مع حلول شهر رمضان الأبرك لهذه السنة، أي سنة 1431ه، تكون قناة محمد السادس للقرآن " الكريم « السادسة » قد أطفأت شمعتها الخامسة، وتربعت، بذلك، على عرش خمس سنوات من العطاء والاجتهاد والمواجهة. ففي شهر رمضان لسنة 1426ه أعطى جلالة الملك محمد السادس، بمقر الاذاعة والتلفزة، بزنقة البريهي بالرباط انطلاق بث قناة محمد السادس للقرآن الكريم « السادسة » التي أحدثت بموجب تعاون مشترك فيما بين الشركة الوطنية للاذاعة والتلفزة، ووزارة الأوقاف والشؤون الاسلامية، ووزارة الاتصال. البادرة التي أريد لها _ آنذاك- أن تكتسي طابعا دينيا موضوعاتيا، معرفيا صرفا، وترتكز في تبليغ رسالته على برامج تعكس بحق التوجه المغربي فيما يخص الشأن الديني بثوابته الراسخة، وبقيمه السمحة الثابثة، التي تعتمد الوسطية والاعتدال، وتتسم بالتسامح والانفتاح، واحترام القيم الدينية الأخرى.. جاءت في ظرفية اتسمت بالفراغ الروحي وبفقر في المعلومة الدينية الصحيحة، عدا تلك التي ترد علينا من الخارج، بكل ما تحمله من خطر قد يهدد كيان الفرد المغربي، ويعرضه الى الانزلاق والى النحراف. ومن أجل مواجهة هذا المد الخطير، كان حريا بالدولة البحث عن اطار اعلامي، جاد، يعمل على تصحيح الأوضاع، من خلال قراءة الواقع واستشراف المستقبل، ومنبر فكري مفتوح على الاجتهادات العلمية التي تقرأ الخطاب الإسلامي من منطلقات علمية موضوعية وصحيحة، بعيدا عن شراك الرؤى الآيديولوجية التي تظن نفسها تَمتلك الحقيقة والوعي، وإن كانت تصدر في معظم الأحيان عن رؤى مشوهة ووعي مزيف. في هذه الظروف العامة، اذن، تولدت قناة محمد السادس للقرآن الكريم، فجاءت منبرا علميا دينيا/ إسلاميا غير محدد ببقعة جغرافية بعينها، بقدر ما هو فضاء مفتوح للأفكار الدينية الصحيحة، في إطار الاجتهادات العلمية الجادة، تعزيزا لأواصر الترابط بين الدين الاسلامي في مفهومه الصحيح، وبين ثوابث الأمة المغربية، مما ينتج عنه وضع مادة مباركة لنقاش حواري هادف الى توحيد الرؤى، من مختلف ما يواجه القارئ المغربي في عالم الاغتراب، حتى لا يكون الاغتراب غربة أو ضياعا أو بعدا عن الدين والأخلاق والقيم. ومنذ انطلاقتها، وقناة محمد السادس للقرآن الكريم، تجتهد بهدف اثراء الساحة الاعلامية بكل جديد وقيم، من البرامج الدينية والاجتماعية الهادفة، حيث دأبت على تقديم مجموعة من الأعمال بأسلوب حديث يجمع بين أصالة المضمون وابداع القالب الفني، مما ساعدها في بلورة الخطاب الايجابي المستنير الذي فيه ومعه، تنشأ أجيال تمتلك وعيا راهنيا بقضاياها المجتمعية، والدفع بها الى الانخراط الفعلي والكلي، في النهوض بالمجتمع المغربي، برؤية صادرة عن رؤية اسلامية حضارية سمحة، تتعمق في وجدانها أبعاد المواطنة، المنتمية الى المصالح العليا للأمة، بعيدا عن دوامات الجدل والصراع، وما يخلفه _ مثل هذا الصراع- من ضياع للوقت والمال، والفرص لبناء مجتمعات متقدمة. ومن أجل تحقيق هذه الغايات، عملت "السادسة"، جاهدة، كي تلامس أغلب القضايا التي تهم المغاربة جميعهم في كل مكان.. من خلال البرامج الدينية الهادفة، والتحقيقات والاستطلاعات لمجمل القضايا المعاصرة .. ونذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: " قضايا الأسرة المسلمة، قضايا التاريخ والحضارة، قضايا التربية والاجتماع والإعلام، التركيز على الحوارات واللقاءات الصحفية مع كبار الأعلام والشخصيات الدينية و الفكرية في العالم الإسلامي ، بجانب الدراسات العلمية و التراجم والسير، والطب، والفضاء والفلك، وعجائب المخلوقات، وفقه الدعوة، واللغة العربية والإنتاج الفكري في العالم الإسلامي، وشؤون المكتبات الاسلامية، وقضايا التنصير وغيرها ، من المواضيع التي شكلت، بحق، عصب العملية الاعلامية الدينية، وحلقة أساسية في تنوير الأفراد داخل المجتمع المغربي. ان تحقيق هذه الأهداف وتلك الغايات، لم