نعيش في هذه الأيام مرحلة فصل الربيع الذي تخضر فيه الأراضي وتتفتح الورود بجميع أنواعها لتتلقح بينها عن طريق النحل وغيرها من الحشرات وهذه السنة يزامن هذا الفصل مع احتفال المغرب بالذكرى الأربعين ليوم الأرض والبيئة من 17 إلى 24 أبريل 2010، ويذكرنا هذا اليوم بنشأة الحركة البيئة سنة 1970 التي اعتمدت: قانون الهواء النقي وقانون الماء النظيف وقانون حماية الأصناف المهددة بالإنقراض. إن البيئة المحيطة بالإنسان قد تؤثر على إصابته بالحساسية. في هذا الفصل الربيع بالخصوص نستقبل في المراكز الصحية مرضى يعانون من حدوث حساسية متناهية تجاه مواد تنبعث من الورود والأزهار والأشجار وهذه الحساسية ما هي إلا عبارة عن التفاعلات الجسدية السلبية ، أي ردَّات الفعل المتعددة للجسم الانساني الحي نتيجة إحتكاكه الدائم بجسم غريب أي في هذه الحالة استنشاق الغبار ورحيق الورود، أما الأعراض الخارجية والداخلية فقد تكون خفيفة أو خطيرة، حسب العضو الحساس الذي تأثر بالمادة الغريبة، مع العلم بأن الجسم السليم لا يتأثر أبداً بهذا الجسم الغريب الخارجي في حال تعرضه له. نعلم أن جسم الإنسان يدافع عن نفسه، ودفاعه عن نفسه يكون بتكوين ما يسمى بالأجسام الضدية لكل دخيل (الميكروبات مثلا) فتعمل على القضاء عليه. ولكن الأمر يختاف أثناء الحساسية أي أنه يختلط بحيث يقع خلط في التعرف على الأشياء، فيجيب الجسم على تأثير مواد هي في الأساس ليست بالضارة له وكأنها مواد ضارة، دخيلة كغبار الزهور ورحيقها خلال فصل الربيع، فيكوّن ضدها أجساما ضِدية متسلطة، ليس فقط على لقاح الورود والنباتات ولكن أيضا على الجسم نفسه، إذ بإتحاد الأجسام الضدية مع هذا الجسم الذي أعتبر دخيلا يقع ترسب على غلاف الخلايا التي تتأدى بذلك فيشتد تسربها ومن خلال الغلاف تخرج مادة تؤثر على الشرايين وغيرها من أجساد الجسم مما يؤدي إلى تغييرات مختلفة مثل هبوط في التوتر الدموي. إن طريقة دخول غُبار لقاح الزهور والنباتات إلى جسم الإنسان، ومكان وقوع الإصطدام بين اللقاح وبين الأجسام الضدية التي هيأها الجسم لمحاربته، تعرفنا عن نوعية الحساسية فإذا كان مكان الاتصال والإصطدام هو الممرات الهوائية العليا فإنه سيقع إلتهاب أنفي مفاجئ أو إلتهاب فمي مفاجئ، فإذا كان ذلك في القصبات الهوائية والرئة فيمكن أن تقع نوبة ربوية «الضيقة». أما إذا كان الاتصال في الجهاز الهضمي فسيقع ألم في البطن، وقيء، أما إذا كان مكان الاتصال و«المعركة» هو الجلد فستظهر فيها إندفاعات أو نملة «إكزيما» وتلعب السنين دوراً أساسيا في هذه الحساسية ونوعها وكيفية ظهورها، ففي السنة الأولى تظهر أعراض الحساسية الجلدية في شكل نملة أو إندفاعات جلدية مختلفة، وفي السنة الثانية والثالثة تظهر الحساسية في شكل إلتهاب القصبات الهوائية. وقد تكون الحساسية سريعة الظهور ومفاجئة: تظهر بعد بضع دقائق من تأثير أحد العوامل، ولكن قد تكون الحساسية متأخرة تظهر بعد يوم أو يومين. وأكبر وأصعب الحالات الربوية هي الصدمة التي تتجلى في قصور قلبي - دوراني يصل إلى حالات تهدد حياة الإنسان إذا لم يتدخل الطبيب لإسعاف المصاب. مرض الحساسية لا يعتبر من الأمراض المعدية، ولا ينتقل من شخص إلى آخر نتيجة الاحتكاك المباشر بينهما، فالحساسية لها رواسب وراثية. لا يمكننا لأول وهلة أن نتحدث عن أعراض «نوعية» مميزة للحساسية، فهي يمكن أن تظهر في صور مختلفة إذ قد تبدأ بحكة. أو إضطرابات هضمية، أو إضطرابات قلبية - دورانية، أو عسر في التنفس... ومن أعراض الحساسية التي تكون صعبة وتحتاج إسعافا ما نسميه «بحزب كويكه» أو داء كويكة، بحيث يتورم الجلد والأغشية المخاطية نتيجة حساسية نحو مادة ما (غبار تلقيح