه شريعة سماوية ولا قانون مدني، وطالب المؤتمر في الأخير إلغاء الظهير البربري والكف عن الأساليب التبشيرية الفرنسية الخطيرة، وقد مثل المغرب في المؤتمر الأستاذان المكي الناصري والحاج محمد بنونة وحضره ممثلو اثنين وعشرين قطرا إسلاميا. وقامت من جهة أخرى ردود فعل في الداخل لتثبيت العربية والتعليم الإسلامي، فأحدثت العديد من المدارس الحرة المزدوجة اللغة عربية فرنسية، وتضاعف تحفيظ القرآن الكريم وتدريس العلوم الإسلامية في المساجد والزوايا في مختلف المناطق المغربي، رغم التعسفات وتزايد الاهتمام بالصحافة العربية. وانكب رجال الحركة الوطنية على استغلال الصحف العربية والفرنسية خارج المملكة، بل وأنشأوا صحفا بالفرنسية من أشهرها صحيفة «مغرب» في باريز وعمل الشعب بالمغرب. خلال السنوات الأولى بعد الظهير البربري، خاصة إبان الجنرال نوگيس قامت السلطات الاستعمارية بضغوط متعددة، منها منع البربر من الحج، ومنها إبطال العمل بعقود البيع الشرعية، ومنها التضييق الحر وعلى القضاة والأئمة، ومنها إحداث بعض المدارس الفرنسية البربرية، ومنها بناء الكنائس في المدن والقرى، ومنها أيضا اعتبار الدارجة المغربية لغة، حتى في امتحان الباكلوريا على أصل التضييق على العربية الفصحى وحمولتها الثقافية الإسلامية. وفي نفس الوقت أحدثت في معهد الدراسات العليا بالرباط دراسة اللغة البربرية على أساس تحضير شهادات، فضلا عن مواصلة البحث في أصولها ولهجاتها. لكن، بعد المقاومة الشديدة للظهير البربري، اشتد الوعي لدى المغاربة وانتشرت الروح الوطنية، فأصبحت سلطات الحماية تواجه قوة وطنية عمت سائر البلاد، رغم المضايقات والسجون والمنافي، والتي تُوجهت حركتها بالمطالبة بالاستقلال سنة 1944، واشتغلت فرنسا بالحرب العالمية حيث سنحت الفرصة للحركة الوطنية باستغلالها للمطالبة بالاستقلال ، وتوسيع نفوذها في المدن والبوادي، بموافقة تامة مع ملك المغرب. ويقول الأستاذ غلاب في هذا الصدد (نفس المرجع السابق) «ولم يكد الفرنسيون يعربون عن تحدّيهم للحركة الوطنية، حينما زعموا أنها حركة سلبية... دون أن يكون له بديل، حتى حدّدت «كتلة العمل الوطني» أهدافها وأفكارها في «مطالب الشعب المغربي» التي أعطت لأول مرة مفهوما واضحا للوطنية المغربية، بعيدا عن المفهوم العاطفي المجرّد، فأصبحت تعنى إقامة مجتمع منظور في التعليم والاقتصاد (التجارة والفلاحة والصناعة) يتمكن منه أبناؤه من المشاركة في تسيير حياتهم مع الاحتفاظ بشخصيتهم الكاملة وبلادهم المستقلة عن البلاد الحامية، ورفض الهيكل القديم المتمثل في تداخل السلط وتفسخ الإدارة ثم يضيف: «فقد شعرت الإدارة الفرنسية بأن هناك مقاومة سياسية منظمة تستطيع أن تجابه نظام الحماية بمطالب منطقية» (أهم المراجع التي اعتمدت عليها في هذا الحديث: هي أساسا الحركة الوطنية والظهير البربري للحاج حسن بوعياد... 2) تاريخ الحركة الوطنية بالمغرب للأستاذ عبد الكريم غلاب 3) الحركات الاستقلالية لعلال الفاسي 4 ) «المنهال في كفاح أبطال الشمائل للعربي اللوه. 