جمعتني جلسة مع بعض المتقاعدين من عمالنا في الخارج وقد استنكروا جميعا معاناتهم بعد إحالتهم على المعاش فبعضهم ماتت زوجته.. وفضل أبناؤه العيش في الغربة بعد ان استقروا هناك وتزوجوا.. وبعضهم ماتزال زوجته على قيد الحياة ولكنها ترفض العودة معه إلى المغرب.. وتفضل العيش في الغربة مع أبنائها . ولهذا يجد هؤلاء المتقاعدون أنفسهم يعيشون في شيخوخة ظالمة.. لأن أمنيتهم هي أن يعيشوا ما تبقى من أعمارهم في بلادهم.. ولكنهم يشعرون بالوحدة والعزلة.. والإحراج عندما يسكنون عند أقاربهم.. وبعضهم يضطر الى الانتقال ما بين المغرب والبلد الذي كان يشتغل فيه. وقد عبر لي هؤلاء المتقاعدون عن الخوف والقلق الذي يعتريهم عند تواجدهم بالمغرب، فاللصوص يتربصون بهم بحكم أنهم كانوا يشتغلون في الخارج ويتوفرون على ثروة كبيرة ويتذكرون بعض أصدقائهم الذين عادوا إلى المغرب وتعرضوا فعلا للقتل.. كما أنهم يتعرضون للغواية والفتنة من بعض النساء والفتيات اللواتي يطمحن الاقتران بهم.. طمعا في الميراث على أساس أن هذا المتقاعد لن يعيش طويلا. وعندما سألتهم: وما المطلوب الآن؟ كان جوابهم جميعا.. إنشاء »دار المتقاعد« في المدن الكبيرة.. لانهم لايريدون العيش في الفنادق ولا في مأوى العجزة.. إنهم يحلمون بدار تضم المتقاعدين العائدين من الغربة.. والذين تركوا زوجاتهم وأولادهم وفضلوا الرجوع إلى بلادهم ليعيشوا ما تبقى من العمر بين أقاربهم.. وليدفنوا اذا جاء أجلهم .. قريبا من أجدادهم وآبائهم وأمهاتهم وأشقائهم.. ويقترحون على المسؤولين على شؤون المتقاعدين ان يستثمروا في هذا المجال.. ويشيدوا وحدات سكنية لايواء هؤلاء المتقاعدين ليس بالمجان ولكن مقابل قدر مالي وفي تصور هؤلاء المتقاعدين أن تحتوي هذه الدار على حديقة ومكتبة ومقهى وطبعا على مسجد للصلاة وعيادة طبية مداومة لأن أغلبهم يعانون من الأمراض وهم على استعداد ان يؤدوا كل شهر المبلغ المالي الذي يحدده المشرفون على الدار . وهكذا يستفيد صندوق التقاعد من هذا المشروع الذي سيوفر له مداخيل مالية كل شهر. ويرى هؤلاء المتقاعدون ان يبدأ تنفيذ هذه الفكرة بانشاء دار واحدة في الدارالبيضاء على أن يتم تعميمها على باقي المدن المغربية في حالة ما إذا نجحت وأعتقد أن هذا المشكل لايعاني منه فقط بعض المتقاعدين العائدين من الخارج فحتى بعض المتقاعدين هنا في المغرب. يجدون أنفسهم »وحيدين« وخاصة بعد موت الزوجة. فإصلاح أنظمة التقاعد يجب ألا يقتصر فقط على الجانب المادي بالزيادة في المعاشات .. بل يجب أن يشمل كذلك، الجانب الانساني والاجتماعي . والصحي والنفسي للمتقاعد ليعيش في ظل شيخوخة مطمئنة ومريحة، إلى أن يلقى ربه.