الزهور مثلا) فيظهر التورم في الوجه والشفتين ، والأذن، والحاجبين، وفي الأعضاء التناسلية، والأطراف... وأكثر ما تكون الحالة خطيرة حين يظهر هذا التورم في الممرات التنفسية العليا، فيصعب بذلك التنفس، وتتطلب هذه الحالة علاجا سريعا. إن أسهل أنواع الحساسية هي ظهور إندفاعات جلدية مختلفة، وخاصة مايسمى ب «إكزيما»، أو إلتهاب العصبي - الجلدي الذي قد يؤثر على الصحة العامة، فيؤدي الى حالة هيجان، وإضطراب في النوم والأكل. ولكن هذه الأعراض الجلدية الخفيفة يمكن أن تكون بداية لظواهر حساسية متعددة. أما الفحص المخبري فهو يكشف لنا: ارتفاعا واضحا في كمية «الأيوزيينوفيل» الموجودة في مادة الدم، وهذا الارتفاع يمكن أن يصل الى معدل عالي جدا. انخفاضا في كمية «البروتين» في مادة الدم، وإرتفاع معدل المضادات الحيوية من «الفا» و «كما» غلوبين. إن العلاج الصحيح يبقى سهلا في حالة اكتشاف السبب الذي أدى الى ظهور أعراض الحساسية؛ أما في حالة إغفال السبب فإن أكثر هذه التأثيرات السلبية تستمر وتزداد يوما بعد يومن، وقد تتحول الى أمراض خطيرة تعرض الحياة إلى الموت، وهذا ما نراه ونسمعه باستمرار خلال مزاولتنا لعملنا في المؤسسات الصحية العمومية. إن الابتعاد عن السبب يؤدي إلى الشفاء السريع والدائم وذلك بعد مدة من الزمن، شرط عدم العودة إلى هذا السبب. إذا لاحظنا أن شخص مهيأً للإصابة بمرض من أمراض الحساسية أو أنه بدأ تظهر عليه أعراض مرض ما، وجب أن نخصص له عناية خاصة، إذ أنه يكون معرضا لأمراض تنفسية مختلفة خلال استنشاقة مثلا لغبار الزهور بحيث يتعرض للإصابة بالتهاب للممرات التنفسية بسرعة، لذا ينبغي حفظه من ذلك، وتقوية جسمه والحرص على بقائه في الهواء النقي أطول مدة، وعلاج بؤر الانتان لديه (مثل إلتهاب البلعوم، وإلتهاب اللوزتين والأسنان...)، ويعتبر أهم من هذا كله محاولة معرفة عامل الحساسية وإبعاده من المريض، ثم تخفيض حساسية هذا المريض نحو ذلك العامل. وتعد محاربة الحساسية أمراً صعبا، فعوض عامل واحد مجيب للمرض، يمكن أن يظهر عامل آخر، وبعد مرحلة هدوء قد تظهر مرحلة حدة قوية. ولكن تطور العلم في الوقت الحاضر بدأ يطلعنا على آمال كبيرة في هذا المجال. فقد أصبحت كثير من عوامل الحساسية معروفة لدينا، كما أنه أصبح من الإمكان محاربتها أو إيقاف تأثيرها. إن العلاج يكون على نوعين: الأول: العلاج المناعي المحددة، وهو عبارة عن قطرات يضعها المصاب تحت لسانه لمدة معينة. الثاني: العلاج المداوم، وهو عبارة عن رشاشات، وأقراص، ومحلول للشرب. وهذا العلاج يعطي نتيجة مهمة، شريطة الالتزام بالمدة المحددة له، علما أن هناك بعض أنواع الحساسية التي تختفي بعد فترة معينة من العلاج الوقائي. أخيراً نعود لنذكر المصابين بالحساسية على عدم تناول في الحالات الحادة، لكميات كبيرة من الأدوية الموصوفة من طرف الطبيب، خوفا من حدوث أعراض جديدة تؤزم الحالة الصحية العامة مع التشديد على محاولة إيجاد المسبت لأعراض الحساسية (غبار ولقاح الزهور في فصل الربيع) قبل اللجوء إلى استعمال العقاقير والمراهم الطبية العشوائية، وخاصة مواد الكورتيزون، لأن كل استعمال طويل لهذه المادة ينتج عنه أعراض جسدية سلبية، كما أن الوقاية تعتبر من العلاجات الصحيحة، والمهمة لتفادي ظهور أكثر الأعراض السلبية لمرض الحساسية لذلك فإن الشخص الذي يصاب بالحساسية أثناء النزهة في الحدائق التي تزخر بالورود يجب عليه تعويض هذه الأماكن بأماكن أخرى لا تقل هدوءاً ومتعة. وعلى هذا الشخص المصاب بالحساسية أن يستشير الطبيب الذي يرتاح إليه لكي يؤمن حياة لا يشوبها التعب الجسدي والنفسي مما يشد عزيمته وقواه للإستمرار في العمل والحياة والإنتاج.