6) وحصلنا على استقلالنا وحريتنا في التصرف، فهل وضعنا استراتيجية محكمة لتوضيح معالم مشروع مجتمعي، يضع أسسا لبلورة الهوية المغربية المتأصلة منذ قرون عدة، تكون مبنية على منظومة تربوية وثقافية وإعلامية مناسبة مع التفتح على الثقافات والحضارات الأخرى، دون استيلاب لمقوماتنا اللغوية والثقافية والدينية. لكننا مع الأسف، صرنا نتخبط في مسرتنا التنموية، بما فيها التربوية واللغوية وتركنا المجال مضطربا حتى سادت اللغة الفرنسية في حياتنا التربوية والإدارية والاقتصادية على حساب لغتنا العربية الرسمية والتراثية، وحتى أقدم بعض المثقفين والإعلاميين المغاربة يتحدثون عن إحلال الدراجة المغربية، بدل اللغة العربية، وتقزيم الثقافة الإسلامية، وحتى تشجيع بعض الصليبيين المتعصبين وهم يطمعون من جديد في تنصير المغاربة، إسوة بأسلافهم وقت الحماية الفرنسية وفي هذا المسعى ما فيه من وسيلة إضافية لتثبيت اللغة والثقافة الفرنسية في المغرب، ولاسيما بعد حضورها القوي، في المجالين الاقتصادي والثقافي، فسبحان الله كيف أن التاريخ يكاد يعيد نفسه، إذا أغفل عن الثوابت والمقومات ولكن الأمل في أن يستيقظ الوعي الشعبي والنخبوي الوطني من جديد ليحول دون استيلاب هويتنا العربية الإسلامية بفضل العناية الرسمية بالشأن الديني من بنيتيه الفوقية البشرية والمؤسساتية، وبفضل انتشار الاعمال الاجتماية والإحسانية، والسهر على أن تحترم سيادة المغرب ومعتقداته وتجدر الإشارة إلى أنه في إطار الحفاظ على هويتنا الكاملة وتنميتها، وقعت العناية بالثقافة الأمازيغية التي كان الاستعمار، وبعض منظريه يستغلها ليفرق بين المغاربة ويكبر التلاحم العربي الإسلامي الذي ينتسب إليه المغرب، ولكن الشعب المغربي، حكومة ومكونات جمعوية وطنية، انطلق يؤكد على أن الأمازيغية مكون أساسي لهويتنا المغربية الأصيلة، بالإضافة الى اللغة والثقافة العربية، والتي هي بدورها في حاجة إلى حمايتها وترقيتها لتسهم في التسمية البشرية، وتقوي الروابط مع العالم العربي والاسلامي، الذي يجمعنا معه تراث ثقافي وحضاري دام قرونا متعددة. مداخلة الأستاذ محمد السوسي حول علال الفاسي ودوره في الاجتهاد وتجديد الدين تدخل الأستاذ محمد السوسي في موضوع: «التجديد الاسلامي ودور علال الفاسي في هذا المجهود خلال مائة سنة». والعرض الذي قدمه الأستاذ السوسي يتضمن مقدمة حول التجديد في المغرب وفي العالم الاسلامي إضافة إلى المحاور التالية: التجديد عند علال الفاسي، ومؤهلات علال الفاسي للقيام بالتجديد، ونماذج من عملية التجديد لدى علال الفاسي والتجديد بين علال الفاسي وغيره من المغاربة في موضوع التجديد الديني. هذا وسيتم نشر مداخلة الأستاذ السوسي في عدد قادم. الأستاذ مصطفى الخلفي رئيس مركز الدراسات والبحوث المعاصرة المغرب انخرط منذ سنوات في مسارات متداخلة ومحددة لمستقبل هويته استهل الأستاذ مصطفى الخلفي رئيس مركز الدراسات والبحوث المعاصرة ورئيس تحرير جريدة التجديد مداخلته حول " الموازنات والرهانات والتحديات القائمة حاليا في مجال الدين والتدين" بالحديث عن الإطار التاريخي للتحديات الدينية في المرحلة الاستعمارية حيث تطرق لعناصر سياسة الاستهداف الاستعماري لمكونات الحقل الديني وحصره في إضعاف فاعلية الأدوار التي كان يضطلع بها في المجتمع