واجب تعديل النص القانوني عادت المطالبات بإلغاء زواج القاصرات لتطفو على السطح مجدداً في المغرب، في ظل مبادرات تشريعية ومراسلات موجهة إلى رئيس الحكومة والبرلمان ووزارة العدل ووزارة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة، من أجل تعديل القانون المتعلق بزواج من هن دون ال 18 سنة. لم تنجح مدوّنة الأسرة منذ تعديلها في عام 2004، في محاصرة زواج القاصرات على الرغم من رفعها سنّ الزواج إلى 18 عاماً. فالأرقام تبيّن منذ ذلك الوقت أنّ الوضع مستمرّ، ولا نجاح تحقق في مواجهته.
وحسب معطيات كشف عنها رئيس النيابة العامة في المغرب، الحسن الداكي، فإن عام 2020، شهد تلقي المحاكم نحو 20 ألف طلب لتزويج فتيات دون سن الثامنة عشر، وصدر بشأنها 13 ألفاً و335 إذناً بالزواج، ما يجعل الأمر يتجاوز الاستثناء في القانون الذي يسمح بتزويج من لم تبلغ السن القانونية.
ويستند قضاء الأسرة في المغرب في منح الإذن بزواج القاصر إلى المادة 20 من قانون الأسرة، وهي المادة التي تتيح لقاضي الأسرة المكلف بالزواج أن يأذن بزواج الفتى أو الفتاة دون السن الأهلية المحدد، وذاك بقرار يُعلّل فيه المصلحة والأسباب المبررة لذلك، بعد الاستماع لأبوي القاصر، أو نائبه الشرعي، والاستعانة بطبيب يؤكد القدرة على الزواج، أو إجراء بحث اجتماعي.
وتنص المادة 21 من مدونة الأسرة على أن "زواج القاصر متوقف على موافقة نائبه الشرعي، وأن موافقة النائب الشرعي تتم بتوقيعه مع القاصر على طلب الإذن بالزواج، وحضوره إبرام العقد"، مضيفة أنه "إذا امتنع النائب الشرعي للقاصر عن الموافقة بات قاضي الأسرة المكلف بالزواج هو المسؤول عن الملف".
كما تنص المادة 22 من القانون ذاته، على أن "يكتسب المتزوجان طبقاً للمادة 20 الأهلية المدنية في ممارسة حق التقاضي في كل ما يتعلق بآثار عقد الزواج من حقوق والتزامات، ويمكن للمحكمة بطلب من أحد الزوجين، أو نائبه الشرعي، أن تحدد التكاليف المالية للزوج المعني، وطريقة أدائها".
ويُثير زواج القاصرات جدلاً واسعاً في المغرب على مدار سنوات، وزادت حدة النقاش خلال الفترة الماضية، بسبب الضغوط التي تمارسها فعاليات سياسية وحقوقية في معركتها من أجل تعديل مواد قانون الأسرة التي تمنح الاستثناء لتزويج القاصرات.
رغم تقييده بموافقة استثنائية من القضاء، إلا أن زواج القاصرات لا يزال مستمرا بالمغرب، وتحول الاستثناء إلى قاعدة بعدما منحت محاكم الأسرة آلاف الموافقات لتزويج القاصرات في 2020، ما دفع حقوقيون إلى تجديد الدعوة لوقف الظاهرة.
ولا يمكن زواج القاصر بالمغرب إلا بإذن من القاضي، لكن ذلك لم يمنع المحاكم من منح 13 ألف إذن لتزويج قاصرات في العام 2020، من أصل 20 ألف طلب.
وتندد جمعيات نسائية وحقوقية بهذا الوضع مطالبة بسد هذه الثغرة القانونية.
وتجدد النقاش حول الظاهرة بعد أن دعا الفريق النيابي لحزب "التجمع الوطني للأحرار" في البرلمان إلى "محاربة تزويج القاصرات"، وتعديل الفصل التاسع عشر من مدونة الأسرة بجعل السن القانوني للزواج في 18 ومنع الزواج على من هم في سن أقل.
يقول الباحث المتخصص في الإصلاح الديني، محمد رفيقي أبو حفص، في حديث لموقع "الحرة" إن "تجدد الدعوات لتحديد سن الزواج في 18 عاما يأتي بعد عدد من الدراسات والتقارير التي صدرت حتى عن جهات رسمية، والتي تفيد بارتفاع نسبة القاصرات وبالتالي الجمعيات النسائية والحقوقية من الطبيعي أن تجدد الدعوة لحماية الفتيات من تزويجهن في هذا السن المبكرة".
و في رأي اخر ، للنائب البرلماني عن فريق التجمع الوطني للأحرار، قوله "إن هناك من يقول إن هذا الأمر يدخل في ثقافتنا وعاداتنا؛ ولكن التقاليد تتغير، ففي الزمن القديم جدتي لم تكن تخرج من البيت، ولم تكن تدرس، ولم تكن تعمل، كما هو حال المرأة اليوم".
ويشيرأيضا إلى أن "الاتفاقيات الدولية والقوانين المغربية تؤكد على حماية الطفولة، والمشرّع المغربي أكد هذا المبدأ؛ لكن الفصل التاسع عشر من مدونة الأسرة ترك بابا للاستثناء لتزويج القاصرين، الذي أصبح اليوم قاعدة".
الباحثة والمحللة المغربية، شريفة لومير، ترى في حديث لها أن "ظاهرة زواج القاصرات بالمغرب ليست بالجديدة وحتى النقاش فيها أخذ وقتا كبيرا، لكن نظرا لاستمرار استفحالها في المجتمع المغربي فمن الضروري اليوم مباشرة المشرع المغربي لتعديل شامل للقانون وإعادة النظر في الفصول التي تحدد سن الزواج خاصة منها المادة 20 و21و22 التي تسمح بتزويج القاصر دون سن ال18".
وتنتشر الظاهرة بشكل كبير خاصة في البوادي، وينظم متطوعون يعملون مع جمعية "إيطو" حلقات توعية للسكان حول المشاكل الناجمة عن تزويج القاصرات رغما عنهن سواء على المستوى القانوني أو الصحي أو الاجتماعي، بالإضافة إلى فتح نقاشات معهم حول الموضوع، وتوزيع هبات على المعوزين، وفق تقرير سابق من وكالة فرنس برس.
لكن هذا العمل، وفقا لما تراه نجاة إيخيش، رئيسة الجمعية، "يتسم بالحساسية، نظرا لأن الموضوع يعد من المحرمات المجتمعية، ومن اللازم العمل أولا على كسب ثقة مخاطبينا، وخصوصا الانصات إليهم".
لكن فدوى رجواني، عضو اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان في سوس ماسة، ربطت بين انتشار ظاهرة زواج القاصرات و مشكل "سلب حربة المرأة".
وتقول رجواني في حديث لها إنه سلب لحق المرأة في "التعليم، ولحقها في اختيار شريك حياتها، لأن غالبًا ما يكون زواج القاصرات رغما عنها، ناهيك عن الضرر الجسدي والنفسي على صحة الفتاة ويمكن العودة إلى أرقام وفيات النساء خلال الوضع وسترون كيف أن أغلبهن قاصرات".