يكن هبوطا من عالم علوي، لا يطاله الفعل البشري، بل جاء نتيجة تظافر مجموعة من الجهود، التي بذلت هنا وهناك، ومجموعة من الخدمات التي قدمت على مختلف الأصعدة، برزت معها مجموعة من الأسماء التي أعطت الكثير ثم الكثير، وضحت بالغالي والنفيس من أجل أن تكون السادسة، على ماهي عليه الآن، قناة فاضلة، جادة.. أسماء اجتهدت، بحق، كي تترجم فكرة صاحب الجلالة على أرض الواقع، بدءا بالسيد أحمد توفيق، وزير الأوقاف والشؤون الاسلامية، الذي أضاف على رهان تحقيق الفكرة، رهانا آخر.. رهان على رهان، ورهان فوق رهان، فيجتمعان في رؤية واحدة، هي السهر كي يرى هذا المولود النور ويتمتع من بعد بصحة جيدة، ثم هناك من الأسماء المخرج التلفزيوني ادريس ألحيان الذي كان يشغل آنذاك رئيس قسم الانتاج بالقناة التلفزية الأولى، وحاليا مدير القنوات القرآنية، عبد اللطيف البكدوري الأشقري، عضو المجلس العلمي المحلي للرباط، وحاليا رئيس ديوان احمد التوفيق، عبد اللطيف الغويلي ومحمد الشيخي مكلفان بالانتاج..و اللائحة طويلة وطويلة جدا، لا يتسع المجال لذكرها، وهي كلها أسماء اختارت التربع في الظل، والاشتغال على هامش الكواليس..طمعا في الأجر والثواب. والحديث عن الأسماء التي ساهمت في تأسيس قناة محمد السادس للقرآن الكريم، بداية الأمر، لا يمكن أن ينتهي دون الاشارة الى أحد الأسماء الوازنة التي أعطت الكثير ثم الكثير للقناة، انها أستاذنا الجليل،العلامة سيدي لحسن بن ابراهيم السكنفل، ومن لا يعرفه (حاليا رئيس المجلس العلمي المحلي لتمارة)، عالم فاضل، وفقيه جليل.. لغوي محنك، ومرب كبير، يشهد له الجميع بالكفاءة العلمية والتمرس الشرعي. كانت له اليد الطولى في تأطير جل صحافيي القناة، لا يبخل عليك بالمعلومة ولا يتردد في النصح، الذي غالبا ما يرفقه بابتسامته العريضة، اجتمعت فيه كل القيم الأخلاقية العالية فكان، بحق، قدوة للعاملين بالقناة. وللتاريخ نتحدث، واليه نقول، بأن هذه العناصر وغيرها كثير، هي التي غذت بأفكارها قناة السادسة، وطعمتها من وقتها، وسقتها حبا وارتباطا.جازاها الله عنا خير الجزاء. ومع توالي الأيام والسنين، استطاعت قناة محمد السادس للقرآن الكريم، أن تكون لنفسها طاقما تقنيا كفءا، مشهود له بالكفاءة و بالمهنية، وان كانت تنقص بعضها التجربة، الا أنها اختارت، عن حب، الاشتغال بالقناة، فاجتهدت، لتثبث بالفعل على حبها الكبير للميدان، وعشقها المتواصل الى العملية الاعلامية السمعية البصرية، فكان أن ساعدها على ذلك، المناخ العام، الذي يشجع المبادرات، ويدفع بالطاقات الإبداعية نحو الاجتهاد، ويتيح لها الفرصة حتى تطور من إنتاجها وإبداعاتها في المجالات المختلفة، ويفتح أبوابا للتواصل مع كافة الفعاليات المجتمعية ، مما كان له انعكاس جد ايجابي في تقديم ثروة فكرية مرئية من البرامج التربوية الهادفة والمتنوعة الجوانب الاجتماعية والتنموية والشرعية والترفيهية التي تحتاج لها الأسرة المغربية، بأسلوب هادئ، وطرح متزن لا يعمل على التحريض ويلتزم المبادئ المهنية في إطار عمل إعلامي مؤسسي متناغم متكامل، دعما للانتماء الاسلامي الصحيح. خمس سنوات مضت، اذن، على تأسيس قناة السادسة، رافقتها خمس سنوات من العطاء والتعثر والبحث عن الذات، كل ذلك ساهم في تصحيح العديد من الأخطاء، ونور الكثير من الطرقات، كان المجتمع المغربي في أمس الحاجة الى تنويرها. وباختصار شديد فإنَّ "السادسة"، ستظل منبرا فكريا يسعى إلى المساهمة في تثقيف القارئ المغربي _والمسلم_ معرفيا ومنهجيا على نحو لا يتعارض مع ثوابت الإسلام، ويعي في الوقت نفسه ثقافة العالم وطبيعة العصر. انه جسر تتواصل من خلاله القناة مع مشاهديها الأعزاء و الأوفياء، ورهان كبير لتحقيق الغاية المنشودة أولا وقبل كل شيئ خدمة للاسلام الصحيح، وثوابث الأمة المبنية أساسا على العقيدة الأشعرية، والمذهب المالكي، والتصوف السني.