كل من العلماء والزوايا. بالإضافة إلى إضعاف مصداقية قطاعات من الزوايا والعلماء عبر إقحامهم في عمليات الاستعمار الهادفة للهيمنة على المجتمع (كاستصدار فتاوى مؤيدة للسياسات الاستعمارية، أو الانخراط في خطوات عملية داعمة لهذه السياسات...). وأضاف في هذا السياق المواجهة الصارمة عبر آليات القمع والتضييق المباشر لأي شكل من أشكال المقاومة والرفض للاستعمار من لدن العلماء أو الزوايا، ومن ذلك حملات النفي والترحيل والسجن، أو على الأقل تحييدهم، واعتماد سياسة خاصة بالأوقاف بهدف التحكم في مداخيلها ونفقاتها، مما كانت له انعكاسات على الفاعلين في الحقل الديني كالعلماء، وعلى بنيات التدين في المجتمع كالمساجد. وأكد الخلفي أنه في هذه المرحلة تم اعتماد سياسة تعليمية قائمة على تهميش التربية الدينية والعلوم الشرعية من النظام التعليمي، بموازاة سياسة المحاصرة والتضييق والتحجيم لحركة المدارس الحرة، فضلا عن السياسة التي استهدفت جامعة القرويين بمبرر إصلاحها. إضافة إلى ذلك تم دعم سياسة التنصير المسيحي للمؤسسات الكاثوليكية وتوفير ميزانيات مالية لها من الميزانية العامة للمغرب، وانتهاج سياسة شمولية (إدارية وتعليمية وثقافية وقضائية..)خاصة بالمناطق الأمازيغية تهدف لفصلها عن هويتها الإسلامية، بدعوى سطحية تدينها وسابقتها في المسيحية. وبخصوص الإطار الراهن للتحديات الدينية قال الخلفي إن المغرب انخرط منذ سنوات في ثلاث مسارات متداخلة ومحددة لمستقبل هويته، من جهة مسار مؤسساتي تمثل في مسلسل إعادة هيكلة شاملة للحقل الديني، أدت إلى مراجعة وظائف مؤسساته والعلاقات القائمة بينها، كما أعاد الاعتبار للتفكير العمومي في تدبير قضايا التدين والإصلاح في المجتمع، ليصبح ذلك أحد العناصر الأساسية في معالجة تحديات التنمية والتحديث بالبلاد، ثم مسار اجتماعي- سياسي تصاعدت معه حركية التدافع حول الهوية والقيم بالمغرب بين توجهين رئيسيين في المجتمع، مما انعكس على خريطة العلاقات بين التيارات ذات الأساس الحركي الإسلامي وباقي الفاعلين في قضايا الهوية والقيم بالمغرب، وأدى لتحولات تدريجية في موقع الحركات الإسلامية ودرجة فعاليتها الدعوية والاجتماعية والسياسية، أما المسار الثالث فيه تم البروز المتنامي لصحوة دينية تتجاوز من مداها كل من المؤسسات الدينية الرسمية والحركات الإسلامية التقليدية، لتشكل واقعا موضوعيا يتفاعل في الوقت نفسه مع سلسلة التحديات الأخلاقية والأسرية والتعليمية والثقافية واللغوية، بفعل التطور الحاصل في مجال الاتصالات والانفتاح على الخارج وتنامي خطاب الحريات الفردية، مما يعطي في النهاية صورة مركبة ومعقدة حول حركية الحالة الدينية، يصعب معها التعاطي بتبسيطية واختزالية مع التحولات، والتي تنتج في حالات قراءات طهرانية تقدم صورة مثالية عن تدين المغاربة وفي حالات أخرى قراءات مضادة تقدم من جهتها صورة سوداوية. وعن التحديات الدينية الراهنة أوضح أنه لابد من رصد التحديات الداخلية وذلك وفق تركيب ينطلق من التحديات الداخلية التي تشمل مجالات الأسرة والقيم والشباب والتعليم والفن واللغة، والختم بالتحديات ذات المنشأ الخارجي كالتشيع من الناحية