يعتبر محو الأمية في حد ذاته سبباً للاحتفال بالمتحررين من قيودها ، وبرهان على أن الإنسانية قد حققت تقدماً متميزاً في هذا المجال رغم أن محو الأمية المنشود للجميع - أطفال، وشباب ومراهقين - لم يتحقق حتى الآن ولا يزال هدفاً متحركاً.. وبمناسبة الاحتفال باليوم العالمي لمحو الأمية خلال هذه السنة -الذي يتزامن مع شهر رمضان الأبرك وعيد الفطر - لم أجد بدا من نهج طريقة المتنبي في السؤال عن حال هذا الاحتفال بالمغرب خلال هذه السنة( 8 شتنبر 2010 ) : عيدٌ بأيّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ بمَا مَضَى أمْ بأمْرٍ فيكَ تجْديدُ أمّا الأحِبّةُ فالبَيْداءُ دونَهُمُ فَلَيتَ دونَكَ بِيداً دونَهَا بِيدُ تجد البعض يردد هذه الأبيات ويتغنى بها، إذا حيل بينه وبين ما يشتهي ويتمنى كلقاء الأشخاص، وتحقيق الأماني... وأماني الخلق متباينة، وهممهم متفاوتة، وكل يغني على هواه، وينشد ليلاه، وليس للأمي أمنية إلا التحرر من قيود الأمية ...وبالتالي القدرة على فك طلاسم رسالة أو عبارة أو كلمة أو رقم وكتابتها ... لهذا فإنه يعز علينا ويحزننا غاية الحزن والألم أن يعود علينا هذا اليوم العالمي للأمية وأكثر من 10 مليون مغربي أميون. يعز علينا أن يحل هذا اليوم وهذه السنة دون تحقيق الهدف الذي وضعته الدولة لنفسها بتقليص النسبة العامة للأمية في البلاد إلى أقل من 20 بالمائة في أفق هذا العام؛ أي 2010؛ يعز علينا عودة اليوم العالمي للأمية هذه السنة وجميع جهودنا مسخرة لمحاربة الأمية الأبجدية فقط دون مراعاة التحول والتغير الذي طرأ على مفهوم محو الأمية وتعليم الكبار؛ حيث تخطى مفهوم القراءة والكتابة ليشمل القدرة على التحليل والتعامل مع المجردات على عدة مستويات، بالإضافة إلى التعامل مع الرموز المعقدة، وكيفية التعامل مع النظريات المعرفية وترجمتها إلى تطبيق عملي، واستخدام البرامج والمهارات التي تتطلبها الحياة اليومية. وقد سبق لجلالة الملك محمد السادس نصره الله أن قال: «نحذر من اعتبار محاربة الأمية مجرد تلقين لقواعد القراءة والكتابة فحسب, فالأمية بمعناها الجديد, الذي يطرحه فجر الألفية الثالثة, هي العجز عن الاندماج في مجتمع التواصل والإعلام . فبمقدار ما تجتاح العولمة عالمنا فان الأمية النوعية للقرن الحادي والعشرون , التي تعني العجز عن استيعاب وتوظيف عناصر التطور التكنولوجي والمعرفي, ستظل تهدد مجتمعنا , لا قدر الله . بذلك يتعين علينا أن نعمل , ليس فقط على محو الأمية الأبجدية بمعناها التقليدي , وإنما محاربة خطر الأمية النوعية التي تلاحق كل من يقصر في مواكبة حضارة العصر أو الاندماج في مجتمع التواصل والإعلام .» يعز علينا خلال والعالم يحتفي بهذه المناسبة أن لا نحتفي في بلادنا بالمتحررين من الأمية ،ونسلمهم شهادات النجاح أو شهادات تقديرية و جوائز مالية على الصعيد الوطني أو الجهوي أو الإقليمي أو المحلي قدوة بما قام به جلالة الملك يوم الجمعة 3 شتنبر 2010 من توزيع الجوائز وتسليم الشواهد على المستفيدين المتفوقين على الصعيد الوطني من برنامج محاربة الأمية الذي تشرف عليه وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ؛وذلك بمسجد المصلى بالدار البيضاء . يعز علينا وقد حل اليوم العالمي للأمية عدم تطبيق التوصيات الصادرة في الندوات والملتقيات والأبحاث والمحافل عن الأمية؛ومن أهم التوصيات التي ينبغي أخذها بعين الاعتبار ما يلي : التنسيق بين الفاعلين في مجال محاربة الأمية، مع إشراك المنتخبين المحليين والإقليميين والجهويين والأحزاب السياسية والنقابات والإعلام للمساهمة في حل معضلة الأمية؛ تفعيل الالتقائية بين برامج محو الأمية وبرامج أخرى موازية وخصوصا برامج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية؛ تفعيل اللجن الإقليمية لمحاربة الأمية وتكوين لجنة أخرى تعهد إليها تتبع تنفيذ مقترحات اللجن الإقليمية؛ تتبع كل المستفيدات والمستفيدين من برنامج محو الأمية بعد نهاية البرنامج ؛ وضع برامج خاصة لمحاربة الأمية في الإدارات العمومية والجماعات المحلية في إطار «مشروع إدارة بلا أميين» كما جاء في البحث الوطني حول الأمية وعدم التمدرس والانقطاع عن الدراسة بالمغرب المنجز من طرف كتابة الدولة المكلفة بمحاربة الأمية والتربية غير النظامية سنة 2006 ؛ تقوية الحملة الإعلامية بهدف الوصول إلى أكبر عدد ممكن من الساكنة المستهدفة -خصوصا في مثل هذه المناسبات؛أي اليوم العالمي للأمية؛ الذي كان من الضروروي تحسيس جميع الفعاليات المشاركة في مجال محاربة الأمية ببذل كل الجهود لإنجاح انطلاق دروس محو الأمية خلال 13 أكتوبر. ولا أظن أننا سنصل إلى حلول لمحو الأمية بدون تطبيق مثل هذه التوصيات بدءا بحملة أو حملات خاصة في مثل هذه المناسبة . كما يقتضي الأمر توفر إرادة قوية،ووسائل ناجعة ،وتخطيط محكم ،وتهييء الموارد البشرية اللازمة،وخلق تشجيع على مستوى مشاريع التنمية ،وتحمل القطاع الخاص لمسؤوليته .ويمكن أن نطبق بعض القيم الاسلامية ،كأن نزكي على معرفتنا على حد تعبير الدكتور المهدي المنجرة ؛بحيث كل واحد منا يتقيد بأن يعلم عددا محدودا من الناس حسب مستواه التعليمي، أو أن نطبق النموذج اليهودي في طلب العلم والمعرفة والذي كتب عنه امحمد المنجرة في العدد 12 من مجلة المغرب سنة 1933 قائلا :» إن ثروة العلم والأدب خير ألف مرة من ثروة الفضة والذهب ...انظر إلى الطائفة الإسرائيلية المتفرقة في كل أطراف الإيالة المغربية في سائر النقط وقارن بين عددها وعدد مسلمي المغرب،ثم انظر ما بيدها من التجارة وقيمتها وما بين الآخرين ؛تجد الفرق عظيما والبون شاسعا؛ وأرى أن معينهم الأكبر في ذلك هو تزاحمهم على المدارس وتقدمهم في القراءة وتسابقهم لتعلم اللغة الأجنبية وانكبابهم على موارد الاقتصاد بفضل ما ينالونه من العلوم فوق ما هم معروفون به من النشاط والاجتهاد ،فيلزمنا إذا نحن الآخرون الاعتناء بتعليم أولادنا وحضهم على الانكباب على موارد الثروة الوحيد –العلم- خصوصا وأسباب التعليم بأنواعه متوفرة متيسرة حتى يحصلوا على ما يؤهلهم لنفع بلادهم تجارة وتوظيفا وغيرهما .» إن المجتمع الذي لا يقدس العلم ويحث الناس على طلبه لا يعتبر الجهل والأمية بالنسبة إليه مشكلة.