يشكل انعقاد القمة الإفريقية الخامسة للمدن، المنظمة تحت الرعاية السامية لجلالة الملك محمد السادس بين16 و20 دجنبر الحالي بمراكش ، مناسبة يضع فيها المغرب تجربة خمسين سنة من التدبير الجماعي واللامركزية في خدمة البلدان الإفريقية. وقد قطع المغرب ، منذ صدور أول تقسيم جماعي سنة1959 بإحداث801 جماعة محلية ، أشواطا كبيرة من التنظيم الترابي المعتمد على اللامركزية في التسيير ومنح الاستقلالية للوحدات الترابية وسن نظام وحدة المدن , وجعل الجماعات المحلية أكثر استقلالية لتشكل بالتالي قاطرات للتنمية الجهوية ومحركا للاقتصاد المحلي. وشهد التدبير الجماعي منذ سنة1976 انعطافة هامة بانخراط الدولة في مسلسل إصلاح عميق للمؤسسة الجماعية,عبر توسيع حقل اختصاصات المجالس المنتخبة وإحداث688 جماعة جديدة وتعزيز وسائل اللامركزية, ليتوج مسار الإصلاح بسن نظام »وحدة المدينة«سنة 2002 ، مع ما يرافق ذاك من تحسين قواعد التسيير ومراجعة نظام المجالس. مع انتقال نمط الدولة في التعامل مع الجماعات المحلية من »الوصاية« إلى »المواكبة«، أصبحت الجماعات مدعوة إلى التوفر على مخطط استراتيجي خاص للتنمية, لتصبح بذلك الفاعل الرئيسي في مجال تدبير الشأن العام. وستواكب الدولة الجماعات المحلية لبلوغ هذه المرحلة المتقدمة من اللامركزية، في أفق سنة2015 ، من خلال مخطط تدخل تدريجي مبني على ستة محاور أساسية، تتمثل في »تخطيط التنمية المحلية«و»الإطار القانوني ومواكبة المؤسسات« و»التدبير الاحترافي للمرافق العمومية« و»الهيكلة والأنظمة المعلوماتية« وتعبئة »الموارد المالية«و»تحديث تدبير الموارد البشرية«. ومن شأن هذا البرنامج أن يجعل من الجماعات المحلية, وخاصة المدن، رافعات حقيقية للتنمية المحلية تعتمد على مواردها المالية والبشرية الذاتية لصياغة برامج تنمية محلية، تقوم على حسن تدبير واستغلال الموارد الطبيعية، وفق مخطط يحدد بدقة الأهداف والوسائل، وهو ما يجعل المنتخب بمثابة مسير للشأن العام يملك رؤية استراتيجية للنهوض بتدبير المجال الترابي. وستشكل هذه التجربة المتميزة للمغرب في مجال الرقي بدور الجماعات المحلية نموذجا يحتذى به من طرف البلدان الإفريقية الراغبة في الانخراط أكثر في مسار اللامركزية ودعم التنمية المحلية, خصوصا مع اتجاه المغرب نحو نظام الجهوية الموسعة، الذي يعتبره فقهاء القانون»المرتبة الأعلى من نظام اللامركزية«. وحققت الجماعات المحلية المغربية بمختلف مستوياتها (جماعات محلية, مجالس عمالات وجهات) قفزة نوعية في مجال التعاون اللامركزي مع نظيراتها بالخارج، خصوصا الموجودة بالقارة الأوربية, سواء من خلال اتفاقيات توأمة أو برامج تعاون قطاعية أو شاملة.