المذهبية أوالتنصير من الناحية العقدية، أوالتطبيع باعتباره مشروعا حضاريا يستهدف تحييد فعالية منظومة القيم الإسلامية. وقال إن الدراسات الاجتماعية الميدانية تكشف عن وجود توجه متنامي نحو التدين في صفوف الشباب خصوصا والمجتمع عموما، وهو توجه متسم بتعزيز موقع المرجعية الإسلامية في تحديد الهوية الذاتية للفرد، مع استعداد للانفتاح على مختلف التعبيرات الدينية الحديثة في ظل تراجع الصيغ التقليدية كزيارة الأضرحة، ويتخذ هذا الاستعداد وعيا بضرورة تعزيز حضور الدين في الحياة العامة دون أن يؤدي ذلك لاتخاذ مواقف سلبية من مطالب التحديث والانفتاح على مكتسبات الحضارة الحديثة، مما يفسر خصوصية التوجه الديني القائم على الموازنة بين السعي نحو التدين والانفتاح على العصر. وأشار أن البحث الوطني حول القيم رصد جانب من التوجهات والمسلكيات الدينية، حيث خصص هذا البحث محورا قائما بهذا الأمر عنونه ب "القيم والدين والتقاليد" فضلا عن القيم الأسرية والسياسية والعملية والترفيهية، وقد تم تحديد حجم العينة في ألف شخص تم اختيارهم انطلاقا من عينة البحث الوطني حول الشغل الذي أنجز من قبل المندوبية السامية للتخطيط. وعرض أهم النتائج التي توصل إليها هذا البحث بحيث شكلت الصلاة تعبيرا متناميا عن التوجهات الدينية حيث عبر 72% من المغاربة عن كونهم يصلون بطريقة منتظمة، و 14% بطريقة غير منتظمة، ثم 14 % فقط لا يصلون، أما بالنسبة للشباب فتصل نسبة المصلين منهم إلى 50.3% وبالنسبة للطلبة كانت النسبة 65 %، كما توصل البحث إلى الارتفاع المتنامي للشباب المصلين مقارنة مع دراسات أنجزت في أزمنة سابقة، إذ أحال التقرير على دراسة لأندريه آدام في سنة 1961 قالت بتراجع التدين في صفوف الشباب، وبعدها دراسة لمحمد الطوزي في بداية الثمانينات حيث توصل إلى أن ما نسبته فقط 8% هم الذين يصلون بانتظام في حين أن 49% منهم لا يصلون، وبحسب البحث الوطني للقيم فإن ما نسبته 70.3 % من الذكور يصلون بانتظام في مقابل 74.4 % بالنسبة للإناث. وبالنسبة لزيارة الأولياء والأضرحة فهي الأخرى عرفت تحولا دالا، حيث أن 53% من المغاربة لم يقوموا بزيارتها نهائيا، في مقابل 11% يزورونها بانتظام، في حين أن 33 % منهم يقوم بذلك بحسب المناسبة، أما من حيث الموقف فإن 47 % عبروا عن موقف مناهض للزيارة في مقابل 40 % أيدها. الاستاذ أحمد السنوني: ضرورة اهتمام العلماء بفقه الواقع بحكم حاجيات المواطنين ومستجدات الحياة وتناول الأستاذ أحمد السنوني في عرضه ضرورة اهتمام العلماء بفقه الواقع بحكم حاجيات المواطنين ومستجدات الحياة، فتناول بالدرس والتحليل الاحتياجات العقلية التي تتأسس على فهم ما في الدين من تكاليف تتعلق به وبكيفية تطبيقها في ظرف زمني واجتماعي محدد. وكذلك اطمئنان الانسان إلى ما يعتقده والدوافع الخلقية. وتعرض الأستاذ السنوني للمجال العقدي والفكري بشكل عام وتحولاته المتعاقبة وذلك في ظل المثاقفة مع الغرب والفكر المادي خاصة والمحاولات التبشرية وأيضا الصراعات الطائفية بين مختلف المذاهب والسجالات العقدية. وأشار الأستاذ السنوني أيضا الى ضعف الإطلاع على العقائد وكذلك ضعف الدراسات الجامعية في