إذا قلتُ لك إنّ أغلبية سكان هذه القرية الكونية صاروا اليوم مدمنين على وسائل التواصل الاجتماعي، فإن هذا ليس خبرًا لأنه معلومة معروفة لدى الجميع بالضرورة، وهنا يحضرني المثال المطروق في أبجديات الصحافة والإعلام، ومفاده أنّ قيام كلب بعض رجل ليس خبرا لانعدام الجدة والإثارة فيه، بينما الخبر هو أن يقوم رجل بعض كلب. وأظن وإن كان بعض الظن إثما، أنّ أهم رجل عضنا وتركنا نلهث وراءه هو مارك زوكربرغ، المدير التنفيذي لإمبراطورية "ميتا"، الشركة الأم لفيسبوك وماسنجر وواتساب وإنستغرام.. والتي تعد خامس أكبر شركة في الولاياتالمتحدةالأمريكية بعد شركة ألفابت وغوغل ومايكروسوفت وأمازون وآبل. أما سبب النزول، فهو إدماننا المستفحل على وسائل التواصل الاجتماعي، الذي تعري بعضَ جوانبه الأعطاب التي تعتري منصات التواصل الاجتماعي من حين لآخر، وآخرها الخلل الذي أصاب تطبيقات فيسبوك وماسنجر وإنستغرام يوم الثلاثاء المنصرم وتسبب في توقفها عن العمل لنحو ساعتين، ومنع مستخدميها البالغ عددهم 3.5 مليارات شخص من ولوج خدماتها للتواصل الاجتماعي والتراسل الفوري. فأحدث البيانات، تشير إلى أن فيسبوك هو أكبر منصة للتواصل الاجتماعي في العالم بثلاثة مليارات مستخدم نشط، بينما يبلغ عدد مستخدمي إنستغرام نحو 1,35 مليار، بمعنى أن هاتين المنصتين تستقطبان نصف سكان المعمورة. صحيح أن إدمان مواقع التواصل الاجتماعي يتسبب وفق دراسات غربية عديدة في القلق والتوتر والاكتئاب.. غير أن الأمر لم يعد يتعلق بمجرد مواقع أو منصات يلجها المرء للدردشة وتقاسم "اللحظات الذهبية" أو "الخوف من أن يفوته جديد".. كما كان الشأن بداية، وإنما أصبحت هذه التطبيقات اليوم داخلة في صميم عمل العديد من المهن، وعلى رأسها الإعلام والاتصال. لقد أصبح مجرد توقف هذه المواقع عن العمل، يعني تعطل عمل طواقم عديدة عبر العالم، والتأثير سلبا على سير عملها الاعتيادي، مما يكرس هيمنة عمالقة "كافا" ليس فقط على الدخول غير الواعي للأفراد إلى منصاتها، وإنما كذلك على الدخول الواعي إليها لتغلغلها في مفاصل العمل اليومي لمئات الملايين من الأفراد والهيئات والمؤسسات..
في المقابل، ما فتئت دراسات شتى تحذر من كون الإدمان على منصات التواصل الاجتماعي ينقص من الإبداع والتركيز والإنتاجية، فضلا عن تسببه في ضياع الوقت حيث تشير هذه الدراسات إلى أن متوسط ما يقضيه المرء في هذه المنصات هو 3 ساعات يوميا، (أي 24 مليار ساعة) وهو رقم يتضاعف مرات لدى أغلبنا.