بعد المبادرات الإسبانية الأخيرة لتحسين العلاقات مع المغرب أطلقت الحكومة الإسبانية أخيرا سلسلة من المبادرات تجاه المغرب محاولة إرجاع المياه إلى مجاريها في العلاقات بين البلدين التي ما زالت متأزمة منذ استدعاء المغرب لسفيرته كريمة بن يعيش منذ شهر ماي المنصرم.
آخر المبادرات الإسبانية تصريح رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز الأسبوع الماضي من دبي حيث زار رواق بلاده بالمعرض الدولي المقام هناك، حيث أن بلاده تريد مواصلة تعزيز علاقتها الإيجابية مع المغرب مضيفا ان المغرب حليف استراتيجي مهم لإسبانيا في عدد من المجالات مثل الهجرة والتنمية الاقتصادية والأمن ، في حين لم يشر إلى موضوع الخلاف الجوهري مع المغرب المتعلق بقضية الوحدة الترابية للمغرب التي تتخذ منها إسبانيا لحد الآن موقفا ملتبسا.
كما أن الجارة الإيبيرية تتحدث عن مطالبتها بالثقة والإخلاص في العلاقات مع المغرب في إشارة ضمنية إلى موضوع سبتة ومليلية المحتلتين، ويأتي هذا المطلب بعد أن كانت الرباط قد طالبت هي الأولي بالثقة والوضوح في العلاقات بين البلدين خاصة فيما يتعلق بالوحدة الترابية.
جاء ذلك بعد المواقف المعادية التي أبدتها إسبانيا بعد اعتراف الولاياتالمتحدةالأمريكية بمغربية الصحراء، حيث سارعت الخارجية الإسبانية آنذاك إلى الاتصال بالولاياتالمتحدة لحثها على التراجع عن قرار الاعتراف.
ويأتي هذا التصريح أياما قليلة بعد رسالة التهنئة التي بعث بها جلالة الملك محمد السادس لملك إسبانيا بمناسبة عيد ميلاده، وكذا تصريح وزير الخارجية الإسباني خوسي مانويل ألباريس في هذا الاتجاه، آملا التعاون في عملية مرحبا لسنة 2022.
كما يأتي بعدة إشارات بعث بها ملك إسبانيا في خطابه بمناسبة استقباله للسلك الدبلوماسي الذي غابت عنه سفيرة المغرب، .وكذلك من خلال زيارته لرواق المغرب في معرض مدريد للسياحة.
غير أن إشارات ملك إسبانيا كانت قد تزامنت مع تحركين للحكومة الإسبانية، أولهما استقبال رئيس الحكومة بيدرو سانشيز للمستشار الألماني أولاف شولتز أواخر شهر يناير المنصرم ، وثانيهما لقاء وزير الخارجية ألباريس مع نظيره الأمريكي أنطوني بلينكن .
هذا ولم يصدر أي تصريح رسمي حول العلاقة بين المغرب وإسبانيا في لقاء سانشيز بالمستشار الألماني باستثناء تلك العبارة التي قال فيها سانشيز لشولتز «أننا عندما نعمل سويا فإن النتائج تكون جيدة» مما يوحي بالتنسيق الذي كان بين ألمانيا وإسبانيا في أوج الأزمة بين الرباطومدريد الصيف الماضي بعد أزمة المهاجرين التي تلت استقبال إسبانيا لزعيم الانفصاليين إبراهيم غالي، حيث تمكنت إسبانيا بالتحالف مع ألمانيا- التي كان المغرب قد جمد علاقاته مع مؤسسات سفارتها بالمغرب- من استصدار قرار من الاتحاد الأوروبي منحاز لإسبانيا ضد المغرب.
غير أن وزير الخارجية الإسباني خوسي مانويل ألباريس قد أثار خلال لقائه بنظيره الأمريكي أنطوني بلينكن موضوع الصحراء ، مما يوحي أن الجارة الإيبيرية وعكس الإشارات التي بعث بها العاهل الإسباني تحاول توحيد المواقف مع شركائها المؤثرين خاصة ألمانيا التي تقدمت خطوات في إعادة علاقتها مع المغرب بتسجيل موقف إيجابي من قضية الصحراء، وبالتالي خرجت مما أسماه وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة من منطقة اللاوضوح «الرمادية»، وكذلك الولاياتالمتحدة التي اعترفت بمغربية الصحراء والتي يبدو لحد الآن أن علاقتها بإسبانيا ليست على ما يرام ،حيث أنها تتجنب لقاء رئيس الحكومة بيدرو سانشيز، كما حدث مع جو بايدن في لقاء 29 ثانية، أو استبعاده من لقاء افتراضي حول أوكرانيا ضم عددا من الزعماء الأروبيين أخيرا.