هذا الباب . ولاحظ أيضا الاستجابة التي تلقاها بعض التيارات المذهبية الدينية في المشرق العربي وتأثيراتها على المغاربة، وهي تيارات بعيدة عن الوسطية ولاتتوافق مع النسيج الثقافي والاجتماعي. وأشار الأستاذ السنوني الى التطورات التي عرفتها المجالات الثقافية في الغرب خاصة في العلوم الانسانية وتأثيرها على البحوث في المجال الديني. ولاحظ أن الأبحاث الحديثة تتسم بسمة دراسة النص الديني بعيدا عن بعده العقدي والقدسي وتضعه في سياقه التاريخي، وهو ما ينتج عددا من القواعد التي لاتنسجم مع سجل القواعد المؤصلة في علوم الاسلام هذا إضافة الى الطفرات التي عرفها الفكر القانوني والحقوقي وفكر كونية حقوق الانسان. وخلص الأستاذ السنوني الى أن الإنتاج الفكري في المجال العقدي أو مقارنة الاديان إلى تلبية الحاجيات المتنامية في مجال صيانة العقيدة الاسلامية . وبخصوص مجال القيم تعرض الأستاذ السنوني الى التحديات والتحولات خاصة على صعيد آليات الفهم والحاجة الى التأهيل والتقعيد ثم تعرض الى الحوافز الدافعة الى الالتزام الخلقي، وخلص الى أن مجال التجديد العقدي هو من أهم وأخطر مجالات التدافع التي لاتزال بحاجة الى استجابة مناسبة، كما أن الوضع في مجال العلوم ينبئ عن بنهضة وريادة مغربية لبعض العلوم لكن المجال التنزيلي التطبيقي لايلبي الحاجيات المباشرة للمجتمع. وأكد أن المغرب ليس بمنآى عن التحولات العميقة في مجال القيم في إطار غير متكافئ أبرز آثاره إضعاف الوازع الخلقي الديني. قوة علال الفاسي هي أنه كان مثقفا عضويا أشارت إحدى المداخلات في النقاش خلال انتهاء الجلسة المسائية إلى أن مؤسسة علال الفاسي هي مؤسسة للعلماء بامتياز والعلماء في مرتبة الانبياء. وتمت الاشارة كذلك إلى أن قوة فكر علال الفاسي هو أنه كان مثقفا عضويا وكان مرتبطا بالجماهير بمعنى أنه كان مثقفا ينتمي إلى النخبة لكنه كانت له التفاتات إلى بقية الشعب وهذا هو الذي يعطى لهذا المفكر القوة. وتطرقت بعض المداخلات إلى حصيلة التعليم خلال قرن من الزمن موضحة أنه بعد الاستقلال كان إصلاح مجال التعليم يخضع لمتطلبات الميزانية، وأشارت إلى بيان رابطة علماء المغرب لسنة 1970 وللزعيم علال الفاسي ودوره المهم في إبراز اختلالات النظام التعليمي وضرورة إصلاحه حتى لايمر الوقت دون تحقيق المراد. وذكرت بالمرحلة الدقيقة التي مر منها المغرب خلال فترة الثمانينيات وبداية التسعينيات حين تم الإصلاح في مواجهة الانتفاضات الاجتماعية حيث دخل المغرب في سياسة التقويم الهيكلي. وأكدت مداخلات أخرى أن المغاربة حينما فكروا في الاستقلال وناضلوا من أجله كانت لهذا النضال تبعات سلبية لأنها لم تفكر في مغرب مابعد الاستقلال مما أدى إلى اختلالات ليس في مجال التعليم فقط، بل في العديد من المجالات شملت السياسية وقطاعات أخرى. ولاحظت أمور أساسية، منها أن تاريخ المغرب عرف العديد من الأحداث الكبرى وكل فترة تشهد إصلاح من نوع ما، في حين يجب وضع استراتيجية واضحة المعالم حول التعليم الذي نريده الآن وفي المستقبل الشيء الذي جعل المغرب دائما وللأسف الشديد يحتل مراتب متأخرة في مجال التربية والتكوين وفي مجال البحث العلمي.