من المعروف لدى الباحثين أن العنف قسمان : عنف فيزيائي يكون بإلحاق الضرر بالآخرين جسديا وماديا وعضويا، وعنف رمزي مختفي يكون بواسطة اللغة، والهيمنة، والإيديولوجيات السائدة، والأفكار المتداولة. ويكون أيضا عن طريق السب، والقذف، والشتم، والدين، والإعلام، والعنف الذهني. لذا، يعرفه بيير بورديو بقوله:" العنف الرمزي هو عبارة عن عنف لطيف وعذب، وغير محسوس، وهو غير مرئي بالنسبة لضحاياه أنفسهم، وهو عنف يمارس عبر الطرائق والوسائل الرمزية الخالصة .أي: عبر التواصل، وتلقين المعرفة ، وعلى وجه الخصوص عبر عملية التعرف والاعتراف، أو على الحدود القصوى للمشاعر والحميميات." وعليه، يرتبط العنف الرمزي بالسلطة السياسية والتجبر والحقول الاجتماعية. فالدولة مثلا تمارسه عبر مجموعة من المؤسسات الرسمية والشرعية كالمدرسة، والإعلام ،والدين ، والجمعيات الرياضية والثقافية. كما أن الجماعات القوية والنافذة في مجتمع ما تتخذه كوسيله للضغط على الافراد والاقليات .ويعني هذا أن المجتمع الحاكم والمسيطر سياسيا واقتصاديا وفكريا يمارس عنفا رمزيا violence symbolique ضد الأفراد .ويعتبر هذا العنف أكثر خطورة من العنف المادي الجسدي.
يصنف العنف الرمزي بانه نوعًا من العنف غير الجسدي والذي يتجلى في فرق السلطة بين الفئات الاجتماعية؛ وغالبا ما يتم الاتفاق عليه دون وعي من قبل كلا الطرفين ويتجلى في فرض معايير المجموعة التي تمتلك قوة اجتماعية أكبر على تلك التي لاتملك نفوذا او التابعة لها.
يعتقد بيير بورديو بخطورة العنف الرمزي محققا نتائج اذا قورن مع آليات العنف المادي ،يقول في هذا الصدد : " يمكن أن يحقق العنف الرمزي نتائج أحسن قياسا إلى ما يحققه العنف السياسي والبوليسي " .
اذا كان الخطاب العقلاني يرفض العنف ،فثمة خطابات دينية تستنكر العنف وتحرمه. لكن بالمقابل تزداد مسيرة العنف السوداوية ولا سيما العنف الرمزي. فلا اخد يقبله طبعا وممارسته منتشرة بين عموم شعوب العالم.
غداة الانتخابات الاروبية يخرج للعلن مناضلين ومناضلات ينتمون لاحزاب اليمين المتطرف ،يمتلكون خطابا واحدا يوحدهم. خطاب الانسان الابيظ الذي يعتقد قدماء الاغريق بأنه إله او نصف إله يمشي فوق الأرض.
يسعى اليمين المتطرف لجعل اروبا للاروبيين فقط ،لكن بترويج خطاب ينتقص من قيمة الانسان " الاخر " ويحملون وبكل جدية شعار " الاخرون هم الجحيم " .
ما يحدث في اروبا ردة اخلاقية وقيمية مهما سعى الساسة والمفكرين لتصحيح المسار بوضع حد لخطاب الكراهية ،فإن هذا يمتد ويتسع وينتشر.
يستخدم اليمين المتطرف العالمي لغة واحدة ،عنوانها رفض الاخر.
يتمثل رفض الاخرفي صعوبة تقبل نقده أو رأيه المخالف أو المعاكس لرأينا مما يترك اثرا سلبيا على المستوى النفسي والاجتماعي والسياسي مما يدفع ذلك "الآخر " بدوره الى التمسك برأيه بل وبحياته الخاصة ليدخل الجميع في دوامة من العنف المتبادل ،عنف مشروع ناتج عن ردة الفعل ،وعنف أعمى يقود دائما للتطرف والدوغمائية.
لقد ظل غاندي منسجما مع محيطه الهندي عندما عمل اخراح بلده من دوامة التطرف الهندوسي مؤسسا وبدعم من الاباء المؤسسين لبلد يسع الكل هنود مسلمين ومسيحيين وهندوس وبوذيين.
لكن هذه الديمقراطية ستسمح بطفو الاصوات الاكثر ريديكالية ،أغلبية تؤجهها وتدغدغ مشاعرها خطاب الهوية ،الخطاب الزائف العابر للحدود ،والذي لا يعترف بالقيم الجمالية.
عندما يخاطب حزب "بهاراتيا جاناتا " الملايين من الهنود ،فهو يمارس عنفا رمزيا لان في ثنايا شعاره رفضا للاخر. يخرج الانصار المتطرفين ليوجهوا سهامهم المسموم لاخوتهم في الارض. الهوية الجامعة التي جعلت من الهند أكبر ديمقراطية يتعايش فيها الكل المتعدد في وحدة جامعة.
خطابات "مودي " هي نفسها خطابات اليمين الاروبي ،ماتيو سالفيني رئيس حزب الرابطة الإيطالي ،ومارين لوبان رئيسة التجمع الوطني الفرنسي وكذلك اليمين الهولندي والالماني. الم يكن ماتيو سالفيني واضحا عندما خاطب الشعوب الاروبية "قال سالفيني "ساعدونا على أن نصبح الحزب الأول في أوروبا لاستعادة مفاتيح بيتنا. الانتخابات الأوروبية هي استفتاء بين الحياة والموت وبين الماضي والمستقبل وبين أوروبا حرة ودولة إسلامية تقوم على الخوف".