فعقب محادثاته مع نظيره الأمريكي قال وزير الخارجية الإسباني إنه يجب توحيد الجهود من أجل إيجاد حل نهائي لمشكل الصحراء.
وحسب صحيفة « لاراثون»، فإن ألباريس قال لبلينكن: «ساعدني في حل المشكلة مع المغرب ، وسأعطي دعم بلادي في مسألة تحرك حلف الناتو في أوكرانيا».
والحقيقة أن حكومة سانشيز لاتقدر لا على هذا ولا على ذاك، فمكونها الائتلافي اليساري الهش الذي يضم حزب بوديموس مع باقي مكونات اليسار لا يتقاسم مع حزب سانشيز نفس الموقف بخصوص الصحراء والناتو، فهو مع الأطروحة الانفصالية المتعلقة بالصحراء ، و ضد تدخل الناتو.
لكن ما يثير التساؤل هو الصيغة التي تريد إسبانيا إقناع الولاياتالمتحدة بها ، بل وحتى ألمانيا بعدما خرجت هذه الأخيرة من منطقة الظل ، وهل تراهن إسبانيا على تراجع برلين وواشنطن على ما سبق أن تعهدتا به بخصوص قضية الصحراء.
بالنسبة للولايات المتحدة يبدو أ ن موقفها محتشم ، ويبدو ذلك من خلال لهجتها منذ وصول الرئيس بايدن إلى البيت الأبيض، حيث تتجنب الحديث عن أي تغيير في قرار ترامب، بخصوص الاعتراف بمغربية الصحراء، في الوقت الذي تتحدث فيه عن جدية المقترح المغربي الخاص بالحكم الذاتي وعن ضرورة إيجاد حل سلمي وتثمين جهود الأممالمتحدة لحل مشكل الصحراء.
وأيا كان الأمر فإن موقف الولاياتالمتحدة بعيد كل البعد عن موقف إسبانيا الذي يترك الغموض بما يمكن أن يفهمه الطرف المعادي للمغرب: الجزائر والبوليساريو. أنه في صالحهم، وذلك للحفاظ على التوازن في علاقات إسبانيا بينها وبين المغرب من جهة وبين الجزائر من جهة ثانية للاستمرار في الاستفادة من المزايا الاقتصادية للبلدين : الغاز الجزائري، والشراكة الاقتصادية مع المغرب سواء على الصعيد الثنائي، فإسبانيا هي أول شريك للمغرب، أو على مستوى الاتحاد الأوروبي في مجال الصيد البحري. وفي نفس الوقت معاكسة المغرب في صادراته الفلاحية نحو الاتحاد.
هذه المعطيات تجعل الحكومة الإسبانية الحالية عاجزة عن القيام بأي تقدم في ملف الصحراء، فبالإضافة إلى الموقف المعادي لحزب بوديموس الحليف الأساسي للحزب الاشتراكي العمالي في الحكومة لمغربية الصحراء، فإن المعارضة اليمينية سواء للحزب الشعبي أو حزب فوكس تحذر حكومة سانشيز من أي تنازل لصالح المغرب بخصوص الصحراء وملف سبتة ومليلية المحتلتين .
فموقف فوكس اليميني من المغرب متطرف شأنه في ذلك شأن بوديموس وباقي اليسار، و موقف الحزب الشعبي موقف براغماتي يريد الاستئثار بملف التصالح مع المغرب لحملته الاتتخابية.
يتضح من هذه المقاربة أن الحكومة الإسبانية الحالية حكومة هشة لا يجب التعويل عليها في حل مشكل الصحراء، فهي تريد تكييف المواقف الداخلية والخارجية مع قدراتها الضعيفة في المبادرة والاستمرار في الحكم لا غير.
ويبقى للمغرب موقفه الثابت الذي لم يعد فيه لبس في جعل احترام وحدته الترابية أساسا لكل علاقة سياسية أو اقتصادية ضامنا أساسيا لحقوقه المشروعة. والدفاع عن مصالحه الحيوية، وفي مقدمتها وحدته الترابية.
كما أن الأحزاب الوطنية وعلى اختلاف أطيافها مدعوة من جانبها في إطار الدبلوماسية الموازية الانخراط في هذه الدينامية، من خلال علاقات ولقاءات ممكنة مع الأحزاب الإسبانية لتحسيسها بمواقفها الثابتة من القضايا الوطنية وفي مقدمتها قضية الوحدة الترابية.