رصاصة الشرطي التي أردت الشاب الفرنسي نائل قتيلا، حولت نهار فرنسا إلى ليل سديم، وحركت بركة القضايا الآسنة في السياسة وفي الاجتماع، وفجرت أسئلة كبرى من قبيل: أهكذا تتعامل الدولة الفرنسية مع مواطنيها؟ ناهيك عن الأسئلة الفرعية المرتبطة بالتربية والتعليم، وتعامل الدولة مع المهاجرين وأبنائهم، و"الحكرة"، وعلاقة مؤسسات الدولة مع مواطنيها، ومدى منسوب الثقة المفترض في هذه العلاقة، والحياة اليومية للمواطن الفرنسي بضواحي المدن الكبرى، والفوارق الاجتماعية بين الفرنسيين أنفسهم، وبينهم وبين مواطنين من أصول غير فرنسية. لقد دفع هذا الحدث بكل المؤسسات الفرنسية إلى التحرك، في الاتجاه التي تراه من صميم مهامها، وحسب مسؤوليتها. ومن بين المؤسسات التي وضعت الأصبع على الداء، نقابة القضاء الفرنسي، التي أصدرت بيانا في الموضوع، اعتبرته جهات عليمة أنه محكم وفي الصميم.
في مقدمة البيان اعتبرت هذه النقابة ما قام به الشرطي خطأ، ونبهت إلى عدم معاودة ارتكابه، وشددت على "احترام مهمة العدالة"، وتساءلت عن الكيفية التي يجب اعتمادها في حلحلة المشكل، وكشفت بالبنط العريض عن السؤال الذي يطرحه مقتل مراهق على يد ضابط شرطة بعد رفضه الامتثال، معتبرة أنه سؤال سياسي فعلا.
في نفس الوقت اعترفت أن القضاء هو أيضا مجال للأخطاء، لكن المفروض الابتعاد ما أمكن من الأخطاء، وتملك النزاهة أثناء النظر في قضايا عنف الشرطة. وأكدت على استقلالية القضاء في كل وقت وحين. كما يجب ألا ينجرف القضاء وراء ردود الأفعال. ونبهت نقابة القضاء الفرنسي إلى الخطاب سياسي الذي وصفته بالضار، وأنه ينكر وجود عنف الشرطة أو ممارسات تمييزية من قبل الشرطة.
ولكي يكون تدخل هذه النقابة في الصميم وذو طابع عملي، طالبت بإلغاء فقرة من قانون الأمن الداخلي التي تسمح باستخدام السلاح في حالة رفض الامتثال، بدليل ارتفاع نسبة الوفيات والإصابات الناجمة عن إطلاق رصاص الشرطة أثناء عمليات التفتيش على جانب الطريق، واعتبرت ذلك دليلا مأساويا على تزايد انعدام الأمن للمواطنين في علاقاتهم مع الشرطة.
طالبت أيضا بحياد المدعي العام أو قاضي التحقيق الذي يعمل بشكل يومي مع ضباط الشرطة عندما يتعين عليه التحقيق مع شرطي، ارتكب مثل هذا الخطأ، وخلق لجن تحقيق مستقلة؛ من المتخصصين في القضايا الأمنية، والمؤسسات المسؤولة عن مراقبة أخلاقيات قوات الأمن.
هذه النقابة أفادت أنها تدعو أكثر من أي وقت مضى إلى إصلاحات عميقة في ممارسات الشرطة والقضاء، وهي الطريقة الوحيدة لاستعادة ثقة المواطنين في الشرطة وفي العدالة.
ربما مضمون بيان نقابة القضاء الفرنسي، حين أشارت إلى الخطاب السياسي فإنها على علم بكنه ومرامي الخطاب السائد في فرنسا حاليا. فها هو وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان أعلن أنه سيتم تعبئة حوالى 45 ألف من عناصر الشرطة والدرك مرة أخرى الليلة ما قبل الماضية للتعامل مع ما وصفه بأعمال الشغب. السيد الوزير قال ذلك، في الوقت الذي قضى فيه الشاب نائل، الذي لم يستكمل عقده الثاني بعد، برصاصة في الصدر، أطلقها شرطي من مسافة قريبة أثناء عملية تدقيق مروري.
جثمان، نائل شيعه مئات الأشخاص من مسجد ابن باديس إلى مقبرة مونت فاليريان في ضاحية نانتير الباريسية. وشهدت مدن عدة في فرنسا ليل الجمعة /السبت 30 يونيو 1 يوليوز 2023 صدامات بين الشرطة وشبان من الأحياء الشعبية، رددوا شعارات مناهضة لقوات الأمن.
وحسب تقارير فرنسية، فإنه جرى اعتقال أكثر من 700 شخص في جميع أنحاء فرنسا، وذلك خلال الليلة الخامسة بعد الحادث، وأن الاشتباكات بين الشباب الغاضب وقوات الأمن، والاحتجاجات لم تهدأ بعد.
وحسب التقارير نفسها، فإنه تمت تعبئة 45 ألف شرطي ودركي في جميع أنحاء البلاد من قبل الحكومة الفرنسية، وهو نفس عدد قوات الأمن المنتشرة في إحدى الليالي السابقة التي تم فيها اعتقال أزيد من 1300 متظاهر.